السبت 20 أبريل 2024 03:40 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور عوض الغبارى يكتب : نحو تأسيس عصر دينى جديد

الجارديان المصرية

 

هذا عنوان كتاب جديد للأستاذ الدكتور/ محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة، وأستاذ فلسفة الدين والمذاهب الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب جامعة القاهرة.

وهو كتاب أخلص فيه مؤلِّفه لرسالته الإصلاحية، ومفهومه لتجديد الخطاب الدينى، وهو الهدف السامى النبيل الذى يسعى إليه كل فيلسوف مفكر ناقد عالم أديب محقق كمحمد عثمان الخشت. الكتاب مقالات منتظمة فى عمق منهجى علمى اجتهادى يتطرق إلى الوسائل والغايات التى تؤسس لخطاب دينى جديد، يثير حراكا للجمود الذى ران على بعض المفاهيم التى ابتعد بها أصحابها، بوعى أو بغير وعى، قديما أو حديثا، عن جادة الصواب، وحقيقة الاجتهاد الذى يؤجر صاحبه على الخطأ والصواب.

ويٌفسِّر عنوان الكتاب هدف كاتبه من العمل على تأسيس مفهوم دينى جديد يتسق مع ما أدَّاه الفكر الأصيل للإسلام قائما على الحوار والاجتهاد والعقلانية فى غير صدام ولا استنفار أو استعداء على المخالف فى الرأى.

والمرجعية العلمية الأصيلة عربية وغربية- هى المصدر الذى استمد منه مؤلِّف هذا الكتاب القيم رؤاه الجديدة التى انبثقت عن دأب علمى، ومثابرة على متابعة نظرية الإسلام فى فكر أعلام الفقهاء المسلمين، وفى ضوء أصالة الثقافة العربية والحضارة الإسلامية، والتقائها بغيرها من الثقافات الغربية، وحوارها مع هذه الثقافات المختلفة فى إطار من التسامح الفكرى، وبناء أسس الحوار الهادف إلى بناء مجتمع إنسانى ينبذ التطرف والتعصب والكراهية.

وعتبة عنوان الكتاب تكشف عن أهميته فى بيان ضرورة التفرقة بين الإلهى والبشرى، فالإلهى مقدس مطلق، وتفسيره البشرى نسبى يصيب ويخطئ، ولا ينبغى أن يزعم أنه يملك الحقيقة المطلقة.

ويقصد عنوان الكتاب: نحو تأسيس عصر دينى جديد إلى الاجتهاد الدينى القائم على الوحدة والقوة والإصلاح والسلام، لا التزمت والتطرف والكره والقتل والفساد ، الاجتهاد القائم على العلم والسعى إلى التجديد على الرأى الرشيد.

وقد ألَّف السيوطى كتابا مهما فى ضرورة التجديد الدينى عنوانه: الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد فى كل عصر فرض. بناء على معنى الحديث النبوى إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للناس أمر دينهم.

والحق أننا الآن- نحتاج إلى التجديد الممنهج المنظم، بحيث يتجاوز اجتهادات الأفراد القلائل إلى أن يكون منظومة حياة وعلم وعمل مستمر، كأعضاء الجسد الواحد.

وهذا ما تناوله هذا الكتاب من إبحار فكرى فلسفى عميق فى مفهوم الإسلام علما وفنا، وسعيا إلى إصلاح المجتمع، والرقى بالإنسان، والاستجابة لحاجاته الجمالية، فى اتساق مع حاجاته الروحية، والعمل على صلاح دينه ودنياه، والارتقاء بالعلوم والفنون، والثقافة والاقتصاد، والتعليم والعلماء والإعلام، ودور هذه المنظومة متكاملة- فى بث روح العمل والأمل والرقى والنهضة والرخاء والازدهار للجميع دون تفرقة على أساس الجنس أو الدين، بل المساواة على أساس حضارى وإنسانى رحب لا فرق فيه بين أحد وآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.

ولاشك أنَّ اختيار محمد عثمان (الخشت) لعنوان الكتاب فيه ذكاء يدفع القارئ للسؤال عن معناه: &نحو تأسيس عصر دينى جديد&، فيتكشف له بعض ما أشرنا إليه من معنى عنوان هذا الكتاب، ويتأكد ذلك عندما يتتبع فصوله المهمة، وآراءه القيمة، وفكره المستنير، وفهمه العميق لقضاياه، واقتداره على عرض أفكاره مع عمق فلسفته، وتنوع مادته، وسياحته بين القديم والحديث، عربيا وغربيا، فى تأسيس رؤيته للإصلاح الدينى.

