الجمعة 29 مارس 2024 02:50 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

#بلا_هوية

الدكتورة مارى جرجس رمزى تكتب : المال المشلول

الدكتورة مارى جرجس رمزئ
الدكتورة مارى جرجس رمزئ

لم يخشى المجرم لحظة نطق المحكمة بحكم نفيه إلى جزيرة لحين موعد إعدامه
فالرجل لا يؤمن إلا بشئ واحد... المال وقوة المال وقدرته على فعل أي شئ وكل شئ.... حتى المستحيل
بمنتهى اللامبالاة تلقى النطق بالحكم والترحيل إلى تلك الجزيرة المهجورة التي يرسل إليها المحكوم عليهم حكما نهائيا بالإعدام لحين تنفيذ الحكم
وفي اليوم المحدد كان الرجل فوق متن سفينة هو وعدد من المحكوم عليهم بالإعدام إلى مثواهم الاخير
وما ان وطات أقدامه جزيرة الموت بدا بدهاء ومكر يستكشف كل ما حوله... ومَّن حوله
لاحظ الرجل احد الحراس وبحكم حنكته في معشر الرعاع و الشر والطمع أدرك بعين الخبرة أن هذا الحارس هو ضالته الذي يبحث عنها
تقرب الرجل إلى الحارس وعرفه بنفسه وثروته
وما أن احكم قبضته على نفس الحارس الضعيفة قال له
سامنحك ما يجعلك ملكا إن اخرجني حيا من جزيرة الموت
وعرض عليه مبلغا من المال فعلا يجعله ملكا الباقي من حياته ومن بعده أولاده واحفاده 
ترك الرجل الحارس في حالة نشوة وهذيان ليستوعب هذا الخبر الأشبه بمارد المصباح الذي يظهر في الأساطير ليحقق المستحيل
وفي صباح اليوم التالي هرع الحارس إلى الرجل وهو يلهث كالكلب وراء قطعة لحم تتراءي فقط في خياله الجائع
وقال
سيدي... ثمة طريق واحد للخروج من جزيرة الموت هو أن تموت فعلا
رد الرجل وقال
اجننت أيها الحارس انا سامنحك ثروة لاخرج حياً من تلك الجزيرة وأنت تتفوه بهذا الكلام المعتوه
رد الحارس قائلا
مهلا سيدي واسمعني للنهاية... لا أحد يخرج من هذه الجزيرة  إلا من مات  من منتظري حكم الإعدام قبل موعد تنفيذ الحكم
نغسله ونكفنه ونضعه في صندوق خشبي وتاتي مركب  فجر كل يوم لتأخذ هذا التابوت إن وُجِد إلى المدينة... ولحسن حظك مات اليوم أحدهم وهو الآن يُجَهَز   ليوضع بالصندوق انتظارها لمركب الترحيل فجر الغد
نظر الرجل إليه باندهاش وطلب منه أن يكمل كلامه
قال الحارس
مطلوب منك سيدي ان تتسلل قبل الفجر بساعة إلى غرفة تحت الارض سأشير لك إلى مكانها   وتنزل بهدوء وتتحسس خطاك لأنك لن ترى كف يدك
ستجد تايوتا مجهزاً على يمين الباب مباشرة افتحه وتمدد فيه فوق جثة الميت
هي ساعة واحدة ويحل الفجر بعدها وستكون ع متن المركب وانا معك عليها وبمجرد دفن الصندوق بنصف ساعة سأحضر انا وافتح لك لتخرج ولكن لن اتركك قبل أن تمنحني المال المتفق عليه
اتفق الرجلان وجاء الليل وتسلل الرجل ورقد فوق جسد المتوفي داخل الصندوق القابع يمين باب الغرفة  وانتظر
ساعة بالتقريب.... مرت كدهر بعدها سمع أصوات أقدام  وبالفعل تم نقل الصندوق إلى المركب والرجل بالداخل بين فرحة الانتصار بقوة المال والحيلة والشر وبين خوف الإخفاق
ولكنه يعرف ان المال سيد بل إله ... إلهه هو الذي أفتى عمره في عبادته ولم يخونه لحظة فقدسة
وصل التابوت إلى مكان الدفن وأُغلق الصندوق بالأقفال وأُنزل إلى مستقره
هدات الأصوات تدريجيا حتى رحل الجميع وساد الصمت التام
وابتدأ الرجل يقلق وتتسارع ضربات قلبه وأنفاسه
الوقت يمر والهواء يقل
لكنه مؤمن بسيده
المال
الذي يشتري كل شئ وأولهم الضمائر الرخيصة والبشر الأرخص
هو يثق في إلهه... سيأتي الرجل... كان كالكلب أمام سيرة المال... سيأتي لانه عبد مثله ويستحيل ان يضيع تلك الفرصة
مرت الدقائق ثقيلة وابتدأ الرجل يشعر بالاختناق حتى مرت نصف ساعة ف ساعة فأكثر وابتدا الرجل يشعر انه بصدد فقدان وعيه من قلة الهواء
وفي محاولة أخيرة لتهدئة نفسه تحسس  ملابسه فاخرج منها ثقاب أشعله لينظر إلى ساعته فيعرف الوقت... قو ما أن أشعل ثقابه الا وظهر أمامه وجه المتوفي.....
كان المتوفي الذي يشاركه الصندوق هو الحارس الذي دبر معه كل شئ شرير برعاية إلههم... المال
مات الحارس في تلك الليلة واختبأ الرجل في صندوقه
ومات معهم ربهم... المال  المشلول
قصة توارثناها... فهل فهمناها