الجمعة 29 مارس 2024 01:39 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الأديبة نجلاء أحمد حسن تكتب : البيئة الأولية لنشر ثقافة قبول الأخر

الاديبة نجلاء احمد حسن
الاديبة نجلاء احمد حسن

من أجمل القيم الإنسانية السامية والهادفة الى السلام هو قبول الاخر ، ونحن هنا أمام مصطلحين تمازجا سويا ،وانتجا ،لنا معن جديد. المصطلح الأول وهو( القبول) ، وهو الرضا والتجاوب ، وهو بداية تعايش الأفكار مبدئيا ، أما مصطلح (الأخر) هو كل من كان مغاير للهوية الذاتية او الشخصية سواء كان في الشكل او الفكر او النوع اللون او الجنسية او الديانة او الميول او المظهر الإجتماعي وغيره .
وتقبل الأخر هو ضد وعكس - التقوقع على الذات - والإنغلاق على الأفكار ونبذ الفكر الُأحادي الحاد الجارح في معظم الأحيان للأخر . بل إن التقبل يفتح مسارات الفكر والإعتراف بوجود الأخر فكريا وشخصيا وإنسانيا بل والتسامح معه في الإختلاف ، بل الإعتراف بحقوقه الإنسانية في الوجود وممارسة الحياة الإنسانية بسلام ، في وجود الاخر معه بكل الوانه وطموحاته الإنسانية وإتاحة المساحات الواسعة لتلك المعايشة الانسانية وعدم التضييق عليه .بل سيظهر أن تلك المساحات تتلون بالوان جديدة بين الفكر والفكر الاخر لخلق فضاء جديد هو الفضاء المشترك المستمر.
وفي ظل هذا الفضاء المشترك الجديد الذي أنتجه - فكرالتقبل وقبول الاخر- تظهر التمازجات الفكرية والادبية والفنية ، والتي تنتج ثقافة جديدة تسمى ثقافة الفضاء المشترك ن قد تضغى ثقافة على اخرى ؛ولكن الأمر مقبول في رحاب الفكر المفتوح الحركة ، بعيدا عن النبذ والعنصرية والتحقير او التهميش بل ان ذلك ينتج منتجات ثقافية جديدة تفيد الانسانية وتزهر في مصالح الإنسانية المتنوعة .
إن التنوع الثقافى أصبح ظاهرا، واضحا ،جليا، بل ومسيطرا في ظل ثورة المعلومات وسطوة مواقع التواصل الإجتماعي الذي اجتاح حياة الانسان اليومية، فقد اظهرت تلك المشاركات حاجة الانسانية للتعايش اليومي والسلمي وتطمح في قبول ثقافاتهم ذات البصمة الخاصة ، وإتضح أن تلك الثقافات تنتج نوعا جديدا من الصناعات المفيدة ، والمبهجة لعقل وعين الأخر المتواصل في الجهة الُأٌخرى من العالم عبر الشاشات الإليكترونية المختلفة ، وقد لا نندهش لهذا الرواج الثقافي والفكري الذي أقنع رؤوس الأموال الكبرى بالإستثمار الإقتصادي وهو عصب الحياة الحديثة ، و بل والإتجاه بالبوصلة المالية الى تلك الصناعات الثقافية والتراثية للشعوب المختلفة . وذلك يظهر بشكل ملفت إنتاج، العديد من التطبيقات الإليكترونية التي تحقق إرباحا مادية عظيمة لأصحابها وذلك فقط من أفكار تروج لثقافات جديدة ، بل تتحول لمواقع لتسويق منتجات تجارية اخرى .
ومن هنا نجد ان التنوع الثقافي تحول من مجرد ( رغبة ) في التعايش السلمي والتعايش الإنساني الى (حاجة ) ملحة لمعرفة الاخر وافساح تلك المساحات لحريته فمن كان سلوكه السلام والتقبل والتعايش كان هو المنتصر وهو الرابح
وتعليقا على ما سبق أجدني أصل الى فكرة الاستعلاءوالنبذ والعنف الذي اجتاحت المجتمعات المنغلقة التي تحاول معظم الوقت ان تفرض سطوتها ،بالسلوك العدواني تحت شعارات براقة اوسياسية تارة عقيدية تارة اخرى للسيطرة على حرية الاخر؛ وتوسيع مساحته على حساب حرية الأخر ، وعدم تقبل أفكاره ، بل يتحول ذلك الفكر مع الأيام الى سلوك يكره الحياة ويقر العنف والقبح ويعلي من فكرة ترهيب ذلك الاخر المسالم او المختلف ، وهوضد السلام المجتمعي الذي تصبو إليه الحضارات الانسانية جمعاء ، فلم تتواجد حضارة مستقرة عبر التاريخ ، في ظل ثقافة العنف والنبذ والعنصرية ،التي قد تتواجد بوضوح ضد النوع الإجتماعي الواحد ، او ضد الفئات المستضعفة ،او التمييز ضدها والإعلاء من سلوكيات تجمعها التنمر والعنف ، والتحقير . فالامم التي فعلت ذلك مازالت تعاني شعوبها من الحروب والتخلف والفقر والقبح ومازالت بدائية ، تعيسة ،وأصبحت فريسة لأطماع الطامعين في ثروات أراضيها ،التي يعيش فوقها افكار التمييز والعنصرية والعنف .
ان المجتمعات التي لا تقبل الأخر تنتشر فيها سلوكيات راعية للعنف وبذور الارهاب ، وتحتاج لأدوات جديدة ، لتغيير الوعي بشكل تدريجي ممنهج ، يبدا من الأسرة او البيئة الأولية للطفل بمرحلة الطفولة المبكرة ، وهما الأب والأم واجد نفسي متوجهة نحو مسئولية الأم ، فهى الراعي الطبيعى والمؤثر في حياة الفكر الإنساني الأولي وهي التي تشكل ذلك الوعي المعرفي ، فهناك الأَم القارئة المثقفة والام الواعية ، والتي تقبل الأفكار الإيجابية وتترك مساحات من التعبير لطفلها الناشئ ، تتركه يكتب ويرسم ويشكل الالوان بيديه الصغيرة وبل يحطم بلا توبيخ منها ولا لوم ، تنمي لديه الإعتزاز بشخصيته وكم هي تسعد بافعاله التعبيرية الإيجابية فقط ، وتتحفظ في غضبها معه ، فقد تعلق تلك الام لوحات طفلها في مدخل المنزل وتشير الى أقاربها واصدقائها ، بجمال التعبير وتثني عليه امامهم وقد تصورها على مواقع التواصل وتشجع أصدقائها على تشجيع مبدعها الناشئ والجميل ان تقوم بمشاركته تلك البهجة
وتلك هي البدايات اما باقي المسيرة هي نور من التقبل والتعايش في سلام مجتمعي راق يعليمن قيم الايجابية والخير والعدل والجمال .