ويقع هذا الكتاب فى سبعة فصول ضافية، يقدم لها (الخشت) بجوهر فلسفته وهى قياس الفكرة بما يترتب عليها من نتائج، فالفكرة الصائبة، بهذا القياس المنهجى العقلانى العلمى الفلسفى القدير كما يراه، هى التى تعمل بنجاح فى الواقع وتنفع الناس.

ولذلك فالمسلمون الآن- فى حاجة إلى النقد والمراجعة، والفقهاء والعلماء فى حاجة إلى نبذ الجمود فى فهم الإسلام، وإلى التحرر الفكرى على أساس التمييز بين المقدس والبشرى فى الإسلام، وتغيير طرق التفكير، وتغيير رؤية العالم، وتطوير التعليم لبناء مجتمع قوى من كل النواحى الاجتماعية والثقافية والإنسانية، والعودة إلى المنابع الصافية للإسلام، وللقرآن والسنة الصحيحة().

والفصل الأول من الكتاب، وعنوانه: &الشك المنهجى وتأسيس عصر دينى جديد معالجة للشك المنهجى للوصول إلى اليقين، ولولا إعمال العقل لما وصل إبراهيم إلى الحقيقة عندما شك فى عقائد قومه فى الأوثان().

والشك المنهجى مرجعية فلسفية حديثة، ارتكن إليها (الخشت) للتدليل على افتتاح عصر جديد هو عصر العقل()، وعصر التجديد.

والتجديد فى فكر مؤلف هذا الكتاب بناء لا هدم، ونظر إلى فقه الواقع فى ظل منهج منضبط، يصل بنا إلى المعارف الواضحة والمتميزة، وإنتاج العلم(). هنا يبزغ نور الحقيقة، وتتبدد الضلالات والأوهام التى يشيعها المتلاعبون بالعقول.

أما عنوان الفصل الثانى من هذا الكتاب فهو تفكيك الخطاب الدينى التقليدى  بمعنى تطوير علوم الدين لا إحيائها، وإن كان (الخشت) قد غلبته رغبة التناص مع الكتاب الفذ للغزالى، وهو كتاب إحياء علوم الدين فغمط المفهوم الأصيل للإحياء من حيث هو عملية ضرورية للنقد المنهجى بغرض تجديد الخطاب الدينى، إذ الإحياء -هنا استعارة تنتقى من الخطاب الدينى القديم ما يتوافق مع الواقع الجديد، ولا يعنى الإحياء بالضرورة- التقليد أو الاتباع فى غير طائل.

ومفهوم النقل الذى قدرّه (الخشت) وكثير من المجددين أنه نقيض للعقل، فيه نظر، إذ النقل يعنى الانتقاء والاختيار والمراجعة النقدية للخطاب الدينى النافع الصحيح، ولا يعنى النقل- بالضرورة كذلك- أنه ضد العقل هكذا بالإطلاق.

وتفكيك الخطاب الدينى التقليدى بمفهوم الخشت- استبعاد خطاب الفتنة التى نشأت بعد مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه وأوقعت الشقاق فى كيان الدولة الإسلامية، وتسببت فى إضعاف المسلمين بتقسيمهم إلى شيع وأحزاب متحاربة.

واستبدال هذا الخطاب العقيم بماكينة تفكير جديدة، و ماكينة التفكير من صكوك &الخشت&، يعنى تطوير مناهج البحث، وطرق التفكير فى طريق الإبداع لا الاتباع، ولإنتاج علوم جديدة.

وقد نظر (الخشت) إلى المتون والشروح والحواشى نقيضا لاستخدام العقل الذى يبغيه وسيلة وغاية للتجديد، ونحن معه لكن ليس بإطلاق الحكم على كل المتون والشروح والحواشى بأنها مناقضة للعقل، داعية إلى الجمود وانغلاق الفكر، إذ منها ما يعد غاية فى إتقان الفكر، وانضباط المنهج، فشروح شعر ابن الفارض فى التصوف، مثلا، من أبدع التراث العربى.

فالأمر فى العقل والنقل نسبى، وكذلك فى الشروح والمتون، والعبرة بطريقة توظيفها ووضعها فى المسار الصحيح للتجديد المنشود.

