الجمعة 29 مارس 2024 03:17 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

خارج الحدود

في ثاني حلقات ”شاعر المليون” بموسمه الثامن.. العماني نبهان الصلتي يؤهله الجمهور

الجارديان المصرية


مع الشعر والليل كان متابعو برنامج "شاعر المليون" يوم أمس على موعد جديد مع ستة شعراء تمكنوا من عبور المسافة بين أول لقاء لهم مع لجنة التحكيم قبل أشهر، ومسرح شاطئ الراحة الذي يقدّمهم لجمهور الشعر للمرة الأولى، ضمن أجواء أقل ما يمكن وصفها بأنها غاية في الإبداع والتميز والرقي. وذلك بحضور كل من الشيخ عبدالله بن محمد بن خالد آل نهيان رئيس مجلس إدارة شركة نادي العين لكرة القدم، ومعالي اللواء ركن طيار فارس خلف المزروعي رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية، وعيسى سيف المزروعي نائب رئيس اللجنة ومدير عام قناة بينونة، وعبدالله بطي القبيسي مدير إدارة الفعاليات والاتصال، إلى جانبهم ممثلين عن العديد من وسائل الإعلام العربية المهتمة بالثقافة والإبداع، وجمهور من مختلف الدول العربية جاء فقط ليحظى بأوقات متميزة، ويشارك في تشجيع الشعر والشعراء.
ولا يكتمل المشهد من دون حضور أعضاء لجنة تحكيم البرنامج؛ المستشار الثقافي والتراثي في أكاديمية الشعر الدكتور غسان الحسن، ومدير أكاديمية الشعر الكاتب والناقد سلطان العميمي، والشاعر والإعلامي حمد السعيد رئيس تحرير مجلة وضوح، وهم الحريصون على نقد القصائد، متكئين على معارفهم في الأدب الشعبي عموماً والشعر النبطي خصوصاً، وعلى خبرتهم التي اكتسبوها في هذا الميدان من خلال البرنامج الذي تمكّن من أسر آلاف الشعراء النبطيين، ومن تحريض المشهد الشعري على الحراك.
ولا شك أن اختيار الإعلاميين أسمهان النقبي وحسين العامري لتقديم هذا الموسم يشكل إضافة للبرنامج، خاصة وأن العامري حقق نجاحاً مستحقّاً في تقديم المواسم السابقة، فيما تمكّنت النقبي بحضورها اللافت وهدوئها على المسرح منذ الحلقة الأولى من ترك بصمة خاصة.
وليلة الأمس قدم الثنائي البرنامج عبر شاشتي الإمارات وبينونة في تمام الساعة العاشرة، وأطلقا أحداث الحلقة الثانية بالإعلان عن اسم الشاعر المتأهل عن الحلقة الأولى عبر تصويت الجمهور الذي استمر أسبوعاً كاملاً، لينضم الشاعر العماني نبهان الصلتي الذي ألقى قصيدة (سحابة الحبر) إلى زميليه تهاني التميمي من السعودية وعبيد الكعبي من الإمارات، إثر حصوله على 69%. فيما خرج من المسابقة نواف تركي الظفيري بأصوات بلغت 66%، ومساعد بن عريج الذي حقق 50% من الأصوات، وعلي الغياث من الأردن الذي صوّت له الجمهور بـ44%.
خلال الحلقة تم عرض تقرير حمل اسم (زايد والاتحاد) نقل صوراً ومشاهد من حياة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - رحمه الله - ورأيه وعلاقته وأمله بالاتحاد، كما عرض تقرير عن جائزة زايد لطاقة المستقبل.
ثم أطلت كوكبة جديدة من الشعراء الذين تنافسوا فيما بينهم شعرياً بهدف الانتقال إلى المرحلة الثانية من المسابقة، وكان التأهل ببطاقة اللجنة الشاعر من نصيب الشاعر محمد العنزي الذي حصل على 48 درجة، تلاه في التأهل محمد الخطيمي الخالدي بحصوله على 47 درجة. أما بقية الشعراء فلا بد من انتظارهم حتى الحلقة الثالثة ليتم الإعلان عن الفائز بأصوات الجمهور، وهم إسراء عيسى من الأردن ومنحتها لجنة التحكيم 46 درجة وجمهور المسرح 36%، تلاها في الدرجات مشاري سرهيد الرشيدي من السعودية بـ45، ثم فهد الأغبري من سلطنة عمان الذي حصل على 43 درجة، وأخيراً فريج عتيق المزيني من مصر وحصل على 41 درجة.
 
