الخميس 28 مارس 2024 10:28 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب : الصقيع العاطفي يهدد الأسر الزوجية بالدمور !

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم
الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم

أزعم أن هناك تباين بين حالة الدفء الطبيعي التي تسود الشارع نتيجة سطوع الشمس طوال النهار ، وبين حالة الدفء داخل الدور والبيوت ، علي العكس تماما يسود أغلب البيوت حالة من الصقيع العاطفي تؤثر على حالة الانسجام والتفاهم بين كل أفراد الأسرة . ويهدد المجتمع بالتصدعات الإجتماعية .

فمن الحقائق التي لا خلافَ عليها أنَّ الأسرة عماد المجتمع، وقاعدة الحياة الإنسانية، وأنها إذا أسِّست على دعائم راسخة من الدِّين والخلق والترابُط الحميم، فإنَّها تكون لبنة قوية في بنيان الأمة، وخلية حية في جسم المجتمع.
ومن ثَمَّ كان صلاح الأسرة هو السبيل لصلاح الأمة، وكان فسادها وانحلالها مناط فساد المجتمع وانهياره، وإذا ألقينا نظرةً على حال الأسرة المسلمة في هذا العصر، نَجد أنَّها قد هَبَّت عليها رياح التغيير، وتسلَّلت إليها الأدواءُ الفتَّاكة، فأصبحت تعيشُ في جو مَملوء بضباب التباعُد بين أفرادها الذين يعيشون حياةً جافَّة بعيدة عن الجوِّ الأسري الحميم القائم على التعاطُف والحنان والمشاعر القلبية الصادقة، والاحترام المتبادل، وطفا على السطح الأسري العناد والجفاف العاطفي، وأصبح الزوجان يعيشان كخصمين في حلبة مصارعة، ينتهز كل طرف منهما الفرصة؛ ليُسدِّد للطرف الآخر الضربات القوية واللكمات الموجعة ، التي اختفى معها الدفء الأسري، والروابط الحميمة التي ظلت عمادَ الأسرة المسلمة، ومصدر قوتها وعزتها في العصور السالفة. ولو بحثنا عن أسباب افتقاد الدفء الأسري والترابط العائلي في عصرنا، فإنَّنا نرجع ذلك للأسباب الآتية:
* انشغال الأب الدَّائم عن أفرادِ أسرته، وقَصْر وجوده المنزلي عند حدود تناوُل الطعام والنوم، وأنَّه ما دام قد وفَّر لهم الطعام والملبس، فإنَّه قد قام بواجبه نحوهم خير قيام، في حين أنَّه يحرمهم من العطاء النفسي، والتواصل العاطفي والفكري، الذي يجعل منهم شخصيات سوية تنفع أسرتَها ومُجتمعها.
* إهمال الزوجة هي الأخرى لشؤون بيتها وأولادها؛ نتيجة الإسراف في العلاقات الاجتماعية، بكثرة لقاء الصديقات، والخروج المستمر من البيت؛ لحاجة وغير حاجة، وتنسى أنَّ البيت إنَّما هو واحة للراحة والسعادة للزوج والأولاد.
* الطُّوفان الإعلامي الجارف في هذا العصر من تلفازٍ،
وفضائيَّات، وكمبيوتر، وإنترنت، فقد استحوذت هذه الوسائل على وقت الأسرة، وبدلاً من أنْ يقضي أفراد الأسرة معًا جزءًا من وقت فراغهم في التحاوُر والمناقشة، جذبتهم هذه الوسائل الإعلامية ، لساعات طِوال، مُتباعدين نفسيًّا وعاطفيًّا وفكريًّا، كُلٌّ مَشغول بعالمه الخاص، صامت لا يُحدِّث الآخر أو يستمع إليه، مبهورًا بما يرى ويشاهد أمامه، وظهر ما عُرِف بإدمان التِّلفاز والكمبيوتر والإنترنت، الذي شغل الكثير من أوقات الأزواج والزوجات والأبناء.
والسؤال الذي يطرح نفسه علينا الآن: كيف تكون الأسرة المسلمة الحضن الدَّافئ والملجأ الأمين لكل فرد من أفرادها؟، ونرى أنَّ هذا الهدف يتحقق عن طريق العودة إلى الأُسُس والدعائم التي أقامها دينُنا الإسلامي الحنيف بشأن العلاقة الزوجية، والتي عبر عنها القرآن الكريم أروع تعبير في قوله - تعالى -: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} "البقرة: ١٨٧"، فهي علاقة الامتزاج الكامل والستر المشترك، ولن تكون كذلك إلاَّ إذا عبرت أصدق تعبير عن المودة والرحمة والإحسان؛ ليسودَ الأسرة جوُّ من الوئام والحبور؛ قال تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" "الروم: ٢١"، وكذلك في أحاديث الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي قدم من خلالها الفهم الصحيح لحقوق العلاقة الزوجية حينما قال: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"؛ أخرجه الترمذي، وأيضًا في قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا، وألطفهم بأهله" ؛ أخرجه الترمذي.

