الجمعة 19 أبريل 2024 02:38 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الاديبة التونسية الكبيرة اسيا الساكري تكتب من باريس : التجربة الإخوانية في مصر وتونس

الاديبة التونسية الكبيرة اسيا الساكري
الاديبة التونسية الكبيرة اسيا الساكري

أنا طبعا لست بمحللة سياسية ولا بمختصة في الشأن السياسي أصلا ، انا شاهدة عيان مكلومة بوجع أمة تحتضر ، عندما قامت الثورة في تونس ومن بعدها في مصر كانت ثورة حرية وكرامة ، ثورة تلقائية تدلل على تعب الشعوب التي رضخت لسنين تحت الديكتاتورية والتهميش ولكنها ايضا كانت نتيجةلتطور الوعي ، فشل الأنظمة التعليمية في هذه البلدان لم يكن كافيا لدفن بعض العقول النيرة التي واصلت التململ والتحرك ! قامت الثورة وتجددت معها احلام العجائز والشباب ، كانت ثورة بطعم الحرية والكرامة جعلت العالم ينظر لنا بعين الانبهار والإعجاب ومازلت أذكر تلك الصحافية التي استوقفتني في اكبر شوارع باريس وهتفت في كل المارة أنحنوا لها فهي تونسية ، فعلا ذلك لانني كنت احمل علم تونس ...ولَم تستمر الثورة بدأت عوامل عدة تتداخل وتتحد لتخنق هذا الوليد البهي ؛الأطراف الخارجية بالأساس فرنسا التي بعد مرحلة الانبهار وعت وبسرعة للمأزق ، ماذا لو تحرر العرب؟ وفرنسا كقوة فاعلة آن ذاك لم تتدخر جهدا في كبح فرامل الثورة بشتى الطرق اولها صفقة وزيرة الدفاع آن ذاك Michèle Alliot-Marieالتي سارعت لتزويد بن علي بالسلاح والقنابل المسيلة للدموع في فضيحة مطار شارلي غول الشهيرة ، حيث وقع فضحها والتنديد بها من قبل الشعب الفرنسي الداعم للثورة التونسية ، ووقع فعلا الإطاحة بهاعقب هذه الفضيحة . لكن فرنسا لم تتوقف فقط على هذا الدعم ، كانت العلاقات الفرنسية القطرية علاقات على مستوى جيد فمنذ عهد ساركوزي عرفت هذه العلاقات نقلةنوعية فساركوزي الثعلب الخبيث كان يريد لقطر دورا مهما في المنطقة ، كان يريد ثرواتها ولَم يكن يرى ان استعمارها يستوجب حملة فرنسية هههههه فهو لم يكن بونابارت وقطر لم تكن مصر العظيمة ، هي بالنسبة له رقعة ارض تحت أديمها ترقد ثروات يحتاجهاوكان من السهل عليه السيطرة على حكامها ، كان أول تحرك فعلي فرنسي لاسقاط الثورة هو تسهيل رجوع الاخوان لتونس ومصر ، فساركوزي كان يريد أن تحيد الثورة على مسارها الحقيقي مسار الحرية ، كانت فكرة ثورة الياسمين تزعجه جدا لدرجة انه في احدى خطاباته سأله صحفي عنها فرد بخبث نحن نبارك ثورة الياسمين بقي علينا ان يصلنا عطره في إشارة واضحة أنما يهمه فقط ما سيلحق فرنسا من مصالح! تحرك ساركوزي نحو عملية اقحام ناجحة للإخوان ، وتحول الاخوان فجأة من أعداء للحرية في نظر الغرب الى مناظلين وثوار ، مما لا شك فيه وهذا رأي الشخصي ان الاخوان ناضلوا ضد الديكتاتورية
ولكن انقلاب مواقف الغرب منهم كان انقلابا راديكاليا ويدعوا للتفكير ، في الشق المقابل كان الاخوان كغيرهم من الشعب في حالة سكر سياسي بهيج فهم كغيرهم يطمحون للحرية والعدالةوالحكم ههههههههههه وليس في هذا تهكما عليهم فمن حق اَي شق ان يحلم بالدولةالتي يريد ، ثم ان الاخوان عانوا من الدكتاتورية والسجون والقتل والتعذيب من هذه الأنظمة وطبيعي انهم سيفعلون ما بوسعهم للفوز بالحكم ، كان تحرك الاخوان في تونس تحركا عاديا كنّا نرى الإخواني واليساري جنبالجنب ، لم نسمع في الأيام الاولى شعارا واحدا يوحي لنا بالروح الحزبية لهذه الثورة ، شعارات موحدة ضدالظلم والقهر ، لكن فرنساكانت عازمة وماضية في مشروعها ؛ هذه الثورة لا بد لهاأن تموت !!! تغير الراي السياسي الفرنسي تغيرا جذريا كل الحديث أصبح حول جرائم بن علي ضدالاخوان ، وتراجع الحديث عن بطولات الشعب التونسي ، وأصبح الحديث كله على الغنوشي والإخوا ن، كانت فرنسا تريد إظهار الثورة على انها خطر ، بدليل أن رموزها متشددين وإرهابيين ، دعمها للإخوان عن طريق قطر لم يكن يَصْب في مصلحتهم ، كان ساركوزي يعتقد أنه سوف يستغلهم ، يزرعهم لضرب الثورة حتى يرى العا لم ان الثورة انجبت عودة للوراء ، ثم يتدخل لحربهم باسم نصرة الثورة ، غير ان ساركوزي لم يكن يعلم ان الاخوان كانوا فطنين لخيوط اللعبة! في المقابل كان الثعلب ساركوزي يدعم وبنفس الدهاء الأزلام في تونس بهدف حرب أهلية تقضي على