الخميس 25 أبريل 2024 09:39 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. بهاء درويش يكتب : ليس بإلغاء خانة الديانة تتحقق مدنية الدولة

الدكتور بهاء درويش
الدكتور بهاء درويش

في مناقشة جمعت السيد رئيس الجمهورية أمس وبعض الشخصيات في جلسة نقاشية لإطلاق وثيقة حقوق الإنسان، طالب الإعلامي الكبير الأستاذ ابراهيم عيسى بإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومي اعتماداً على أن تعامل الشخص مع الجهات الحكومية أو غيرها قد يعرضه لمعاملة غير عادلة جراء معرفة المسؤول بديانته وبالتالي تحقيق المدنية الكاملة في الدولة والمواطنة الحقيقية يكون بإلغاء هذه الخانة من بطاقة الهوية.
ليسمح لي أ. ابراهيم عيسى أن أرد عليه بما يلي:
الأصل في الإنسان – وهو ما يجب أن يكون الهدف الحقيقي لمجتمعنا- أن نعلم أبناء المجتمع منذ الصغر ضرورة احترام الإنسان للإنسان، بوذياً كان، مسيحياً، يهودياً أو مسلماً، من المفترض أن يحترم الإنسان أخاه الإنسان. هذا هو الفهم المدني المعاصر – أي ما انتهت إليه المجتمعات في العالم كله وهو في الوقت نفسه مطلب ديني، تنادي به كل الأديان. لا يوجد ديانة تطلب من رعاياها ظلم الآخر لاختلاف ديانته وبالتالي يجب أن ترعى القوانين هذا الفهم. وبالتالي من يتخذ أية خطوة ضد هذا الإحترام، فالقانون يجب أن يكون كفيلاً بحماية الآخرين.
من هنا يأتي اعتراضي على اقتراح أ. ابراهيم عيسى، فما أعترض عليه هو أنه اختزل حل حماية الغير من الكراهية والمعاملة غير المتساوية بسبب الاختلاف الديني بإخفاء التدين. ما كان الإخفاء في يوم من الأيام حلاً على الإطلاق. فلنفترض أن لي ابناً مريضاً بالسرقة، اكتشفت أنه يسرق بعض النقود من المنزل، هل يكون الحل بأن أخفي النقود من أمامه؟ هل بذلك أكون قد حللت المشكلة؟ ما كان الخطأ في يوم من الأيام يعالج بالإخفاء ولكن بالعقاب من ناحية، أي ضمان وجود قوانين رادعة تمثل الحل السريع الفوري، ثم تضامن كل أجهزة الدولة والمجتمع المدني في عملية رفع وعي الناس بضرورة احترام الاختلاف وتقبل الآخر المختلف عقائدياً. كيف نتعامل مع أبنائنا وبناتنا في المنزل؟ هل نزرع في فهمهم أنهم واحد أم نعلمهم من صغرهم أن الفتاة تختلف عن الفتى، ونكرر &عيب ما تضربش أختك بالطريقة ده ما يصحش، ده بنت، ما تلعبيش لعب الصبيان، تتعوري. ما تفتحش على أختك وهي بتغير ملابسها ما يصحش، عيب، وإلى غير ذلك من التركيز على الاختلاف وضرورة الاحترام في الوقت نفسه.
ثم إن د. منى ذو الفقار ذهبت- في الجلسة نفسها- إلى أن أكبر ضحية للفكر الإرهابي هي المرأة، وطالبت أن تنتبه التشريعات لهذه الجزئية وتحميها. ما ذهبت إليه د. منى يتفق مع ما قلته وهو أن الحماية السريعة إلى أن يتغير فكر المجتمع ونرفع درجات الوعي لديه يكون من خلال التشريعات. أما إذا أخذت منطق أ. ابراهيم عيسى سأجد نفسي أقول أن الحل أن نلغي خانة الجنس من البطاقة. طيب وإذا ألغيناها، هل نطلب من المرأة أن تخفي نفسها وهي تتعامل في المجتمع؟
في النهاية أرى أن الجنس والديانة والعمر- تاريخ الميلاد- والحالة الاجتماعية كلها معلومات تعين على التحقق من الشخصية، وما كان ظهورها في بطاقة الهوية- تعريفاً بالشخص- في يوم من الأيام مدخلاً للتفرقة.
أنهي مقالي بمثال متخيل قفز لذهني الآن: ماذا لو وُجدت جثة شخص في الشارع، ولم نتمكن من الوصول إلى أهله، ألن تنفعنا خانة الديانة في البطاقة من معرفة أين ندفنه؟ في مقابر المسلمين أم المسيحيين؟
اهتموا بالحلول الفاعلة الناجزة ولا تختزلوا حلول مشاكل ترونها جدية في حلول جزئية لا تغني عن قوانين رادعة ثم وعي نهتم برفعه باستمرار.