دكتور رضا محمد طه يكتب : الاحماض الصفراوية ومقاومة السرطان

تقوم البكتريا الموجودة طبيعياً في الأمعاء ضمن ما يعرف بالميكروبيوم بتحويل الأحماض الصفراوية المشتقة من الكوليسترول إلي جزيئات أو مستقلبات قوية تعزز المناعة المضادة للسرطان وذلك بقدرتها على التفاعل مع مستقبلات الاندروجين ومن ثم تعطيل عمل إشارات الاندروجين، هذا ما كشفت عنه دراسة جديدة أجراها باحثون من قسم امراض الجهاز الهضمي والكبد ومعهد جيل روبرتس لأبحاث أمراض الأمعاء الالتهابية في كلية طب وايل كورنيل ونشرت مؤخرا في مجلة سيل Cell.

ينتج الكبد الأحماض الصفراوية الأولية ويطلقها في الأمعاء، حيث تعمل مجموعات متنوعة من البكتريا معا بهدف تعديل بنية الأحماض الصفراوية الكيميائية حيث اشتبه الباحثون في أن هذه التعديلات الميكروبية المعوية قد تؤثر على كيفية عمل الأحماض الصفراوية وتفاعلها مع مسارات الإشارات الخاصة بعمل الاندروجين وغيرها. قام فريق البحث باختبار هذه الفكرة عن طريق استكشاف المدي الكامل للتعديلات التي تحدثها البكتريا في الأحماض الصفراوية وفهم كيفية تأثير هذه التغييرات علي أدوارها البيولوجية.

كشفت النتائج أن بكتريا الأمعاء تمتلك قدرة هائلة لتحويل الأحماض الصفراوية حيث حصل الباحثون علي اكثر من خمسين جزيئا مختلفاً من الأحماض الصفراوية التي قامت ميكروبات الأمعاء بتحويلها أي تعديلها وكثير منها لم يكتشف من قبل مما قد تفتح تلك النتائج آفاقا جديدة في علم الأحياء وخاصة تلك التي تتفاعل مع المستقبلات البشرية التي تستشعر الأحماض الصفراوية، ونظراً لأن الأحماض الصفراوية تشترك في نفس البنية الستيرويدية مع الهرمونات الجنسية مثل التستوستيرون والاستروجين لذا فإن هذا قد تكون فرصة لدراسة مدي تفاعل تلك الأحماض الصفراوية المعدلة ميكروبيا مع مستقبلات الهرمونات الجنسية، حيث اكتشف فريق البحث بأن أربعة جزيئات من ال56 جزيء المعدلة تعاكس مستقبل الاندروجين وهو جزيء يتفاعل مع الهرمونات الجنسية لتنظيم العديد من جوانب النمو البشري، وبالإضافة إلى دور الاندروجين في النمو، يوجد مستقبل الاندروجين أيضاً في بعض الخلايا المناعية بما في ذلك الخلايا التائية CD8 لذا فإن تعطيل عمل مستقبل الاندروجين هذا يعزز عمل هذه الخلايا المناعية ويزيد من قدرتها على مكافحة الأورام وتقليص حجمها حيث تبقي الخلايا التائية داخل الورم لتدمير الخلايا السرطانية، لذا فإن دمج النشاط الميكروبي سوف في تصميم علاجات السرطان المستقبلية يعد نهجها واعدا ومن ثم أهمية التعاون بين التخصصات المختلفة من أجل دفع علم الميكروبيوم نحو فهم جزيئي أعمق لما يحدث من تفاعلات بين الميكروبات وجسم الإنسان.

سوف يفتح هذا الاكتشاف آفاقاً جديدة ومبتكرة لتعزيز الاستجابة المناعية القاتلة للسرطان، في هذا السياق اقترح الباحثون إدخال ميكروبات معوية (بروبيوتك ) خاصة لاستهداف الأورام السرطانية وذلك قبل العلاج أو إعطاء الأحماض الصفراوية المضادة للسرطان مباشرة كجزء من العلاج حيث هناك تفاؤل بأن الأحماض الصفراوية قد تصبح في نهاية المطاف مكونا رئيسياً في علاجات السرطان الفعالة إذا ما تم دمجها مع العلاجات الحالية بهدف الحصول على تأثير قوي ضد السرطان.