الأربعاء 24 أبريل 2024 06:30 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

فنون وثقافة

الأديبة مي علام تكتب : عبيد الزنزانة

الأديبة مى علام
الأديبة مى علام

وجدت حالها ضائعة وسط حشد هائل من الناس يدفعها دفعًا إلي أين؟ لا تعلم، ومن شدة الإندفاع سقطت على الأرض تدهسها الأقدام، صرخت وحاولت بإستماته أن تنهض ولكن فشلت.
وفجأة وجدت كف تمتد إليها فألتقطتها وتشبثت بها دون النظر إلى صاحبها، مذهولة عاجزة، الحشد يدفعها هنا وهناك وتمضي هي معه في مسيرته العشوائية كل ما تسمعه صيحات صراخ وإذا حاول أحد ما الهرب من هذه المسيرة يٌقتل.
فتحكم قبضتها على هذه الكف طوق النجاة، تلهث من شدة الظمأ والحشد يمضي في مسيرته، يرقص رقصة مجنونة قلما جاد بها الزمن، تصارع، تبكي، تصرخ ولكن بلا طائل الناس بسكاري وما هم بسكاري، هي فقط حشود هائجة لاهثة تحت لهيب الشمس الحارقة.
يسقط شاب فتسحقه الأقدام سحقًا من فرط فزعها لا تترك له الفرصة للصراخ واستجداء الرحمة تفارقه روحه ولا يعلم من تسبب في مقتله، وتسقط فتاة ورجل والجميع مصيرهم واحد، الموت تحت الأقدام الفزعة.
تنطلق من بين ثنايا نفسها صرخة وأحكمت قبضتها على هذا الكف الذي أنتشلتها، وقتها فقط تذكرت مشهد الحمير الوحشية وهي تفر من الأسود المتعطشة لدمائها وتسائلت هل قامت الساعة؟ أم أنها تهلوس! وبعد مسيرة طويلة وتساقط عشرات القتلى تحت الأقدام توقفت وسمعت صوت أجش يصيح بعنف وقسوة: هيا يا ولاد الكلب، وشتائم لم تسمع عنها طوال حياتها وصفعات على الوجوه وركلات على سائر أنحاء الجسد وأخيرًا غرفة حالكة الظلام.
أصابها الرعب ولكنها هدأت قليلًا لوجود صاحب الكف بجوارها متشبثًا بيدها رغم عدم رؤيتهما لبعض بسبب الظلام، فصاحت بقلق أين ذهب الجميع؟ هل أنشقت الأرض وأبتلعتهم؟
الرجل: بالفعل نحن تحت الأرض
هي: تحت الأرض.. هل فارقنا الحياة أم ماذا؟ أنا سأجن هل هذا حلم أم واقع.
الرجل: نحن في زنزانة تحت الأرض، ولكن كم أتمنى أن نفارق الحياة من هول ما سنلاقيه.
الفتاة: هل تقصد بالزنزانة السجن.
الرجل: بالفعل.
الفتاة: أنا لم أقترف شيء، أنا كنت ذاهبة لشراء الدواء لأمي.
قهقه الرجل: بسخرية أنا أصدقك ولكن مع هؤلاء ليس هناك داء ولا دواء فقط المؤامرات والشغب التي تحبك ضد العدالة.. لسنا سوي شرذمة من الآفقين والآثمين التي تثير الفوضى وتدبر المؤامرات مع الغير.
الفتاة: حسبك ياهذا مالي أنا ومال ما تتفوه به، أنا أمي عليلة ويجب إحضار لها الدواء ثم جذبته معها وأخذت تدق على باب الزنزانة صارخة بلوعة: أخرجوني أنا لم أفعل شيء أنا بريئة.
الرجل: سبق السيف العزل، لقد وقع العصفور بين براثن الصياد هل تعتقدين أنه سيتركه، هنا قانون الغاب البقاء للأقوي ونحن فرائس ضعيفة لا تملك حتى التفوه بكلمة نحن عزل مجردين من السلاح والكلمة كلمتنا تضيع بين قطيع الثيران الهائج.
الفتاة: وهي تعود جالسة وصوت بكاءها يشق الصمت، الدواء أمي مريضة.
الرجل وهو يربت عليها بحنان: أهدئي لعل الله يجد لنا مخرجًا.
ساد الصمت وهما غارقين فيما ستؤول إليه الأمور وغابا في النوم ولكن بعد فترة قصيرة أستيقظا على صوت صراخ تدمي له القلوب وتدمع له الأعين، أشخاص يتلون من فرط العذاب صرخاتهم تصم الآذان وتصيب الأجساد والعقول بالشلل من شدة الرعب لنفس المصير والعجيب أنهم يستغيثون بجلادهم طالبين الرحمة، لا رحمة من بين أنياب الوحش، هل سيرحمك إذا، سحقًا لماذا؟
أستحق هذا اللقب السامي من فرط رحمته هيهات هيهات الوحوش لا ترحم فقط يزداد توحشها. وبعد قليل حانت فقرتنا في الغناء والرقص ولكن على طريقه الوحش السادية ولم تكن تعلم أنها تمتلك هذه المهارة في الغناء المصحوب بصراخات العذاب.