فما من شك أن الدفء العاطفي من أهم الحاجات الانفعالية في حياة الفرد من حيث الحاجة إلى إشباعها في جميع مراحل الحياة .
فالكلام الحلو في المحيط الأسري ، مثل الموسيقي التصويرية التي تصاحب مشهدا فنيا ، تسهم في تعميق معناه ،وتغذية المشاعر الإنسانية بالأثر المطلوب ، وهو أيضا مثل لحن القصيدة الشعرية ، يحولها إلي نغمات شجية تثير المشاعر طربا وانتشاء ، وكذلك يقوم الكلام الحلو بإزالة الصقيع الزمهريري الذي يحول الأسر إلي جبال ثلجية يراها الناظرين من بعيد بيضاء تسر الناظرين ، وفي الحقيقة هي كهف ثلجي ترقد فيه جثث متجمدة .
وليت الأسر تفتش عن وسائل تدفأة تقيها شر التجمد والتحجر .
ولو يعلم كل من الزوج والزوجة أهمية ما يصدر منهما من كلمات وأفعال في بيته من تدفئة محيط الأسرة ، وانتفاخ حجمها بالسعادة والهناء . ما فتأ كلاهما عن دعم الأسرة بما يدفعها للأمام بسهولة ويسر .

ليت الزوج يعلم أنه سارية العشق الأسري ، فالعشق مأخوذ من العشقة _ أي شجرة اللبلاب _ فكما أن اللبلابة لا تتشبث إلا بالنبت القوي كالنخلة أو الشجر القوي ، هكذا السعادة الزوجية ، مرتبطة بالزوج سندا قويا وداعما لها ، وليت الزوجة تعلم أن دورها هام جدا جدا في إنتاج العشق المزيل والمصهر للجليد الأسري !
وإذا أصاب العشق محله ، وخوطب به من هو أهله ، فما أحلاه وما أجله ، فما أسعد أن يجهر كل محب لحبه مستخدما رموزه الخاصة من كلمة طيبة، وهمسة حانية، وقبلة عذبة ، وحضن دافئ يذيب الجليد المتجمد علي جبل الحياة .
لن أسترسل في أوصاف وأهمية الحضن الاجتماعي الأسري الذي يحفز إفراز هورمون السعادة، ويقوي المناعة، ويساعد على ارتخاء العضلات، ويساعد على توازن الجهاز العصبي، ويخفف التوتر، وينتج الدفء ، فالحضن دفء.. دفء جسدي، ودفء نفسي، وكأن الإنسان يضع كمادات من المياه الدافئة على جراح حياتك، وإصابات يومك، وكدمات علاقاتك..
* الحضن علاقة في حد ذاته، فيها أخذ وفيها عطاء.. فيها رسائل نفسية في الاتجاهين، فيها رؤية وقبول واحترام واحتواء..
* الحضن وجبة غذائية نفسية متكاملة.. فيها كل أنواع المقويات والفيتامينات والبروتينات (النفسية)..
* الحضن هو البديل اليومي المتاح لعودة المرء إلى داخل الرحم مرة أخرى (وهي رغبة نفسية دفينة لدينا جميعا)، حينما كان الأمان والدفء والاحتواء والشبع موجودين بكل بساطة ودون عناء أو مشقة أو تعب، وجوداً دائماً لا ينقطع.
*الحضن يعني أن المرء موجود، وأنه يستحق أن يوجد، وأنه بستحق هذا المنحة الربانية بين يدي من يحب..
*الحضن أمان ودرع حماية، سترة واقية من رصاص الألم وصقيع الحياة..
* الحضن فرحة وبهجة وطاقة متجددة في أوردة المرء وشرايين روحه..
* الحضن أمل..
* الحضن عزاء وطبطبة وترياق ناجع لهموم الليالي.. وسموم الأيام..
* الحضن قبول.. واهتمام.. وحب.. وسمو.. ورضا..
* الحضن لغة.. والحضن له لغة..
* الحضن.. شفرة المحبين..
* حضن الأم يعطيك دفئا وشبعا واحتواء وأملا.. وحضن الأب يعطيك قوة وشجاعة وحماسا وإصرارا.. وحضن المحب يشعر بالدفء والسعادة .
بعض المرضى النفسيين لا يوجد خلف أعراضهم وأمراضهم النفسية العويصة سوى احتياج لحضن..
