الخميس 25 أبريل 2024 09:02 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

في الذكرى ال72لنكبة فلسطين

الكاتب الصحفى الكبير حمادة إمام يكتب : اليهود من التيه إلى أرض الميعاد 

لكاتب الصحفى الكبير حمادة إمام
لكاتب الصحفى الكبير حمادة إمام

((إننا نأمل أن نكون أبناء جيل لم يشأ فقط إنقاذ شعبه من هاوية الدمار بل أيضاً ولادته من جديد في بلد أجداده..))
"الحاخام مردخاي شبلرم"
لماذا اختار الإنجليز اليهود تحديداً ليزرعوهم على أرض فلسطين كقاعدة بشرية تهدد أمن مصر وتقطع الصلة بين العربي الأفريقي والآسيوي ولتحمي قناة السويس البوابة السرية للقارة الأفريقية، وهذا الاختيار هل كان بدافع انساني أم كانت هناك صفقة مشبوهة عقدت بين الإنجليز وقادة اليهود؟
.........................................

والإجابة عن مثل هذه التساؤلات تبدأ منذ نجاة نبي الله موسى حتّى استقرار اليهود في الأحياء الأوروبية المعروفة باسم "الجيتو" ثم ثورة المسيحيين والمطالبة بتخليص أوروبا منهم، حيث تزامن ذلك كله مع المشروع البريطاني بضرورة استيطان قاعدة بشرية لتحمي قناة السويس وظهور الصهيونية العالمية ودعوتها بضرورة البحث عن وطن لليهود في أي مكان في العالم بعد ثورة المسيحيين بسبب أعمالهم وتصرفاتهم، واليهود لديهم شعور بالتمايز والاختلاف عن الآخرين أدى إلى اعتناقهم فكرة النقاء العنصري. وهذا بدوره كان راجعاً إلى تصورهم عن الله عز وجل، فهم يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار وشعوب العالم في مركز منحط يطلقون عليهم كلمة الأممين
....................
وأصدرت الكنيسة عام 1179 في مؤتمر لاتيران الثالث توصيات بفصل المسيحيين عن اليهود وكانت حكومة فينسيا أول من طبق هذا القرار حيث صدر قرار بإيداع اليهود الموجودين بالمدينة في حي المسبك القديم والذي عرف فيما بعد باسم الجيتو. وهو حي كان يوجد على أطراف المدينة، وقد روعي في تأسيسه أن يكون محدد المساحة محاطاً بأسوار عالية تفتح أبوابه في الصباح وتغلق بالليل ويحظر على أي يهودي التواجد خارج الجيتو، ولا يسمح لأي مسيحي بالتواجد داخله. وإذا أراد يهودي الخروج إلى خارج الجيتو فعليه أن يرتدي علامات وإشارات تحدده بحيث يتعرف الناس عليه فكانت شارة حمراء وقبعة حمراء في إيطاليا وفي ألمانيا كانت شارة صفراء وكانت الحكومات الأوروبية جميعاً متفقة على عدم منح اليهود أية مساحة لتوسيع الجيتو فأصبح اليهود يواجهون الزيادة السكانية بالتوسع الرأسي الأمر الذي سبب انهيارات المنازل على رؤوسهم وتحولت أفراحهم إلى مأتم. وهذا السجن سبب لليهود إحساسا بالاضطهاد، فكانوا على استعداد تام لتنفيذ مطالب أية دولة في مقابل تخليصهم من هذا السجن، خاصة بعد مقتل القيصر اسكندر الثاني في روسيا عام 1881. وحامت الشبهات حول اليهود فاندلعت عاصفة من ذبح اليهود، زاد من تأكيدها تكرار نفس الحادث في فرنسا حيث اتهم الفريد دريفوس الضابط بالمدفعية الفرنسية بالتجسس وبيع الوثائق لصالح ألمانيا وقدم إلى المحاكمة وتمت إدانته، وثارت ثائرة الفرنسيين وطالبوا بطردهم من فرنسا. وهكذا كان حال أوروبا واليهود فيها قوماً غير مقبولين من أي شعب، وقتها كانت الإمبراطورية البريطانية قد توطدت أقدامها في البلدان العربية ولكن شعوبها دائماً في حالة ثورة. وقتها قدم اليهود أنفسهم على أنهم يمكن أن يكونوا مندوباً عنهم وقطعة مرتبطة بها أبقى لها من أي جيش مسلح، فإذا غطت إنجلترا مصلحتها في وجود هذا الجسم الغريب في الجسم العربي بغطاء إنساني شفاف هو الرغبة في حل المشكلة الأوروبية وحل مشكلة اليهود، فإذا تحقق ذلك تحول كل يهود العالم إلى عملاء لها بأموالهم وانتشارهم في أوروبا، وهكذا استطاع الإنجليز مزج أهدافهم السياسية والمصلحية بشعارات تبدو إنسانية. وكانت أولى الخطوات عام 1914 عندما كتب