وهذا الفصل من الكتاب، وغيره من الفصول، يدل على إخلاص مؤلفه لفكرته، وحرصه على تجديد الفكر الدينى، وانتشاله من جموده عند مَن توقف به الزمن عند عصوره الأولى، دون تبصر بمجريات الأحداث الجديدة والإفادة منها، ومن تطور العلوم المختلفة فى تحقيق مقاصد الدين لسعادة الإنسان فى دنياه وأخراه، ودعوة الإسلام إلى التفكر والتأمل، وحث القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة على طلب العلم، وتدبر بديع صنع الله فى الآفاق، وتمييز الله للإنسان عن غيره من الكائنات بالعقل المفكر.

ويبلور &الخشت& منهجه فى تفكيك الخطاب الدينى التقليدى، وإحلال الجديد مكانه فى هذا النص المهم: &فعملية التفكيك لابد أن تسبق عملية إعادة البناء، لكنه ... ليس تفكيكا على شاكلة المشككين الذين يساهمون فى استمرار عملية السيولة التى تهدد الأوطان... التفكيك الذى ندعو إليه هو النقد والتحليل العقلانى... ولا ينكر الحقيقة الموضوعية... ولا ينكر وجود قيم مطلقة، بل يتحرى فى الوصول إليها بمعايير علمية صارمة. ولا يتنكر للإلهى، بل يقصد إليه شعوريا فى عملية توحيد خالية من الشرك.. ومن ثم تمييز الإلهى& عن البشرى فى الفكر والعلوم، ونزع القداسة الإلهية عن المرجعيات البشرية التى تنتحل الصوت الإلهى، وتتحدث باسم الحقيقة المطلقة، ومن دون هذه العملية لن يمكن فتح باب الاجتهاد والتجديد الحقيقيين&().

إنه الفكر الذى يتسق مع رحابة الإسلام، والنظر للآفاق التى لا تهدم أصول الدين، بل تنميه فى إهابه الذى يسمح بهذا النماء من إعمال العقل، واتساع الأفق لدين كله يسر لم يشاده أحد إلا غلبه.

فمفهوم العصر الدينى الجديد الوارد فى العنوان يعنى تجديد الخطاب الدينى، تأسيس فكر دينى يعود إلى الإسلام النقى المنسى، والسعى إلى نقد الفكر المتخلف الزائف المتقنع بأقنعة دينية مغلقة مؤدية إلى التطرف والإرهاب. إن التفكيك الذى يحتاجه الخطاب الدينى، كما يقول الخشت، &هو تفكيك يريد العودة للمراكز الأولى للعلم والفكر والدين&(). بتأويل جديد يأخذ بأسباب الاجتهاد وبأسباب العصر()، وينبذ طرائق الجمود والتخلف.

إن الدين لا يناقض العقل، والتجديد لا يعنى هدم ثوابت العقيدة، والحاضر لا يلغى الماضى، بل يحاوره ويفيد منه، والماضى لا يتسلط على الحاضر فيدفعه إلى الجمود، وعليه يجب أن نبقى على العناصر الحية لتحقيق مقاصد الدين، ومصالح الناس، وإقامة أسباب العمران(). &التفكيك& هو المراجعة النقدية المتوازنة للتراث الدينى، وتنقيته مما علق به من الشوائب، وتجلية أصالته، ومواجهة أفكار الجهلاء الضالين المضلين، استعانة بالمنابع الصافية للقرآن والسنة.

وعنوان الفصل الثالث من الكتاب &العقل المغلق& وصفا للانغلاق الفكرى المؤدى إلى العنف والتطرف.

ويتسم أصحاب العقل المغلق بالخداع والانحراف عن طريق العلم والإيمان، والبعد عن طرائق العقل المنهجى المنضبط، والوهم بامتلاك الحقيقة دون غيرهم ممن إذا خالفوهم فى الرأى اتهمهم هؤلاء الضالون بالكفر، مما يجر إلى الإرهاب بأشكاله البشعة التى نراها تحصد أرواح أبريائنا يوما بعد يوم فى سلسلة دامية من انتهاك كل أشكال الحياة والحضارة والعمران، فى اتجاه محموم ضد كل القيم الإنسانية.

ويعرض &الخشت& لصنوف من الفهم الخاطئ للإسلام عند بعضهم مما يسيئ إلى الإسلام، ولا يستند إلى روحه السمحة الحضارية . ومثل هذا الجو الخانق الذى يوجده المتطرفون يؤدى إلى وضع عدائى بغيض لا يتيح مجالا للتجديد، لطبيعته المعادية للعقلانية، المؤدية إلى الجدل العقيم والتعصب المطلق.

وهنا &يجد المسلم نفسه بين تيارين متعصبين... تيار التطرف العلمانى وتيار التطرف الدينى؛ إذ يتصرف التيار الأول وكأن الله غير موجود، بينما يتصرف التيار الثانى وكأن الإنسان غير موجود!.

