الجمعة 19 أبريل 2024 09:20 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

صبري الموجي يكتب : العظائمُ كفؤها العظماء

الكاتب الكبير صبرى الموجى
الكاتب الكبير صبرى الموجى

لا يكفي مقالٌ واحدٌ للحديث عن دار العلوم الصرح والعمادة، وإن كان قد سبق لنا الحديثُ عن دار العلوم كصرح ضمَّ بين جنباته أعلاما ومفكرين ملأوا الدنيا وشغلوا الناس في شتي جوانب الفكر وسائر صنوف المعرفة، فإن المقام هاهنا يقتضي الحديث عن ربانِ ذلك الصرح، ومُوجهِ دفة سفينته للوصول بها لبر الأمان، وتفادي الأعاصير المدمرة والأمواج الفتاكة بحرفية واقتدار يثبتان أن العظائم كفؤها العظماء.

تُثبت جهودُ ودأب أ. د عبد الراضي عبد المحسن عميد كلية دار العلوم بالقاهرة أن عمادته للدار لها هدفٌ ورسالة، وأنها ليست مجرد دورة أو دورتين يسير فيهما علي نهج أسلافه وفقط، بل إنه يحمل همَّا هو بالنسبة له قضيةُ حياة أو موت، وهو (استعادة الوعي)، التي تمزج بين الأصالة والمعاصرة، وهي قضيةٌ رنا إليها أ. د عبد الراضي بناظريه، وانطلق نحوها يُوسع الخطي، مبتدئا من حيث انتهي الآخرون من عمداء الدار، مُستحضرا قول المتوكل الكناني :
نبنـــــــــــي كما كانت أوائلُنا ... تبنــــــــــي ونفعل مثلما فعلوا

لم يكن تطلع عبد الراضي عبد المحسن للمعاصرة من فراغ، بل استلهم ذلك من التراث والواقع المعاصر أيضا .

أما التراث، فيعلم الرجلُ علمَ اليقين بوصفه أحد رموز الفكر الإسلامي المعاصر أن ديننا دينٌ عالمي يحضُ علي الانفتاح علي الآخر وإعطائه والأخذ منه، مادام المسلمُ مُحافظا علي هويته مُستمسكا بدينه وعقيدته، وهذا ما يبين لنا كيف انتشر الإسلامُ كالنار في الهشيم في شتي بقاع الأرض، وكيف انخرط المسلمون مع تلك الشعوب المفتوحة مع حفاظهم علي عقيدتهم ودينهم .

وفيما يتعلق بالواقع المعاصر، فقد رأي الرجلُ كيف صار العالم؛ بفضل وسائل التواصل أشبه بقرية واحدة يتحتمُ علي سكانها التعاون والتعايش بشتي صوره وأشكاله : من فكري ومعرفي واقتصادي واجتماعي وخلافه.

والمتأملُ في سيرة الرجل يري كيف مدَّ الرجلُ بصره للمعاصرة دون أن يغوص في أوحالها بفضل مرجعيته الدينية، التي حالت بينه وبين الشطط، فرغم معايشته المجتمع الألماني أثناء دراسته للدكتوراه، إلا أنه جني العسل دون أن يكسر الخلية، وأخد من المجتمع الأوروبي ما يُفيده، وأغمض عينيه عن كل ما يخالف عقيدته ودينه.

حصل أ. د عبد الراضي علي الدكتوراه من جامعتي بامبرج والقاهرة، وتدرج في السلم الوظيفي، ليعتلي ذروة سنام صرح دار العلوم العريق، ومازال ينتظره الكثير؛ بفضل همته العالية، تلك الهمة التي أظنه يستحضرُ فيها قولَ المتنبي :

إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ ... فَلا تَقنَـــع بِما دونَ النُجـــومِ
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ ... كَطَعمِ المَوتِ في أَمر عَظيمِ

والمدهشُ - وهذا يعرفه كلُ من عامل العلامة عبد الراضي عبد المحسن - أنه جمع إلي غزارة العلم شدة الحلم، وإلي حزم العمادة لين الأبوة، فما أغلق بابه في وجه طالب، وما وضع حواجز بينه وبين سائل، يهتمُ لجلائل الأمور، دون أن ينسي صغيرها، ويهش للقاء الصغير قبل الكبير، ومواقفه مشهودةٌ ومعلومة للقاصي والداني.
يتبني أ. د عبد الراضي مشروع (استعادة الوعي)، الذي ينشد بناء جيلٍ وطنيٍ قادر علي المشاركة الفعالة في إنجاز مشروع النهضة، واللحاق بعصر الثورة الصناعية الحديثة.
وينشدُ فيما ينشد تعريفَ العقول بوسطية الإسلام، وسماحة الأديان؛ لتفريخ أجيال ترفض التعصب، وتمقت التطرف من خلال ما يدرسونه من علوم تدعو إلي الوسطية والاعتدال، ومن خلال الأنشطة والفعاليات التي يدعي إليها ذوو الرأي والخبرة في كل الميادين؛ ليساهموا في تعليم طلاب الدار وتثقيفهم؛ ليخرجوا أكثر وعيا وقدرة علي حمل راية مصر الجديدة، التي هي شغلُ القيادة السياسية الشاغل، وإحياءٌ لفكرة محمد علي باشا باني مصر الحديثة.