حاييم وايزمان إلى صديقه رئيس تحرير المانشيستر جارديان شارحا الخط الصهيوني والتي جاء فيها: " من الممكن الآن أن نقول أنه إذا وقعت فلسطين في دائرة النفوذ البريطاني وإذا شجعت إنجلترا بعد ذلك توطن اليهود هناك، مستعمرة بريطانيا فإننا نستطيع أن نوجد خلال الثلاثين سنة القادمة حوالي مليون يهودي في تلك البلاد فيطورونها وينقلون الحضارة إليها ويكونون بمثابة حرس فعال لقناة السويس". وبتلك الرسالة حدد الطرفان شروطهما فكانت الطلبات اليهودية هي تسهيل استيطان اليهود في فلسطين في مقابل استمرارهم في خدمة مصالح إنجلترا بحراسة قناة السويس لحسابهم، وفي مارس 1915 بدأت بريطانيا تتخذ الخطوات الرسمية لتنفيذ زرع اليهود في فلسطين فأرسل سير إدوارد جاري وزير الخارجية إلى سير إدوارد بوكانان سفير إنجلترا في سان بطرسبورج عاصمة روسيا القيصرية في ذلك الوقت مذكرة يشرح فيها رأى الحكومة البريطانية في العلاقة بين فلسطين والصهيونية. وقد رد الروس على المذكرة بالموافقة بشرط المحافظة على مصالح الكنيسة الروسية في الأراضي المقدسة وقد عين في نفس السنة "مارك سايكس" مساعداً لوزير الحربية البريطاني وأصبح الشرق الأوسط داخلا في اختصاصه وبعد وصول مذكرة سير إدوارد جراي إلى سان بطرسبورج بقليل وصل سايكس إلى العاصمة الروسية والتي انتهت باتفاقية "سايكس ـ بيكو"، المعروفة في التاريخ العربي وقد أقنع مارك سايكس جورج بيكو وزير خارجية فرنسا بأهمية إعطاء الصهيونية حق إقامة وطن قومي في فلسطين وانتهت الاتفاقية بتسليم فلسطين إلى إنجلترا دون البت في مسالة منح اليهود حق إقامة وطن لهم في فلسطين، ولكن بعد تشكيل الوزارة الجديدة في بريطانيا بشهرين عقد في منزل "موسى جاستر اليهودي" لقاء بين مارك سايكس وهربرت صموئيل وحاييم وايزمان وهاري ساشر، وقد تكلموا في ضرورة إعطاء اليهود صفة قومية ووضعاً رسمياً في فلسطين مع منح نفس القومية لكل يهود العالم دون أن يكون لها أثر على وضعهم في بلادهم من الناحية السياسية، كما طالبوا بإباحة الهجرة إلى فلسطين دون قيد، ورد سايكس أن هناك بعض الاعتبارات التي قد تحول دون تحقيق هذه المطالب كلها فروسيا مترددة والعرب سوف يعارضون وفرنسا ما زالت ترى أن تكون "سوريا الكبرى" كلها من نصيبها بعد الحرب بما فيها فلسطين. وكان الرد اليهودي أن الكيان الذي سيولد سيكون جزءاً من الإمبراطوية البريطانية وحارساً مضمونا لها في المنطقة. وبدأ الطرفان مساعيهما لحل العقبات التي تواجه تنفيذ الحلم.
وحل اليهود مشكلة روسيا بالموافقة على مبدأ إقامة هيئات دولية تشرف على الأماكن المقدسة، فبقيت فرنسا التي تطلب سوريا كلها بما فيها فلسطين ثم إيطاليا التي يوجد فيها نفوذ البابا المسيحي. وفي 8 فبراير 1917 رتب سايكس لقاء بين سوكولوف وزير خارجية روسيا وجورج بيكو وزير خارجية فرنسا بمقر السفارة الفرنسية بلندن. وقال سوكرلوف: الصهيونيون يعتقدون أنه من المهم جدا لمصالحهم أن تكون إنجلترا هي التي تشرف على فلسطين بعد الحرب ونجح سوكولوف في كسب جورج بيكو ولكن بقي أن يكسب ثقة الوزارة الفرنسية التي كان معظم أفرادها يتمسكون بضرورة استيلاء فرنسا على سوريا الكبرى كلها.
وفي مارس سافر سوكولوف مع سايكس إلى باريس حيث تمكن حاييم وايزمان من إقناع أسرة روتشيلد اليهودية وأغنى الأسر في فرنسا على الإطلاق بضرورة التدخل بكل نفوذها وثقلها المالي للضغط على الوزراء والحكومة الفرنسية وعندما سافر سايكس إلى إيطاليا لإقناع البابا عاد مرة أخرى إلى فرنسا ليجد "جول كامبون" سكرتير عام وزارة الخارجية الفرنسية يسلمه بياناً بإعلان تأييد الحكومة الفرنسية لمطالب اليهودية "الصهيونية" وأصبحت بذلك روسيا وإيطاليا وفرنسا. وهكذا أعلن بلفور في نوفمبر 1917 وعده الشهير في صورة كتاب إلى روتشيلد. وكانت رسالة بلفور إلى روتشيلد نصها كالآتي: "يسرني أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة صاحبة الجلالة التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية وقد عرض على الوزارة وأقرته وأن حكومة صاحبة الجلالة لتنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين وستبذل جهودها لتسهيل تحقيق هذه الغاية". وقد احتوت الرسالة على مفهومين أساسيين الأول تأييد إنجلترا لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين والثاني تعاون إنجلترا مع اليهود لتحقيق هذا الهدف. وبعد مرور شهرين على هذا الوعد في 7 ديسمبر من العام ذاته استولت قوات الحلفاء على بيت المقدس وسلم ورئيس البلدية العربي مفاتيح المدينة إلى قائد فرقة الستين، وفي "9" ديسمبر سار الجنرال اللنبى في المدينة المقدسة بصحبة ممثلي قوات التحالف وأعلن قيام إدارة عسكرية باسم الإدارة الجنوبية لبلاد العدو المحتلة ودخلت فلسطين في تلك الإدارة، وكانت سوريا الداخلية حتّى العقبة إدارتها عربية وعلى رأسها فيصل بن الشريف حسين، أما لبنان وسواحل سوريا فجعلت لفرنسا. وقد اتضح من هذا التقسيم نية الحلفاء في توزيع التركة وتنفيذ وعد بلفور، وعندما أرسل فيصل إلى اللنبى يعلمه عن عجزه كبح جماح العرب ما لم يصدر بياناً رسمياً عاجلا يوضح فيه نواياهم. وأصدرت الحكومتان البريطانية والفرنسية في 7 نوفمبر 1918 بياناً جاء فيه أن غرضهما هو التحرير التام للشعوب التي طال اضطهاد الترك لها وإقامة حكومة قومية فيها. وفي هذه الأثناء حرصت بريطانيا على جعل إدارة فلسطين في يدها هي فقط، وقد شعر العرب منذ بداية تأسيس الحكم العسكري بخطرين؛ الأول هو شعورهم بالانفصال عن الوطن الأم سوريا، والخطر الثاني مخاوفهم الشديدة الناجمة عن تصريح بلفور، وفي ذلك الوقت تحديدا لم يكن في فلسطين جهاز سياسي وطني ولا منظمات ولم يكن لعرب فلسطين من يتكلم باسمهم في بداية الاحتلال العسكري سوى الشريف حسين. وحرصاً من بريطانيا على أن تجعل تصريح بلفور أمراً نافذا فقد وافقت على إرسال بعثة صهيونية برياسة وايزمان إلى فلسطين، وكانت لها مهمة محددة وهي أن تكون حلقة الوصل بين السلطة البريطانية ويهود فلسطين وأن تقوم بمساعدة اليهود على الهجرة إلى فلسطين وتجديد المستعمرات وتطويرها وتنظيم اليهود بشكل عام، وأن تدرس إمكانية وضع خطة لتأسيس جامعة يهودية، وفي 8 مارس 1918 رحلت أول بعثة صهيونية إلى فلسطين برئاسة وايزمان وقد استقبلها الملك جورج الخامس وأظهر له اهتماما عظيما بمشروعات الصهيونية وتمنى له النجاح في مهمته. ووصلت البعثة إلى يافا في 4 أبريل 1918 ورحبت السلطة العسكرية بأعضائها وحل وايزمان ضيفاً على اللورد اللنبى وأعطيت لها كافة التسهيلات في تنقلاتها لتقديم المساعدة لليهود وتلقي الإعلانات المالية من الولايات المتحدة وبريطانيا والقيام بما تراه من التحريات والتدخل المباشر الصريح وعمدت اليهود مظاهر الفرح إثر دخول البعثة فلسطين. وفي 27 أبريل 1918 أتيح لوايزمان فرصة مبكرة للتمهيد لغرض الزيارة عندما أقام الكولونيل ستورس حاكم القدس مأدبة عشاء دعا إليها النخبة الموجودة في فلسطين، ووقف الحاكم العام فقال أنه بالنظر إلى سوء الفهم والمخاوف المستفحلة عند العرب بشأن الصهيونية أنتهز فرصة وجود الوفد الصهيوني في القدس ليتيح لوايزمان الفرصة لبسط مقاصد الصهيونية وأغراضها. ووقف وايزمان ليقول أن اليهود يعودون إلى الماضي ليصلوا الماضي بالحاضر من أجل إعادة خلق مركز فكري وأدبي، وأن هذا المظهر الروحي هو المعنى الحقيقي للوطن القومي. ولكن هذا الوطن يجب أن تكون له جذوره في أرض فلسطين وأن يأخذ القوة منه، لذلك فقد حرص الصهيونيون على خلق الظروف التي تجعل التطور القومي والروحي لليهود الذين يرغبون.

4495bfbd3dc9f1ce70217c9083f9d05d.jpg
أرض فلسطين المشروع البريطاني الحاخام مردخاي شبلرم بلفور