وكلا التيارين يتوهم امتلاك الحقيقة المطلقة، إن الجهد البشرى نسبى فى إدراك الحقيقة، والحق مقياس نفسه وفق معاير الواقع والعقل البرهانى، والوحى المبين.

وهذا هو الطريق الذى يفتح الباب للاجتهاد، وينأى بصاحبه عن التقليد الذى انتقده القرآن الكريم فى قوله تعالى: وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا سورة البقرة: 170.

والعقل النقدى يؤدى إلى نبذ التعصب والجمود الفكرى، وما أدى إليه من إرهاب وعنف وكراهية وصراع لا يمكن أن يتصل بالدين وإن تقنع به، ولا يمكن أن يتصل بالإنسانية ولا بالحكمة ولا العقل وإن ادعى ذلك.

ويقدم (الخشت) تحليلا عقلانيا لدوافع الشر والإرهاب، ويبرئ ساحة الإسلام منه ويؤكد ضلوع الغرب فى إنشائه، لأسباب سياسية، بالبراهين الدامغة التى تدل على اطلاع واسع، وحكمة بالغة فى تحليل هذه الظاهرة الخطيرة.

ويمضى الفصل الرابع من الكتاب، وعنوانه حتى لا نعيد إنتاج عقول مغلقة& فى بيان أهمية التعليم، وأثره فى تنمية منهج التفكير، والقضاء على الانغلاق الفكرى. وينظر (الخشت) إلى تطوير التعليم والبحث العلمى وسيلة وغاية لتحقيق الأمن القومى المصرى والتنمية فى المجالات المختلفة.

إن التخطيط الواضح لمستقبل العلم الحديث أساس للنهضة والتقدم نحو التجديد والابتكار وبناء الشخصية المصرية القوية . ويضع (الخشت )تصورا جادا لتطوير التعليم، وتحقيق غاياته الثقافية والحضارية فى إطار استراتيجى لحساب المشاكل والحلول. استراتيجية قومية واضحة ومحددة& ذات فلسفة اجتماعية فى التربية والتعليم والبحث العلمى، حتى يكون التعليم هو البوابة الذهبية لبناء مصر المستقبل. حيث التعليم القائم على الحوار والفكر والابتكار لا الحفظ والتلقين، التعليم من أجل الوعى النقدى، وممارسة الحرية.

وكذلك تطوير المحتوى التعليمى ليتناسب مع متطلبات إعادة بناء مصر ثقافيا وسياسيا، واحتياجات المجتمع وسوق العمل. وذلك لمعرفة الحقائق، وتربية الفرد، وتكوين المجتمع الديمقراطى، باعتباره ضرورة من ضرورات الحياة.

فالتعليم هو صانع الموارد البشرية ، والنهضة الصناعية والزراعية والتنمية الشاملة()، القائمة على التكنولوجيا الحديثة.

والقدرة على صنع هذه التكنولوجيا، لا استيرادها، والعمل على ربطها بالثقافة والتعليم الذكى الحديث القائم على هذه التكنولوجيا، لا الوسائل القديمة()، ويحلم (الخشت) بهذه الثورة العلمية التعليمية قائمة على الجهد والعمل، لا الشعارات الجوفاء. وكذلك العمل على إتاحة الموارد المالية للإنفاق على البحث العلمى، والنهوض به.

ويجب وضع خريطة عمل من أجل أن يكون العلم فى قلب المشروع القومى لمصر، وانفتاحه على الآفاق العلمية العالمية الحديثة.

وعنوان الفصل الخامس تجديد المسلمين وبحث الفجوة بين الإسلام بمثاليته الرفيعة، وبين المسلمين وواقعهم المتردى، فالإسلام يقدم نموذجا عالميا للدين الذى يلائم الطبيعة الإنسانية، ويعترف بالتنوع الكونى والإنسانى، ويؤكد أن التعددية سنة إلهية، ويميز بوضوح بين البشرى والإلهى.

أما المسلمون فلا يزال كثير منهم &يقيمون علاقتهم مع الله من خلال الطقوس والمظهر فقط، وينسون المعاملات والصدق والالتزام والدقة وإتقان العمل.

ويمعن (الخشت) فى الغوص حول المفارقات بين الإسلام و المسلمين بأسلوب ضاف حافل بالصدق فى علاج هذه الفجوة، زاخر بالحكمة والفلسفة القائمة على أسس علمية منهجية واضحة.