الجوهر في التهجير
مع الشاعرة إسراء عيسى كانت البداية، وهي التي ألقت نصاً اكتنز بالحزن تجاه النفس والأطفال والناس، مثلما اكتنز بالصور الشعرية المكتملة؛ وقالت في أبياته الأولى:  
يسح الغيم في وجهي وحزن الما مدى مهجور             تخايله الرؤى فكره قديمه ما لها تفسير
وأنا جيت أستميح العمر عذراً والشقي معذور        بعد حمّلت اوزاري من التيه وفقد العير
أدوّر في وجيه الناس عن وجهي ظلال ونور               وحيدة ما معي إلا ظنون ورهبة التفكير
عرفت إني لصوت الريح والمنفى صدى منذور         معي دمع المحاجر سر، وهموم الفقارى بير
معي رجفة يد الجوعى معي خاطرهم المكسور         معي غصة غريب العمر من لوّج به الهجير
 
د. غسان الحسن افتتح باب النقد في الحلقة، فأكد أن النص متماسك بشكل واضح، وبناؤه جميل في التعبير عما تريده الشاعرة، وهو موفّق للغاية. ففي نصفه الأول اعتمدت على كلمات كثيرة تدل على تفاقم الحزن والأسى في نفسها كفرد، وفي المجتمع ككل، مبيّنة فيه المتاهات الفكرية التي اتضحت في (أدور في وجيه الناس عن وجهي ظلال ونور)، وكذلك المتاهات الجسدية التي دلت عليها (بعد حمّلت أوزاري من التيه وفقدت العير)، وذلك بسبب ما يحدث في الساحة. وكانت الفكرة لديها مرات تشّف ومرات تبتعد. ولاحظ الدكتور أن إسراء ارتكزت على فكرة جوهرية ممثلة بـ(التهجير)، ولهذا حملت القصيدة كلمات مقصودة ودالّة عليه، ومن خلالها نستطيع الارتكاز للحديث عن الجوهر، كما نلحظ تبادلاً بين الإنسان والمكان في المواقف، وقد تجلت الفكرة في النصف الثاني من النص، لتجد الشاعرة الحل في الكلام سواء باستخدام (باسم الشعر وآماله)، أو باستخدام مفردات مثل (أغنيات، صوت المعاول، زهر اللوز، ناي الرعاة)، تلك المفردات التي تستدعيها لصناعة الصورة أو لإضفاء تغيير على الواقع، فالشاعرة لا تملك إلا الكلمة، أما البيت ما قبل الأخير (جمعت الصبح بكفوفي وعلقت الندى بلّور) فهو عبارة عن أضواء وأنوار تبشّر بما سيأتي من جديد.
من جهته أشار سلطان العميمي إلى أن النص لم يكن محملاً بموقف واضح، لكنه كان أقرب إلى ذات الشاعرة وإلى بوح الأنثى، فحمل الهم الذاتي والجمعي، وقد اتضح هذا الصراع الداخلي من البيت الأول (يسح الغيم في وجهي وحزن الما مدى مهجور/ تخايله الرؤى فكره قديمه ما لها تفسير)، (وحيدة ما معي إلا طنون ورهبة التفكير) واستمرت إلى آخر القصيدة، كل النزاع صاغته بصور شعرية موفقة في أكثر الأبيات.
حمد السعيد أشاد بجمال النص، وحضور الشاعرة المتمكنة من الإلقاء، والصور الشعرية التي كانت لها وحدها، فلم تقتبسها أو تنهل من سواها. لكنه تساءل عن السبب وراء كمٍّ الحزن في نفوس الشعراء الأردنيين مع أن شعرهم لا يخلو من العذوبة. وأضاف السعيد أن إسراء خاطبت حال كثيرين يعيشون ذات معاناتها، والشعور بالتيه والحيرة، ومع ذلك أشاعت التفاؤل في البييتين الأخيرين. ولعل أكثر الصور التي أدهشته فخرجت عن المألوف؛ تمثلت في (وانا جيت أستميح العمر عذراً من التيه وفقدت العير)، بالإضافة إلى (عرفت اني لصوت الريح والنفى صدى منذور).