الخميس 28 مارس 2024 12:08 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتورة مارى جرجس رمزى تكتب : #دكتورة صيدلانية وفي وقت الفراغ طبيبة نفسانية (سر تعاسة البشر)  

الدكتورة مارى جرجس رمزى
الدكتورة مارى جرجس رمزى

بذر الشيطان في مفاهيم الناس بذور لأفكار ومعتقدات لا يشوبها شائبة متلألئة براقة سراقة
تلوح من بعيد بسحر طاغ وحضور كاسح يوحي بميلاد جديد وخروج من كهوف الظلمات والظلومات إلى رحاب العدل والنور... فيهرع البشر لاهثين نحو هذا البريق من الآمال الزائفة اللائحة في الأفق البعيد آملين في حياة أكثر سعادة و أشد عدلا و أعظم نجاحا... وهذا هو الفخ...

يبدأ الإنسان في تبني الفكرة واحتضانها ورعايتها وريها تماما كما يفعل البستاني الماهر ببذرة في تربة خصبة مهيأة تمام التهيئة لاستقبالها.. فيسقيها ويقدم لها ما لذ وطاب من السماد والعناصر المطلوبة لتنمو وتزدهر وتنبثق فروعها وتخضر أوراقها وتثمر براعمها.... وياللمأساة عندما يدرك البستاني ( الغبي) أن تلك البذرة ما كانت سوى بذرة شيطانية رعاها بجهل حتى أصبحت شجرة باسقة الأفنان من أشجار الجحيم متأهبه لابتلاع باقي أشجار حديقته الغناء التي أفنى عمره في زراعتها ورعايتها

دعوني اقص عليكم قصصا ريثما حولنا الأمثال والكلمات الفكرية والفلسفية إلى حواديت معاشة

فلنبدأ بالكرامة على سبيل المثال...
الكرامة ليست كلمة بل هي معنى كبير.. أسلوب حياة.. جوهر ثمين لا يدركه الا القلة القليلة من البشر ولكن ترى ما هي الكرامة ما هو معناها الحقيقي الذي يرضي قلب الله وكان مقصده الحقيقي منها منذ الازل لسعادة الإنسان وسموه ورفعته.. وكيف تلاعب الشيطان بهذا المعنى الراقي والسامي وأعاد إنباته من جديد بعدما أفسد جوهره تماما

الكرامة الصالحة هي تلك الصفة التي تجعل الإنسان ممتلئ العين والقلب والنفس والروح .. في حالة شبع دائم شبع حقيقي بصرف النظر عما يملك في الواقع.. مكتفيا اكتفاءا كاملا بما قسم الله له من متاع الدنيا سواء من صحة أو مال أو عيال او...
فمهما لاحت له المغريات ( الغير مشروعة) لتحسين اي وضع من أوضاعه يتعفف عنها بكبرياء أساسه الشبع الروحي والنفسي والرضا الكامل بعدل الله... يجتهد يسعى يعمل لتحسين أحواله لكن لا يتنازل عن كرامته في سبيل تحقيق ذلك ابدا فيعيش مرفوع الرأس طوال عمره ولا يستبعد لشئ
موظف بسيط يعمل في أكثر من عمل فيبارك الله له في صحته ودخله المتواضع وينعم عليه بالصحة والستر والبركة حتى يرى أولاده أمامه نسل مبارك حنون موفق ناجح... في عز ضعفه واحتياجه عرض عليه المال الحرام في أكثر من صورة رشوة.. إكرامية.. قهوة.. تهريب مخدرات.. تهريب آثار... (علقة تفوت ولاحد يموت وكله بيتنسي وتعيش ملك بقية حياتك واغسل أموال يا جدع هو حد دريان بحاجة) كلام سمعه كتيرا وتردد صداه في أذنيه اكثر واكثر... لكن الكرامة. كرامة نفسه في عين نفسه التي تؤهله للوقوف بغير خزي ولا عار أمام الله فيستحق ستره ورضاه ويناله بالفعل في حياته حياة أولاده من بعده

انسان في احتياج وبصحة لا بأس بها كرامته تمنعه من السؤال فينهض على قدميه ليعمل ويعمل فيبارك له الله وييسر من حاله ويفتح أمامه الأبواب المغلقة

