الخميس 25 أبريل 2024 08:28 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

مقالات فى الإعلام ...

الإعلامى والأديب محمد جراح يكتب : الإعلام المصرى ..واقع هش ومستقبل تائه ( 1 )

الإعلامى والأديب محمد جراح
الإعلامى والأديب محمد جراح

بعيداَ عن أي تشنجات قبلية وعن أي إنحياز أو تعصب غير مبرر على أرض الواقع؛ فإنه لم يعد خافياً على أي منصف أو مهتم الواقع المزري لما وصلت إليه الحالة الإعلامية المصرية التي كان من المفروض أن تكون صناعة قد اكتملت مقوماتها استناداً على تاريخ حافل طوال سنوات مضت، استفدنا في بعضها ثم أهملناها فيما بعد فجنى ثمار جهودنا وتعبنا غيرنا!؛ وقد قصدت أن أسميها باسم الحالة الإعلامية المصرية ولم أسمها بالصناعة؛ لأن واقع الحال في بر المحروسة لا يعكس من أسف إلا مظهراً من مظاهر الفهلوة وافتقاد الرؤية في التناول والتعامل مع واحدة من أخطر الصناعات وأهم الاستثمارات المعاصرة ألا وهي صناعة الميديا.

الدارس للميلاد الأول للمنظومة الإعلامية المصرية يجد أنها ولدت متعافية على الرغم من نشأتها في وقت كان المستعمر الانجليزي يدس أنفه في كل شيء وبين شد وجذب استطاعت الحكومة المصرية عام 1947م أن تنتزع استقلال الإذاعة المصرية وتكون لها السيادة المطلقة على إدارتها؛ ليصبح هذا الجهاز الإعلامي الذي التزم بالعمل وفقاً للقواعد المهنية العالمية حراً ومستقلاً عن أي تبعية قد تعطل من انطلاقه؛ فصارت الإذاعة المسموعة تكسب كل يوم أرضاً جديدة، وتكسب معها ثقة الناس، فلم يطلق أحد في يوم ما على أخبارها "أنها أخبار إذاعة" قياساً على المقولة الشهيرة " كلام جرايد" التي كانت تقلل من مصداقية ما تكتبه الصحف عند قطاعات من الجماهير؛ ولذا كان كل ما يبث عبر أثيرها مصدقاً لدى المتلقين من الجماهير العريضة على اختلاف مستوياتها الثقافية، لأن أحداً لم يجرب عليها الكذب، حتى وإن كان لا ثورة عام 1952م قد استفادت من الإذاعة استفادة عظيمة، ومن ثم فقد أولتها عنايتها لتنهض بها شكلاً ومضموناً؛ فقامت بعمليات تحديث للأجهزة والاستديوهات؛ وتقوية لمراكز الإرسال؛ كما أكثرت من عدد الخدمات العاملة الموجهة لقطاعات وطوائف الشعب؛ وقامت أيضاً ببث مجموعة كبيرة من الخدمات الإذاعية الدولية باللغات الأفريقية والآسيوية والأوروبية لتصل بالثقافة المصرية، وبوجهة نظر مصر تجاه القضايا العالمية إلى شتى أرجاء المعمورة؛ ومثلما كانت تلك الوسيلة بوقاً للنظام كانت أيضاً منبراً من منابر الثقافة والتنوير، وعلى هذا قد نستطيع القول إن الإذاعة وعلى الرغم من تبعيتها الكاملة للحكومة بكل ما تعنيه الكلمة من معان التبعية؛ قادت ثورة ثقافية شاملة ساهمت بجلاء في نشر نور المعرفة بين قطاعات عريضة من المواطنين؛ وكان لها أثرها الملحوظ في مجابهة ثالوث التخلف وهو الفقر، والجهل، والمرض، ومع تعاظم الإذاعة المصرية ودورها الرائد محلياً وإقليمياً ودولياً؛ صار لها ترتيبها العالمي كواحدة من أضخم وأكبر وأهم الإذاعات على مستوى العالم..
وقد تكون نكسة عام 1967م قد نالت من مصداقية الإذاعة لبعض الوقت؛ إلا أنها سرعان ما عادت لسيرتها الحسنة مع اندلاع حرب أكتوبر المجيدة عام 1973م؛ لما بعدت الإذاعة عن التهويل والتزييف ونقل الحقائق كما هي على الرغم من كل الشرور التي كانت تتربص بالوطن.
وقد بلغ من فرط اهتمام القيادة السياسية في الخمسنيات بسلاح الإعلام وإدراكاً من الفاهمين بقدرته وعظم تأثيره؛ أن سارعت الدولة إلى إدخال خدمة الإعلام المرئي والاستفادة من تأثير الصورة، مثلما كان يتم من الاستفادة من تأثير كل من المكتوب والمسموع؛ فتم إطلاق ذلك البث المستجد عام 1960م تحت مسمى "التليفزيون العربي" لتكون الصورة الجديدة لكل العرب حتى وإن كانت قد صنعت في مصر؛ وكان ذلك يتم وفق رؤية واستراتيجية واعية تعرف ماذا تفعل في وقت لم تكن الدول العربية قد فكرت في إنشاء أجهزتها الإعلامية المرئية؛ وهو وقت كانت بعض تلك الدول لم تحصل على استقلالها بعد؛ وكان المشروع القومي المصري العربي قد أشرق ضياؤه من القاهرة.
وإذا كانت كل من الإذاعة والتليفزيون قد التزما بالتعبير عن الدولة وأن يكون كل منهما لسان حال الحكومة في مخاطبتها لشعبها؛ فإن الجهازين وعلى الرغم من كونهما بوقين للنظام الحاكم التزما بحرفية ومهنية وأكواد ومدونات سلوك لم تسمح لأي من كان بتجاوز حدوده على الرغم من ضغوط كانت تمارس؛ فظلا في منطقة وسطى لا هي بالغائمة فتسود الدنيا، ولا هي بالصافية فتشرق الشمس على الجميع، وظل الأمر على هذا الحال حتى اندلعت أحداث ثورة الخامس والعشربن من يناير من عام 2011م.
يتبع،،،،،
محمد جراح