الأربعاء 8 مايو 2024 05:48 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

أفكار شائكة

عـادل عطيـة يكتب:  ماذا وراء لوحة: ( اليدان المطبقتان )؟..

الكاتب الصحفي: عـادل عطيـة
الكاتب الصحفي: عـادل عطيـة

  في قرية ألمانية بالقرب من نورمبيرج، وفي القرن الخامس عشر..

  كانا هناك..

  صبيّان من عائلة دورير، يدعى أحدهما (ألبرخت)، ويدعى الآخر (فرانز)..

  ومع أن ظروف عائلتهما المادية كانت صعبة جداً، إلا أن الفقر، لم يمنع الأخوين الكبيرين من أن يحلما بارتياد أكاديمية الرسم!

  ولأن والدهما لم يكن قادراً على تحمل تكاليف الدراسة؛ لذلك قرر (فرانز)، أن يذهب إلى العمل في المناجم؛ ليتكفل بمصاريف أخيه!

  منذ البداية كان واضحاً أن (ألبرخت) سيكون له شأن عظيم في عالم الفن، فهو كان دائماً من المتفوقين وخلاّقاً مبدعاً في رسومه؛ حتى عندما حان  وقت تخرجه، كانت لوحاته وتماثيله، تدرّ عليه دخلاً وفيراً!

  وفي احتفالية التخرج، وقف (ألبرخت)، وقال مخاطباً أخاه: (يا أخي الحبيب، الرب يباركك ويعوضك عن تعب محبتك لي؛ لولاك ما استطعت أبداً أن أدرس في الأكاديمية، والآن حان دورك في الذهاب وأنا سأتكفل بمصاريفك، فلدي دخل كبير من بيع اللوحات)!

  التفتت الأنظار ناحية (فرانز)، منتظرة ما سيقوله..

  وأما هو فهز رأسه ببطء، وقال: (لا يا أخي، أنا لا أقدر على الذهاب الآن.. انظر إلى يدي، وما فعلته بهما سنوات العمل في المناجم، فما عدت أقدر حتى على الإمساك بفرشاة صغيرة، والتحكم في الخطوط الدقيقة)!

  حزن ألبرخت، لما رأت عيناه، وشعر بالأسى حيال اخيه!

  وذات يوم، فيما هو يمرّ بحجرة (فرانز)، مساء، وجده راكعاً يصلي، ويداه مضمومتان، فاستوقفه المنظر، وقد تملكته خلجات النفس الجميلة.. وهنا أخذ ادواته، ورسم تلك اليدان المرفوعتان إلى الله!

  ولما وقع نظر (فرانز) على الرسم، صرخ قائلاً: (هاتان يداي؛ فلماذا رسمتهما)؟!..

  أجابه، ألبرخت: (رسمتك في هذا الموقف المهيب، وأنت في حضرة الله، وتكريماً للمحبة الباذلة التي لا تفكر في نفسها، مؤمناً إيماناً عميقاً، بأن هاتين اليدين اللتين لم تقدرا على إخراج صورة ناطقة على لوحة، تستطيعان الآن، أن تتكلما بصورة أبلغ أثراً)!

  وها هي ذا لوحة: (اليدان المطبقتان، أو: المصليّتان)، تخرقان القلوب في كل جيل، كما توقع راسمها!

  فما تزال في هذه اللوحة..

  ما يجعلنا نتذكر: كل يد قدمت لنا خدمة، وكل يد ضحت من أجل راحتنا، وكل يد بذلت نفسها من أجلنا!

  وما يجعلنا نتعلم: أن اليد التي لا تقدر أن تفعل شيئاً كبيراً في العالم، قد تصير مصدر خير وفير!

  وما يجعلنا نتعظّ: ففي أحيان كثيرة يفعل الله بخيبتنا وفشلنا، أكثر مما يفعله بفوزنا وانتصارنا!