الخميس 18 أبريل 2024 10:54 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

واقع العلاقات العراقية الإيرانية ...قراءة تحليلية ورؤية عربية (الحلقة الثانية)

نضال العضايلة يكتب : الدور السياسي الإيراني في العراق 

الكاتب الصحفى نضال العضايلة
الكاتب الصحفى نضال العضايلة

لم يؤد الغزو الأمريكي للعراق فقط إلى إسقاط نظام صدام حسين، بل أدّى إلى إسقاط الدولة العراقية ومؤسسات الحكم فيها بشكل كامل تقريباً، وبالأخص المؤسسة العسكرية العراقية، وحلّت سلطات الإحتلال محل تلك المؤسسات لضمان سيرورة شئون البلاد. وقد أعطى هذا الإنهيار المؤسسي العراقي الفرصة لطرف قوي لا يُستهان به أبداً مثل إيران من التدخل ومحاولة التأثير في عملية إعادة البناء المؤسسي والدولاتي بحيث تضمن على أقل تقدير عدم مجئ حكم معادي إذا لم تستطع إيجاد حكم موالي.

 
وفي سبيل ذلك تدخلت إيران بثقلها في العراق واستخدمت أهم، وأخطر، أدواتها في العراق وهي التأثير في الطائفة الشيعية العراقية ومليشياتها المسلحة. وقد تدخلت إيران بشكل كبير بعد الغزو الأمريكي للعراق في موضوعين أساسيين، الأول يتمثل في استغلال الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية لعملية نقل السلطة إلى العراقيين خلال الفترة الإنتقالية، والثاني يتمثل في العملية الإنتخابية العراقية. ولا نكاد نرى دليلاً على مدى التوغل الذي قامت به إيران في العراق أوضح من اضطرار الولايات المتحدة للتباحث معها حول مستقبل العراق، وذلك في ظل الصدام القوي بين واشنطن وطهران بسبب برنامج طهران النووي آنذاك فيما يظهر على أنه اعتراف ضمني من الولايات المتحدة بعدم قدرتها على تحييد إيران في الشأن العراقي.
 
 *الإستراتيجية الإيرانية بعد الغزو الأمريكي للعراق* 
 
أمّا في عملية نقل السلطة، فقد أدّت الطريقة التي اتبعها الأمريكيون في هذا الشأن إلى ترسيخ المحاصصة الطائفية والعِرقية بين المكونات العراقية. فالحاكم المدني للعراق بول بريمر أنشأ مجلس الحكم الإنتقالي في يوليو 2003 من المعارضين العراقيين البارزين لنظام صدام حسين، ولكنه جاء مجلساً طائفياً ذي صبغة  شيعية (13 عضو من أصل 25) على حساب الطائفة السُنية التي كانت تمتلك مقاليد الحكم في البلاد قبل عدة أشهر، ولا شك أن ذلك قد ترك آثاراً سلبية في نفوسهم.
وقد تلقّفت إيران تلك التطورات الناتجة عن الأخطاء الأمريكية في نقل السلطة ودعّمت الحكومات الشيعية وسارعت بالإعتراف بها وتوطيد العلاقات معها، وهو ما أعطى لطهران موطئ قدم في العراق في كل الحكومات التالية تقريباً، إذ عملت على ترسيخ القاعدة التي بدأتها الولايات المتحدة بتعزيز النهج الطائفي في اقتسام السلطة. وذلك من خلال قيامها بجهود واسعة في إزالة الخلافات العالقة بين التيارات الشيعية من أجل ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول يتمثل في الحفاظ على أغلبية شيعية تأتي بحكومات حليفة لإيران، والثاني في كسب ولاء مختلف التيارات الشيعية على اعتبار أن إيران هي الوسيط المتوقع في أي خلاف شيعي-شيعي قادم. وذلك هو الدور الذي خوّل إيران لعب دور في إعادة تأهيل الجيش العراقي والتنسيق معه وتوقيع العديد من الإتفاقيات الأمنية.

واستكملت إيران تنفيذ استراتيجيتها في العراق من خلال محاولة التحكم في العملية الإنتخابية العراقية عن طريق حلفائها العراقيين أنفسهم.

وأول الإنتقادات جاءت على خلفية استبعاد عدد كبير من المرشحين السُنة البارزين قبيل انتخابات 2010 بموجب قرارات هيئة المساءلة والعدالة، التي تهتم بتطبيق العزل السياسي الذي أُقرّ بحق أعضاء البعث السابقين، بعد ما قيل أنه جهود قيادات شيعية بارزة مرتبطة بطهران.
وتواصل الدور الإيراني بعد انتهاء الإنتخابات لتتدخل في مرحلة تشكيل الحكومة، واتضح ذلك بعد توافد قادة سياسيين عراقيين إلى طهران في احتفالات عيد النيروز، وهي الزيارات التي تزامن معها إعراب نائب رئيس الجمهورية (السُني) طارق الهاشمي عن قلقه بشأن المحادثات التي تجريها قيادات سياسية عراقية بطهران "من أجل تشكيل الحكومة". 

وما أثار الإنتباه إلى جدية ما صرّح به نائب الرئيس هو حضور الرئيس نفسه إلى طهران بعد أيام قلائل على إيفاده وزير خارجيته للقمة العربية في سرت الليبية (2010). وهذا الموقف يدلل كثيراً على مدى النفوذ الذي تمكنت إيران من الحصول عليه في العراق حتى تسبب في خروج تصريحات قوية من وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك حول محاولة إيران للتأثير على الإنتخابات العراقية.
 
ولم تسلم الشئون الخارجية للعراق من التدخلات الإيرانية شأنها في ذلك شأن التدخلات في الشئون الداخلية، فقد اعترضت على الإتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة المتعلقة بتحديد وضع القوات الأمريكية وانسحابها من العراق، ولهذا اضطر المالكي للذهاب إلى طهران، في محاولة لطمأنة نظام طهران، والتعهد بأن ينص الإتفاق النهائي على منع الولايات المتحدة من مهاجمة إيران انطلاقاً من الأراضي العراقية.
وبعد أن استطاع تنظيم داعش السيطرة على مساحات واسعة من العراق في ظل عجز عراقي واضح، تلاقت مرة أخرى المصالح الأمريكية والإيرانية من أجل القضاء على التنظيم وتحرير الأراضي التي سيطر عليها. وعلى هذا الأساس تغاضت واشنطن عن الدور الإيراني غير المسبوق في العراق والذي شمل تمويل ودعم المليشيات وإرسال المستشارين، وربما الجنود، العسكريين إلى داخل العراق، وهو الدعم الذي أثار حفيظة السُنة وبعض البلدان المجاورة خصوصاً في الخليج العربي. وقد دافعت الحكومة عن هذا الدعم في وجه منتقديه.