د.هانى المصرى يكتب : مرتزقة الوطنية .. تجار الشعارات ومخربو الوعي المصري

في زمن التحديات والتحولات الكبرى، يبرز في المشهد العام فصيل خطير من البشر لا يحمل للوطن سوى شعارات جوفاء وأقنعة مزيفة. إنهم من يُعرفون بـ"مرتزقة الوطنية"؛ أولئك الذين يتاجرون بالانتماء ويستخدمون شعارات الوطنية كوسيلة لتحقيق مصالحهم الشخصية، لا كقيمة عليا تُرشد السلوك وتُوجه العطاء.

مرتزقة الوطنية لا يخدمون الوطن، بل يُفرغون مفهومه من مضمونه الحقيقي، ويجعلون منه أداة للفرقة والتشويه. يظهرون في وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي وهم يرفعون رايات الوطنية، بينما هم في الواقع يمارسون التحريض والتخوين، ويزرعون الشك في نفوس المواطنين الشرفاء الذين يعملون بصمت لخدمة مصر دون ضجيج أو مزايدة.

الأخطر في دور هؤلاء هو شحن الطاقات السلبية في المجتمع، وبث الإحباط بين فئاته المنتجة والمخلصة. فهم يحرفون البوصلة عن القضايا الجوهرية، ويحولون العمل الوطني من فعل جماعي نقي إلى ساحة صراع عبثي عنوانه التشكيك والإقصاء. كل من يختلف معهم يصبح "خائنًا" أو "عدوًا للوطن"، وهو سلوك لا يبني الأوطان بل يهدمها من الداخل.

وقد لوحظ في السنوات الأخيرة ازدياد نفوذ هؤلاء المرتزقة، بدعم غير مباشر أحيانًا من بعض الجهات التي تستفيد من حالة الاستقطاب المجتمعي والتشويش الفكري. وهنا تكمن خطورة الظاهرة؛ فهي لا تقتصر على الخطاب فقط، بل تتحول إلى أدوات تعطيل لحركة البناء والتنمية، وتفسد العلاقة بين المواطن والدولة.

إن حماية الوعي الوطني المصري باتت مسؤولية ملحة، لا تقل أهمية عن حماية الحدود أو الاقتصاد. ويجب أن نتنبه إلى أن الوطنية ليست صراخًا في الإعلام ولا تخوينًا للمخالفين، بل هي عطاء وتضحية وفعل إيجابي على الأرض.

على الدولة، ومؤسسات الإعلام، والمجتمع المدني، أن يتكاتفوا لكشف زيف هؤلاء المرتزقة، وفضح أجنداتهم، وإعادة بناء خطاب وطني جامع، يُعلي من قيمة الانتماء الحقيقي، ويشجع على العمل المجتمعي والمشاركة الإيجابية. فالمواطن الشريف هو من يبني، لا من يصرخ؛ ومن يُصلح، لا من يُقصي.

ولن تعود مصر إلى مكانتها المستحقة إلا حين نتخلص من هذه الأصوات الملوثة، ونعيد للوطنية طهرها ونقائها.