فقط احتياج لحضن لم يتم إشباعه .
من المستحيل أن تنشأ أطفال أسوياء نفسياً دون حب وأحضان دافئة. فقد ثبت فعليا تدهور الحالة الصحية لأطفال دور الأيتام والملاجيء وظهور بعض علامات التبلد الفكري والتخلف العقلي وبعض الإعاقات الجسدية عليهم رغم حصولهم على الاهتمام الجسدي، وعلى الرغم من أنهم قد ولدوا بصورة طبيعية. ورغم ما يقدم لهم من الطعام والشراب ، إلا لافتقادهم حضن أسري و ملامسة حنونة. وعدم كفايتهم من اللمس الإنساني والتقبيل والطبطبة والتدليل. وأفتقدوا اللأحضان الدافئة التي توجد في محيط الأسر الطبيعية المفعم بالمحبة والمودة والحنان، وهنا مربط الفرس.
فالحياة الزوجية السعيدة تقوي وتنمو على الحب المتبادل والتفاهم بين الزوجين، وفي حال غياب مشاعر المودة عن العلاقة الزوجية، تفقد الدعامة الأساسية التي بنيت عليها، مما يهدد هذه العلاقة بالفشل عند أول مشكلة يتعرض لها الزوجان.
فما أجمل أن يتعشق المرء زوجه ، وما أبهي أن يتزوج معشوقه ، فليس هناك أنفع للزواج من اثنين متحابين متفاهمين ، عاشقين ،فليس اجتماع الزوجين تحت سقف واحد دليل على علاقة محبة قوية تجمع بينهما، فالكثير من العلاقات الزوجية تحولت إلى روتين حياة يومي يغيب عنه دفء العاطفة بين الزوجين.
فعلي كل أسرة من شراء ترمومتر لقياس درجة الدفيء العاطفي داخلها، للعمل علي مجابهته ! وإذا ضعفت أي أسرة عن الشراء ، فعليها أن ترصد ذلك عن طريق الوصفات البلدية ومنها .
* إذا أحس أحد أفراد الأسرة بالحاجة إلى الحديث إلى شخص آخر غير شريك حياته لتفريغ الشحنات العاطفية المكبوتة في صدره فيتأكد أن هناك جفاء عاطفي بينه وبين الشريك، فالزوجان السعيدان يلجأ كل منهما للآخر للحصول على الشحنة العاطفية التي يحتاجها.
* إذا اختفت الحوارات وجلسات اجترار الذكريات السعيدة ، فهذه أمارة من أمارات خفوت الحب ، وفقدان الأمل في إعادة إيقاد جذوته الخامدة ، فكل إنسان _ سواء كان رجلاً أو امرأة _ لديه حاجات جسدية وعاطفية، يحتاج إلى التعبير عنها مع الجنس الآخر، وفي حال شعور اي منهما أن حاجته العاطفية لا يتم تلبيتها على النحو الذي بريد مع الشريك، فهذا دليل على غياب الحب عن العلاقة الزوجية، فالحب بين الزوجين حصناً منيعاً ضد أي علاقة خارجية محتملة لأي منهما، وفي حال شعور أي منهما بالانجذاب العاطفي لشخص آخر غير الشريك، فهذا دليل آخر أن الحب لم يعد يحكم علاقتهما، ولا بد من إعادة النظر في هذه العلاقة.

سيكون من السهل على كل من الزوجين عنئذ إلقاء اللوم على الآخر، دون أن يكون أي منهما على إستعداد للإعتراف بخطئه وتحمل مسؤولياته تجاه وصول الحال إلي ما وصل إليه ، فلابد إذا أن يحاسب كل طرف نفسه عن وصول الحالة الأسرية إلي تلك النقطة الصعبة ، ويبادر بغرس شجيرات المودة والرحمة والسكن في أرض الزوجية ، فلعلها تنفخ شذي في سويداءات القلوب ، وتمس شغافها ، فتزهر الورود التي تعيد الحياة إلي سابق عهدها من المودة والرحمة والمحبة .

الخلاصة :

إن الزلازل لا تحدث فجأة ولا تنتهي بغته ، وإنما لها مقدمات وتعقبها توابع ، فاتقوا الزلازل وعواقبها بالدفء العاطفي الذي يزيل ثلجية الحياة .