جذبها من شعرها بغلظة حتى كاد يقتلعه أو أقتلع منه الكثير ألقى بها على الأرض بقسوة تحسست بكفها في هذا الظلام الحالك ولكن تلقت الركلات من قدمه في وجهها وبطنها ورأسها، شعرت بالدماء تسيل وتدخل لجوفها ناهيك عن تعرضها للصعق بالكهرباء وجذبها من شعرها والصفع على وجهها، قائلًا: تسعين للحرية وتثيرين الشغب بشعارات رنانة زائفة، نحن هنا ملوك الحرية والعدالة، ثم ركلها عدة مرات في بطنها بحذائه المليء بالمسامير المدببة لكي تنزف أكثر مرددًا: سنقطع ألسنتكم ونغيب عقولكم أنتم عبيد قوانينا ليس لكم حق غير ما نريد نحن، ألا تتفقين معي أنكم لستم سوي بهائم والعجب كل العجب نقدم لكم أصبع تريدون إلتهام الكف.
وجذبها بشدة دافعًا برأسها للجدار بقوة عدة مرات قائلا: بعض البهائم تخرج عن العادات والتقاليد لذا نقوم بذبحها وسلخها.
الفتاة: أريد ماء ماء.
ضحك الرجل بغل وردد ضاغطًاً على حروف كلماته: هذا هو أحسنت يا فتاة ماء ماء تمامًا كالمعزة الخرقاء.
العالم منذ وجوده يحكمه الأقوى والبشر جميعهم أغبياء مسالمين لا يدركون شيء، أننا لا نهزم أو نموت نحن ننتصر، نحكم العالم نقوي دول ونضعف دول وشرذمة قليلة تتفوه بالحرية.
ماذا نفعل إذا سقط نيزك من السماء نحدد مكان سقوطه وحجم أضراره ونعالج الأمر برمته دون ضرر ولا ضرار هذا سيكون مصيركم حفنة من القاذورات تتفوه، ونسيت أن الشيطان يحكم ونحن بكل فخر جميعًا شياطين.
الفتاة بضعف: لماذا كل هذا العذاب؟
الرجل: حتى لا يتفوه لسانك بكلمات رنانة وينساق غيرك وراءها ويقع في العذاب، كم أنت جاحدة شيطانة تدفعين بغيرك لنفس مصيرك ولكن ستصمتين للأبد حتى لا يتأذي غيرك وستذعنين لأساليبنا وتدركين كم كنا رحماء معك.. ونادي على شخص ما لم تستطع رؤيته من شدة الظلام.
فتسائلت بصوت عالي: كيف ترون أنفسكم في هذه الظلمة على الأقل من حقي أن أرى جلادي وقاتلي أم أنكم تخشون من النظر لعيون قتلاكم حتى لا تطاردوكم أينما ذهبتم ياإلهي فلترد لي حقي من هؤلاء وأنا على يقين من ذلك.
ولكن هوي سيف حاد على أصابع يديه فقطعها وصرخت هي بألم ولم تتحمل الألم ففقدت الوعي وبعد ليالي من العذاب المتواصل أفاقت بصعوبة لتجد حالها مرتكنة لحائط وبجوارها شخص ما، وبمجرد أن سمعت صوته حتى تشبثت بكفه رغم أصابعها المقطوعة وسمعت أصوات صرخات فقالت: ما أشبه الأمس بالبارحة، ألن ينجلي هذا الظلام والظلم؟
الرجل: هذا ناموس الحياة، الظلام والظلم.. العدل نقرأه فقط في كتب الأساطير هي كلمة ضاعت حكمتها وحروفها بوجود الإنسان، محاها وأسقطها منذ مجيئه للأرض لا تحزني سنجده قريبًا عند الرحمن نحن أخطأنا بالبحث عنه في الدنيا، هؤلاء هم عبيد الزنزانة لسنا نحن.
الفتاة: وأنا اختصرت كل المشاكل في كيفية حصولي على علبة دواء ولكن العالم مليء بأمور مرعبه أناس ليسوا أناس وليسوا شياطين، هم فقط نزعت الرحمة من قلوبهم ولكن عزائي الوحيد أنه سيظهر آخرون ويقتصون لنا.
الرجل: وسيلقون نفس المصير.
الفتاة: هل تعلم شيء أتخيلك الآن تقبض على كفى وسط حديقه غناء بالزهور لكل زهرة لون وموسيقى خاصة بها هاهي؟ هل تسمع؟
الرجل: نعم أسمع وأهمس إليك قائلًا من أي جنس أنت يا إمراة من قبعة ساحر خرجت، من يدعي أنه سرق مكتوب واحدًا من مكاتيب حبك يكذب، كم أرغب برؤيه عيناك رغم هذا الظلام والعذاب لكن أنا عشقتك يا فتاة.
الفتاة: وأنا أيضًا يا صاحب الكف
ثم ضحكت على الأقل نمتلك حرية العشق لن يستطيعوا سلبها منا رغم كل هذا الظلم والظلام يولد العشق والحريه ورغم كل العذاب وصرخا بصوت واحد مرتفع "حرية"
في الصباح فتحت باب الزنزانة ليجدا الإثنان متشبثان كل منهما بكف الأخر وعلى وجههما ابتسامة