الجمعة 19 أبريل 2024 05:21 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

أسعد سليم يكتب : قراءة في مشروع د. نصر حامد أبو زيد (3) نقد مشروع اليسار الإسلامي

الكاتب أسعد سليم
الكاتب أسعد سليم

يرى نصر أبو زيد أن مشروع اليسار الإسلامي كانت بدايته في مستهل الثمانينات علي يد د. حسن حنفي بإصدار العدد الوحيد من العروة الوثقى باسم اليسار الإسلامي الذي كان يعتبر مانيفيستو الحركة ووضع المبادئ الأساسية لها، واختيار اسم العروة الوثقي يحيلنا إلى رموز حركة التنوير محمد عبده والأفغاني، واليسار عمومًا واجه صعوبات جمة في السبعينات جعل الكثيرين ينتقلون من اليسار إلى اليمين مثل خالد محمد خالد ومحمد عمارة وعادل حسين وقبلهم كان سيد قطب، وكان اليسار الإسلامي في بدايته يلجأ للتقية خوفًا من الاصطدام بالسلطة مدعيًا بعده عن الخط السياسي، إلا أنه في نهاية الثمانينات تداخل الفكري مع السياسي في محاولة توفيقية، مثلما يتحدث حنفي عن التوفيقية بين التيار السلفي والتيار العلماني، فأصبح اليسار الإسلامي عندما يفكر يلجأ للتقية وعندما يتداخل في السياسة يلجأ للتوفيقية.

ويرى أبو زيد أن اليسار قد قام علي خلفية فشل مشروع الإصلاح الديني في إحداث أي تغيير حقيقى وجذرى بالمجتمع، حيث أن طرفي الصراع وهما السلفى والعلمانى قد أخذا من التراث، فالسلفى جعله المرجع الأوحد والعلمانى أخذ منه القشرة والغطاء الخارجي كسند، وتلك كانت نفعية براجماتية ذاتية لم تفهم التراث فهمًا موضوعيًا علمًيا يناسب الواقع المعاش، وبالتالي رأي اليسار أن السلفية تستدعي الماضي وتتمترس خلفه وحوله فيما يعرف ب( الإتباع)، بينما العلمانية تستحضر المستقبل دون النظر لاعتبارات الحاضر فيما يعرف ب( الابتداع)، ولذلك توجه اليسار الإسلامي لما يعرف ب( الإبداع) حيث قضيته الرئيسية تتلخص في تجديد التراث، لكنه تجديد مبني علي الاستثمار والأولويات الضيقة التي تمثل مصالح اليسار الإسلامي.

ويفسر أبو زيد العلاقات الجدلية كالماضي والحاضر والأصل والفرع بأنها تتضمن بطبيعتها أولية نظرية وأسبقية ذهنية، تجعل الباحث يسكّن أو يثبّت أحد طرفيها لمحاولة دراسة الطرف الآخر، وهذا لا ينفي عن الجدلية حركتها الدائبة ولكن التصورات والافتراضات هي التي تقودها، ولذلك نجد التيار السلفي قد قام بجعل الماضي هو الأساس والجوهر بينما الحاضر هو التبعية والخضوع، ويلجأ أقطابه إلى خطاب ترهيبى مقيت، بينما يري اليسار أن التراث يترك آثارًا نفسية وأخلاقية في عقول المجتمع يمكن اللجوء إليها واعتبارها الحد المشترك الذي يمكن البناء عليه، لكنه للأسف يجعل ذلك يحدث بطريقة ميكانيكية دون النظر للبعد التاريخي والاجتماعي وتحليله تحليلًا يتماس مع الواقع المعاش وأولوياته، وبذلك نجد أنفسنا بين طرحين: اليميني الإسلام هو الحل واليساري تجديد التراث هو الحل، وكلاهما يعتبر الماضي نقطة انطلاق باعتباره الأصل والحاضر هو الفرع.

وتعتمد نظرية اليسار الإسلامي علي حركة هابطة من الماضي إلي الحاضر وحركة صاعدة من الحاضر إلي الماضي، والبداية مع قراءة الماضي إلي الحاضر في ظل الحركة الهابطة وهو ما يؤدي إلي اعتبار أن التراث مخزون نفسي يساهم في تشكيل بنية الواقع، لكنه في الحقيقة عندما بدأ اليسار في تطبيق ذلك نظريًا (في مجلدات د. حسن حنفي الخمسة من العقيدة إلي الثورة ) انقلب علي الماضي والتراث والمخزون النفسي لتصبح قراءة الماضي في الحاضر قراءة توفيقية تلوينية بدلًا من أن تكون موضوعية تأويلية، ولنا في مسألة الأخذ من السنة وترك الشيعة مثال في قضية تعيين الإمام بالوصية كما يفترض الشيعة أو عدم الخروج علي الحاكم الظالم كما يفترض السنة وهي قراءة مغرضة تنتصر للأيديولوجي علي حساب الأبستمولوجي.

ولكن هل التراث هو بناء شعوري أم بناء تاريخي، هنا نصل للحركة الصاعدة بقراءة الحاضر إلى الماضي بهدف حل أزمة التردي والتخلف الذي نعيشه بتجديد التراث، ومثلما كان المخزون النفسي للتراث موجودًا في الحركة الهابطة فإن اليسار استبدله بالشعور في الحركة الصاعدة متجاهلًا البعد التاريخي والاجتماعي والأبستمولوجي وهو ما جعله لا توفيقيًا بل تلفيقيًا.

واعتبر أبو زيد أن اليسار الإسلامي قد سلم بالبنية الحالية لعلم الكلام والتي أوصلنا إليها التيار الأشعري بسطوته وسلطته حيث قام بقلب وعكس فلسفة علم الكلام، والذى كان قد أنشأه المعتزلة بشكل تراتبى بحيث تكون الإنسانيات يليها الإلهيات ثم السمعيات بمعني العقل فالتوحيد ثم قياس الغائب( الله) علي الشاهد( الإنسان)، بينما قام الأشاعرة بقلب الهرم وجعلوا الإلهيات أولًا ثم الإنسانيات فالسمعيات أي التوحيد والعدل يسبقان الإنسانيات بمعني قياس الشاهد علي الغائب، وهي بنية تنتصر للنقل علي العقل وتنتصر للغيبي في مواجهة الواقع، ولذلك فإن افتراض اليسار صحة منظومة علم الكلام الحالي والبناء عليها قد أوقعهم في إشكاليات كبيرة لم يتمكنوا من حلها، بالإضافة إلي الاعتماد علي المنهج الشعوري التطوري في التحليل وإغفال المنهج التاريخي والسيسيولوجي.
ويرى أبو زيد أن أكبر نجاح لليسار الإسلامي هو محاولة التوفيق بين العقل والنقل فيما أسماه حنفي استمرارية وجود الوحي مجازًا والذي يتمثل في النص الذي يمكن للإنسان فهم دلالته بما يتوافق مع ممكنات وحوادث العصر.