انسان محب لشخص ما يتعامل بالحسني والخير لكن مهما فعل مع الطرف الثاني لا يجد ترحيبا ولا تقديرا لأن الطرف الثاني يعاني خطبا نفسيا ربما غيرة حقد اي نوع من عدم السوية النفسية فيشعره دوما بشئ من عدم الاكتراث أو الإهمال أو الضيق أو التغافل المتعمد عسي نفسيته المريضة تهدأ ولو قليلا... ف بمنتهى الأدب يعفي الأول نفسه منه وعنه بكرامة راقية وبمنتهي الاحترام ويتركه لشاكلته تريه الوجه القبيح من الحياة بعدما كان الخير بين يديه

تلك هي الكرامة بمفهومها الفلسفي والحياتي التي أرادها الله تعالى لخير الإنسان وسعادته ونجاحه بل وللتقرب الحقيقي منه والتلامس معه
ولكن.... كيف انحرف الشيطان بمفهوم الكرامة ليحيله إلى مقصلة إعدام تؤدي بحياة كل من لفها حول عنقه بغباء

وبعد أن فهمنا مقصد الله من مفهوم الكرامة المرضية لصلاحه... دعونا نتأمل كيف استطاع الشيطان أن ينحرف بها عن مسارها الصحيح والمتمم لإرادة الله إلى مسار مظلم مهلك...
يدرك الشيطان جيدا أن السر الوحيد وراء سعادة الإنسان الحقيقية هو السلام.... إذن فليضربه في مقتل... ولكن كيف يفعل ذلك وهو يدرك أن الإنسان شديد الذكاء والدهاء وخصوصا في كل ما فيه صالحه... يتنازل ويضحي ليقتنيه...والسلام حلم وغاية مستهدفة لاشك للجميع...
هل ييأس الشيطان؟.... حاشا
رفع الشيطان شعار الكرامة أمام عيون الناس بعدما البسه ثوبا خبيثا
صار مفهوم الكرامة في العقول الفاسدة هو الندية والعدوانية وضيق الخلق... ما عاد احد يتحمل أحدا او حتى يلتمس له عذرا...
يقف الصديق لصديقه على لحظة ضيق أو زلة لسان وينسى له كل ما قدم ويبيع كل شئ في ثوان تحت مسمى الكرامة
يقطع الاهل صلة الأرحام بمنتهى اللامبالاة بسبب موقف واحد وكأن الدم قد صار ماءا في لمح البصر
تبيع الزوجة زوجها أو العكس ويتناسوا كل ما كان بينهم حتى الاولاد تحت شعار الكرامة الزائفة
تفضح الزوجة زوجها في المجتمعات ووسط الاهل والأقارب ولا تدري انها تفضح نفسها تحت شعار الكرامة الزائفة
يا أحبائي.... كرامة الإنسان الحقيقية في نجاحه
نجاحه ف الاستبقاء على كل ما كان أغلبه حسن والتغاضي عن الصغائر
كرامة الإنسان في قوته عندما يصل لمستوى القدرة على التحليق فوق ضعفات من حوله والتماس بدل العذر سبعون عذرا
الكرامة في الخروج من الخلافات منتصرا بالسمو والغفران وربما التنازل عن قوة ومقدرة لا عن ضعف
عندما اختلف لوط مع إبراهيم على الخير والأرض والماشية... رد إبراهيم ردا واحدا هو بمنتهى البساطة بوابة الكرامة
(لا تكن خصومة بيني وبينك)
هل تخلي إبراهيم عن كرامته عندما ترك ابن أخيه يختار ما يريد... أم كان بصيرا حكيما؟
ترك لإبن اخيه محدود البصر والبصيرة اطماعه من متاع الدنيا وانتهى به الأمر إلى حرق الأرض التي طمع فيها لفسادها
اما إبراهيم فأخذ كرامة حقيقية من قبل الله
صار ابو الانبياء
خليل وكليم الله
نسل كرمل البحر
ثراء أرضى ولكن مبارك
استفيقوا أحبائي... كرامة اليوم بشعاراتها الرنانة ما هي إلا لخراب بيوتكم وعلاقاتكم وصلة ارحامكم...