الثورة ولكنه صدم أيضا بدرجة وعي صادمة عند بعضهم ! الباجي قائد السبسي ، العجوز الحكيم، زلم محنك وصاحب تجربةكان مثله مثل الاخوان في تونس آلية من آليات الثورة المضادة غير انه عرف كيف ينفلت من قبضة فرنسا ولو الى حد بسيط ! ما لم تتوقعه فرنسا أن يتحد الشقان، ثم رحل الباجي وكان على الاخوان أن يجدوا مخرجا ! هم مدركون لطبيعة التركيبة النفسية والثقافية للتونسي وهم واعون كل الوعي أن التونسيون لا يمكن أن يقبلوا رموزا اخوانية تحكمهم ، تجربة حمادي الجبالي صاحب تفجيرات سوسة ،الذي طلع يخطب في الناس بعد الثورة باسم الخليفة ، جعلت الإخوان يفكرون ألف مرة قبل ترشيحهم لواحد منهم في الحكم ، لهم من الذكاء والتدبير السياسي الذي يجعلهم يفهمون هذه التركيبة الخاصة جدا للتونسيين لذلك كانوا مطواعين جدا في امور تمس جوهر توجهاتهم الفكرية في مسالة الميراث مثلا ! في المرة الاولى وقع اختيارهم على المرزوقي ! حليف مثالي ، مثقف ، عدو لبن علي ، خطابه شعبوي ، مصاب بجنون العظمة .... ويمثل خطرا عليهم إن لم يقع إستمالته ااااا
والاهم انه يمكن ان يكون كبش فداء ، فالإخوان يدركون جيدا أن المرحلة حرجة جدا وأمكانيات التعثر محتملة لا بل مؤكدة وهم في غنى عن كل مجازفة ! وبعد موت الباجي قائد السبسي وحتى من قبله تركز تفكير الاخوان في تونس على من سيخلف المرزوقي والباجي وبنفس التخطيط توجهت أنظارهم الى الاستاذ قيس سعيد ، رجل مستقل ، مثقف ، نزيه و قبل كل شيء هو قبلة الشباب ومطلبهم ، وهو ما يشكل خطرا على النهضة وعلى الأزلام وبقية الأحزاب على السواء ، هذا الرجل لا يمتلك التجربة السياسية اللازمة ولكنه يمتلك ما لا تمتلكه كل الأحزاب مجتمعة وهو ثقة الأغلبية من الشباب والنهضة استوعبت الدرس جيدا والأزلام فقدوا كل إشعاع حتى في أوساط مشجعيهم خصوصا بعد انقسام حزبهم الى احزاب ...وكان على الاخوان في تونس أن يسارعوا بالاستلاء على هذا الحليف فرشحوا عنهم الشيخ مورو مؤسس حركة النهضة ، شيخ صرح في العديد من المرات انه لا ينفع للسلطة ، رشحوه صوريا غير ان دعمهم الحقيقي كان للأستاذ قيس سعيد وانا لمست هذا خاصة هنا في باريس فأغلبية الجالية التونسية هنا اخوان وكانوا كلهم مصطفون وراء قيس سعيد ! نفس الطريقة التي استمالوا بها المرزوقي غير ان الاستاذ سعيد مختلفا تماما على المرزوقي ولعلنا نعول على هذاالاختلاف !!! قيس سعيد هو من افظل من ترشح للرئاسية ودعم الاخوان له لا يسقط عنه كونه كفاءة وطنية بقي عليه ان بلاعب الاخوان والأزلام بنفس أساليبهم اَي الذكاء السياسي والمرونة في التعامل مع جميع الأطراف ، نحن نحتاج لمثل هذه flexibilitéونحتاج أيضا لمثل هذا الدهاء ولكن أخوان تونس لا يحكمون بإستقلال عن باقي الإخوان،المشروع الإخواني الكبير ، مشروع ولائه للجماعة لا للدين ولا للوطن ومن هنا فشل فشل ذريعا في مصر ! استلاء الإخوان على الحكم في مصر بعد الثورة جاء أيضا بدعم خارجي ولنفس الغرض ، تفكيك الثورة والقضاء في مرحلةثانيةعلى الاخوان! كان الغرب يعول على حرب أهلية في تونس ومصر والفرق بين تعامل اخوان تونس وأخوان مصر مع الطعم الغربي كان جوهريا ! وكما قلت السبب كان متعلقا بالتركيبة الاجتماعية والثقافية للشعبين ، كلاهما شعب واعي وكلاهما كان شعبا متطلعا للحرية غير أن الشعب التونسي كان غير مهيأ لتقبل كل الفكرالاخواني فقد أكتسب جملة من الحريات التي يصعب التنازل عنها ،مسألة تعدد الزوجات مثلا أما تركيبة الشعب المصري فقد ساهمت في سهولة وصول الاخوان للحكم لان فكرهم لم يكن بالصادم للمجتمع ! في جميع الحالات كان وصول الاخوان للحكم في تونس ومصر وليد ثورة ولا يمكن لنا في كل الحالات ان تعتبر هذا أمرا سيئا اذا ما كنّا نؤمن بالديمقراطية الحق ، هذا الجزء النير ولكن لا يجب ان ننسى الجزء المظلم من الحكاية وهو تحريك القوى الخارجية لهذه الأحزاب بهدف تدمير المنطقة والسيطرة عليها وَيَا حبذا لو تفطن الاخوان والأزلام على السؤاء ان دعم الأطراف الخارجية لهم لا تصب الا في إطار السيطرة على بلدانهم ! عاشت تونس حرة عصية على الخونة وعاشت مصر العظيمة وسلمت منكل الشرور الداخلية والخارجية

الاديبة التونسية اسيا الساكري التجربة الإخوانية فى مصر وتونس الجارديان المصرية