الخميس 25 أبريل 2024 01:58 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور عبدالفتاح احمد يكتب : من الثنائيات المتضادة (القناعة والطمع )!

الدكتور عبدالفتاح احمد
الدكتور عبدالفتاح احمد

لطالما كثر حديث الأدباء كتابًا وشعراء عن القناعة ، والتي هي إحدى مجالات الزهد ، غير أن ديننا الإسلامي الحنيف سبق إلى ذلك ، حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «قد أفلح من أسلم، ورُزِقَ كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه»، والمعنى، هو تعويد النفس على خلق القناعة وعدم الطمع بما في أيدي الغير ، فالقناعة هي الرضا بما قسم الله ولو كان قليلاً، وهي عدم التطلع إلى ما في أيدي الآخرين، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كن قنعاً تكن أشكر الناس». وفي المقابل نرى الطماع من البشر الذي لا يشبع أبدًا ولا يشعر ببركة في رزقه، وما أكثر هذا الصنف من البشر في عصرنا الحاضر وفي واقعنا المعيش ، فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لَوْ كانَ لاِبْنِ آدَمَ وادِيانِ مِن مالٍ لابْتَغَى وادِيًا ثالِثًا، ولا يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ " ، فيا لها من ثنائية طغى فيها شقها الثاني في هذه الأيام ، وكم من أمثلة على مر الأيام ونعايشها يوميا تدل على ذلك ، حدث ولا حرج على عمليات النصب بحجة تشغيل الأموال ، وقطاع عريض من الناس قد جرى لعابهم للحصول على مبالغ طائلة من المكاسب في زمن قصير مما أوقعهم في شرك النصب ، وقس على ذلك – أخي القارئ- الكثير والكثير من أحوال مشابهة ، فماذا على الناس لو طبقوا مقولة " القناعة كنز لا يفنى " ، فالسعادة ليست بكثرة الأموال ، فالعافية رزق ، وراحة البال رزق ، ومسكن آمن رزق ، نفس راضية رزق ، فكم من أغنياء يملكون الأموال والقصور وكل أنواع الترف ولا يشعرون بالسعادة ، أحدهم فقد الصحة ، وأخر فقد راحة البال، وأخر لايملك رضا النفس ، وقد جمع الشاعر الزاهد أبو العتاهية كل أسباب السعادة في القناعة والرضا في أبياته الشعرية فقال :
رغــيـف خـبـز يـابـسٌ ... تــأكـلـه فـــي زاويـــه
وكــــوز مــــاء بــــاردٍ ... تـشـربُه مــن صـافـيه
وغــــرفـــةٌ ضــيّــقــةٌ ... نـفـسُك فـيـها خـالـيه
ومــســجـدٌ بــمَــعـزِل ... عــن الــورى بـنـاحيه
تــدرس فـيـها دفـتـراً ... مــسـتـنـداً بــســاريـه
مـعـتبراً بـمـن مـضـى ... مــن الـقرون الـخاليه
خيرٌ من الساعات في ... فـىء الـقصور العاليه
تــعــقُـبـهـا نــــدامـــةٌ ... تَـصـلى بـنـارٍ حـامـيه
فـاسمع لنُصح مُشفِق ... يُـدعـى أبــا الـعتاهيه
وقد صدق الرجل ، فكل ما يحتاجه الإنسان إذا رضيت نفسه رغيف خبز يشبع جوعه ، وشربة ماء تروي عطشه، ومكان ضاق أو اتسع ، يكفيه أن تكون نفسه فيه مستريحة، ومسجد يؤدي فيه العبادة ويفتح فيه مصحفه، أو كتبا تراثية يتعلم منها أخبار السابقين الخوالي، ليعتبر مما حدث لهم، فكن طموحاً ولا تكن طماعا ! وليحكم كل منا العقل والمنطق في اختياره من بين هذه الثنائية ، أيهما تختار النقيب الأول أم النقيض الاول؟