الجمعة 29 مارس 2024 08:15 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

حوادث ومحاكم

حيثيات الحكم فى قضية كارثة قطار محطة مصر

الجارديان المصرية

أودعت محكمة شمال القاهرة، المنعقدة بمجمع المحاكم بالعباسية، أسباب حكمها الصادر فى محاكمة 14 متهما فى حادث قطار محطة مصر، برئاسة المستشار الدكتور جابر المراغى، وعضوية المستشارين محمد عزت، وسالم عبد العليم وأمانة سر أحمد رضا.
الحكم أقر القاضى بمعاقبة علاء فتحى أبو الغار 48 عاما، سائق جرار بالسجن 15 سنة وإلزامه بأن يؤدى لهيئة السكك الحديدية مبلغ 8 ملايين و880 ألفا و263 جنيها، تعويضا عن الأضرار التى لحقت بها، ومعاقبة أيمن الشحات سليمان 43 عاما، سائق جرار، وعاطف نصر يوسف 46 عاما كاتب جرد، بالسجن المشدد 10 سنوات.
وقالت المحكمة فى أسباب حكمها، أنه بعد الاطلاع وتلاوة أمر الإحالة وسماع المرافعة والمداولة تبين للمحكمة أن وقائع الدعوى حسبما استقرت فى يقين المحكمة واطمأن إليها وجدانها استخلاصًا من التحقيقات التى تمت فيها وسائر أوراقها وما دار بشأنها بجلسة المحاكمة تتحصل فى أنها قصة إهمال استشرى فى أهم مرفق من مرافق الدولة والذى يقع على كاهله نقل البشر وأموالهم فى كل مناكب مصر المحروسة.
إنها قصة إهمال تراكمت من عقود انقضت حتى أصبحت مرض عضال لا تنفعه أو تجبره مجرد مسكنات اعتادت الهيئة على حقنها فى شرايين هذا المرفق الذى وهن، فمرض، فعجز عن أداء رسالته وظيفته على النحو الذى خطط ونفذ من أجله، فتوالت الحوادث والنكبات التى أبكت العيون وأدمت القلوب على أرواح بريئة مطمئنة ازهقت وأموال أنفقت فأحترقت وتطوير لم يشأ أن يضع بصماته ليواكب التكنولوجيا الحديثة فى أهم مرفق من مرافق النقل
فمنذ تأسيس خطوط السكك الحديدية فى مصر عام 1851 والتى تعتبر الثانية على العالم، أصبحت اليوم مترهلة عقيمة نال منها بعض قيادات توالت عليها، وعاملين فى أروقتها غير مؤهلين لحمل الأمانة وبث الاطمئنان فى نفوس المتعاملين مع هذا المرفق الحيوى الهام.
وبالرغم من التحديث الذى تحاول الدولة جاهدة بذله لرفع مستوى الأداء لهذا المرفق سيظل العنصر البشرى هو حجز الزاوية لأى عمل ناجح، فاختيار القيادة وتوظيف العاملين المؤهلين، وتأهيلهم وتدريبهم المستمر والمحافظة على لياقتهم الصحية والنفسية والعناية بوضعهم المالى وتحسين ظروف العمل وتطبيق قواعد السلامة المنظمة لحياتهم العملية والوظيفية، هو الطريق القويم للارتقاء بهذا المرفق، ودونه، استمرار لنكباته وحوادثه وفقدان للأمن والأمان وضياع للأنفس والأموال.
فجُل حوادثه كانت نتيجة لاستشراء الإهمال من أولئك العاملين وعدم تأهيلهم وتعليمهم والترقى بمستواهم الصحى والاجتماعى، والضرب على أيدى المخالفين للوائح منهم، والذى كان نتائجه هذا الحادث الجلل الذى يمثل صورة مثلى للإهمال الذى ضرب أوصال هذا المرفق.
ففى صباح يوم 27-2-2019 إذ أشرقت الشمس بأشعتها الذهبية على أرض الكنانة الآبية والمواطنين فى حركة دائبة على أرصفة سكك حديد مصر بمحطة القاهرة القلب النابض لهيئة السكة الحديد، وقعت الواقعة.