ويرى (الخشت) أن الحل يكمن فى تجديد المسلمين، والسعى بهم إلى فهم أرحب للإسلام بقيمه السمحة، وإنجازاته الحضارية. ولابد من تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام، إذ ربط الغرب بينه وبين الإرهاب، وهذا غير صحيح.

ولابد لتجديد المسلمين من تجديد رؤيتهم للعالم، واستعادة الإسلام الأول، والعلم الحديث، والوطنية، ووحدة الصف، والأخذ بالأسباب، والتخطيط الاستراتيجى، والعمل الجاد. وعليه فلابد من تغيير طريقة إدراك المسلمين لمفهوم الدين ، بالرجوع إلى المعنى الأصلى له ،من حيث جوهره لا مظهره، كله لا جزئه.

ويمضى (الخشت )فى تحليل فلسفى للتعريف اللغوى للدين. وقد جاء الإسلام تحريرا للإنسان، وتحرير اختياره، والدين بلاغ وليس إكراها .

والطاعة فى مفهوم الدين ليست إلا طاعة للقرآن والرسول ص-.

وبتحليل لغوى فلسفى واع يصحح (الخشت) الكثير من المفاهيم المغلوطة عن الدين، وينبذ الخداع والاتباع فى خطاب بعض مَن جهل المفهوم الأصيل للإسلام مبنيا على القرآن الكريم الذى استند إليه (الخشت)فى كثير من مواضع الكتاب. أما الفصل السادس، وعنوانه: &الإسلام الحر& فيتجه إلى تقديم نماذج من الفقه الإسلامى الحر الذى جابه الجمود والانغلاق والتعصب فى كل زمان ومكان، فى تمييز راجح بين الثوابت والمتغيرات، فالعدل، مثلا، قيمة مطلقة، لكن الإجراءات الضامنة له متغيرة.

والمجال مفتوح دوما- للاجتهاد الذى يدور حول المصلحة المجتمعية، المحكومة بمعايير الشرع ومقاصده . والإسلام الحر عودة لمنابع النهر الصافية، القرآن والسنة الصحيحة. والاجتهاد واجب دون فرض رأى، وادعاء أفضلية على رأى آخر.

ولابد من السعى إلى التخلص من الشبهات والشوائب التى تشوه الإسلام.

والإسلام الحر هو الجوهر الخالص من الشوائب، القائم على تعدد الرأى، المتسم بالأصالة(). والحرية مسئولية لا فوضى فى إطار الالتزام بتطبيق القانون(). والحرية هى الحق &فى فعل كل ما تسمح به القوانين. ومضى (الخشت)يوضح معالم الحرية الخاصة، وحرية العقيدة وفق منهج دينى عقلى رشيد.

ويتناول الخشت الإبداع والفن والسينما، ودور ذلك فى الرقى الإنسانى بعيدا عن الابتذال والانحطاط الأخلاقى. وتذوق الجمال حسب مفهوم أحد أدباء أوربا- ينشأ من الشعور بالاحترام والعرفان بالجميل، والسرور النابع من إدراك صنعة الخالق فى الطبيعة& والطريق إلى الفن هو القلب.

والفن الأصيل تطهير للنفس الإنسانية، اتساقا مع الدين الذى يرسخ قيم الحق والخير والجمال، ويعيد للإنسان نقاءه العقلى وتصالحه مع ربه ونفسه وعالمه، بتعبير (الخشت).

وعنوان الفصل السابع، وهو الفصل الأخير الحاكم الناجح بين قوانين القرآن وسنن التاريخ. وهو قراءة ضافية لقصة ذى القرنين فى القرآن الكريم. وينطلق منها إلى العبر والدروس المستفادة فى قراءة التاريخ ومعرفة قوانينه، لتكون منهاجا للفرد والمجتمع نحو حياة أفضل.

من ذلك الجمع بين التفكير الدينى الصحيح، والتفكير العلمى المنضبط ، مما تمثل فى شخصية &ذى القرنين& حاكما عادلا عاملا. ولنهوضنا يجب امتلاك الإرادة والتفكير المنظم، وإقامة الدولة على أساس العدالة والصدق، ومواجهة الإرهاب بكل قوة، والإعداد للقضاء عليه بكل عدة، وإرادة النصر على التخلف والإرهاب، والأخذ بالأسباب والتخطيط، الأخذ بأسباب التمكين والتنمية ومواجهة الإرهاب بكل قوة، وهى الأيقونة التى نستخلصها مع الخشت- من قصة (ذى القرنين) ، بل من قصة الدين والعلم والحياة.