فاهتزت لدويها قلوب المصريين فى كل مكان، ودمعت عيونهم على أناس كتب القدر أن يكونوا من ضحاياها من دون جريرة أو ذنب سوى أنهم استقلوا قطارات هذا المرفق، واطمئنوا إلى أنهم فى أيد أمينة ترعى الله والوطن، ولكن أنى يكون ذلك؟ فى مرفق اعتاد العاملون فيه على مخالفة اللوائح وارتكاب الأخطاء والجرائم حتى أصبحت هذه الأخطاء وتلك الجرائم هى قواعد التشغيل التى يتربى عليها العاملين جيلًا بعد جيل.
المتهم الأول علاء محمد الغار حضر إلى مقر عمله يوم الواقعة الساعة 9 صباحًا فى حين أن عمله يبدأ من الساعة 6 صباحًا واستلم الجرار رقم "2302" دون مساعد له لكون المتهم الرابع عشر محمد عبد العزيز محمد على لم يعين له مساعد مخالفًا بذلك لائحة التشغيل، وانطلق مؤديًا لعمله وبعد أن سحب القطار رقم "973" من على رصيف المحطة إلى حيث حوش أبى غاطس وبعد تحرير عرباته من الجرار حيث كان برفقته المتهم التاسع "عامل المناورة" محمود حمدى توفيق والذى ثبت تعاطيه "الحشيش" وبإقراره والتحليل المعملى، وحال تحركه للانتقال من سكة رقم "1" إلى سكة رقم "2" لإجراء مناورة والتى كان يجب على المتهم الحادى عشر السيد أبو الفتوح يوسف موافى القائم بأعمال ناظر الحوش إبلاغ ملاحظى المناورة وعاملها المتواجدين بحوش بحرى أبى غاطس وفقًا لقواعد العمل بها.
إلا أنه لم يفعل، ووصل إلى نقطة التحويلة من دون أن يترك المسافة المقررة قبل نقطة الفدو، شاهد الجرار رقم "2305" قيادة المتهم الثانى أيمن الشحات عبد العاطى سليمان، والذى استلم الجرار من المتهمين الخامس سامح صبحى بسطورس، والثالث عشر مهدى محمد مهدى عبدالعال، بالرغم من كونه يعمل مساعدًا للسائق الأصلى والمعين لقيادة هذا الجرار، وهو المتهم الرابع أيمن أحمد محمد العدس، الذى ثبت تغيبه عن العمل فى هذا اليوم، شاهده قادمًا على نفس الخط الذى يقف عليه وبسرعة تجاوزًا لسرعته المقررة داخل الحوش والمحددة بسرعة 8 كم س وبرفقته المتهم الثانى عشر مسعد رشاد على "عامل المناورة" والذى كان جالسًا بعربة السبنسة الملحقة بالجرار مخالفًا بذلك لائحة التشغيل التى تقضى بوجوب تواجد عامل المناورة بمقدمة الجرار وليس خلفه.
فما كان من المتهم الأول إلا أن زاد من سرعة الجرار قيادته إلى أقصى درجات السرعة لتفادى المحاشرة إلا أنه لم يفلح وحدثت تلك المحاشرة بين القاطرتين مما نتج عن هذا إتلافًا بهما وتعريضًا لسلامة الأشخاص للخطر، فنزل المتهم الأول من كبينة القيادة ـ حيث لا مساعد له، مترجلًا تاركًا الجرار بعد أن وضع السرعة على أقصاها.
وبعد نزعه بذراع العاكس عقب جعله على وضع الحركة إلى حيث الاتجاه إلى محطة القاهرة وذلك لكى يعاتب ويتشاجر مع المتهم الثانى دون أن يتخذ إجراءات التأمين المعتادة فى مثل هذه الحالة ولعبثه بجهاز الأمان "رجل الميت" بتعطيله وفقد منفعته وجعله غير صالح للعمل، مما أدى إلى انفلات الجرار من المحاشرة والانطلاق بأقصى سرعة متجهًا إلى رصيف رقم 6، إذ كان المتهم العاشر محمود فتحى أمين مراقب برج الشمال واضعًا إبرة السقوط رقم "