الجمعة 19 أبريل 2024 03:42 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

خالد درة يكتب : بالعقل أقول ...( من يصلح الملح ..إذا الملح فسد ؟! )

الكاتب خالد درة
الكاتب خالد درة

يروى أنه تزوج بدوي فتاة من قبيلته ذات حسن وجمال وأدب وأخلاق ودين ومضى عام على زواجه ، ونشبت بينه وبين أحد أبناء عمومته مشاجرة كبيرة ، فقتله ، ورحل مع زوجته بعيداً عن القرية كما تقتضيه الأعراف القبيلية ، وتوجه إلى ديار قبيلة ثانية ، وكان صاحبنا دائم الجلوس عند شيخ القبيلة الجليل في مجلسه مثله مثل رجال القبيلة .. للسمر وتدارس مختلف الأمور ..

وفي أحد الأيام مر الشيخ الجليل من أمام بيت صاحبنا ، وشاهد زوجته فسُحِر بجمالها ، وأستولت على قلبه وعقله ، وخطرت له فكره شيطانية ، وهي أن يبعد الزوج عن البيت ، لينفرد بالزوجة ، ويقضي منها وطرا ويأخذ مغرمه .

فعاد إلى مجلسه ، وكان عامرا ً بالرجال ومن بينهم صاحبنا ، فقال للحضور علمت أن الديرة الفلانية فيها ربيع ما مثله ! وأريد أن أرسل إليها أربعة رجال ، ويتأكدون من الربيع فيها ، وأختار أربعة من الرجال ومن بينهم زوج المرأة الجميلة .

فسار الأربعة بكل طيب خاطر ، والمكان الذي ذكره هذا الشيخ يستغرق ثلاث أيام ذهاب بالفرسان وإيابهم ، وعندما أرخى الليل سدوله وأنتظر إلى أن تنام الناس ، سار إلى بيت جيرانه حيث لم يكن فيه سوى المرأه وحيدة ، وكانت نائمة ، وقبل أن يصل إرتطم في عامود بالبيت وأحدث صوتاً مرعبا ً لها ، أفاقت المرأه على الصوت .
صاحت : من بالبيت ؟!
الشيخ الجليل : أنا فلان شيخ العرب إللي أنتم نازلين عنده !
البدوية : حياك الله ! وماذا تريد يا شيخ العرب في مثل هذا الوقت ؟!

الشيخ أذهلني جمالك عندما رأيتك ، وسلبتى عقلي وقلبي مني ، وأريد قربك ووصالك !
البدوية : لا مانع عندي ! لكن بشرط ، قالت عندي لغز ، إذا حليته أكون لك كما تريد !

الشيخ : أشرطي وتشرَّطي ، وجميع شروطك مُجابة !
البدوية : حتى لا يجيف اللحم ( أي يتحول إلى جيفة ) الناس يرشون عليه الملح !
فمن يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!
ولك أن تستعين بمن تريد ، ولو شئت إستعين بچورچ قرداحي .

فإذا جئتني بالحل صرت لك كما تريد !
الشيخ : أنصفتِى ، وسآتيك بالحل في الليلة القادمة !
بعدها ذهب الشيخ إلى بيته بخفي حنين ، وأمضى ليله يفكر بحل اللغز ولم يصل إلى نتيجة ، وثاني يوم حيث كانوا الرجال جالسين في مجلسه معه .

سأل الشيخ الجليل الجالسين وبصورة مفاجأة : حتى لا يجيف اللحم ، الناس يرشّون عليه الملح !..من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!
وكل من رد من الحضور كان رده على قدر فهمه وعلمه ، فلم يقتنع الشيخ برأي واحد منهم ، وكان أحد الرجال المحنكين الدهاة أصحاب الفطنة والحكمة والعلم والأدب والدين موجودا ً في المجلس ، لكنه لم يقل شيئا ، وأنصرف جميع من في المجلس
إلا هو لم ينصرف ، فقد بقي في المجلس .
فصاح الشيخ الجليل في وجهه : أنت ما جاوبت على سؤالي !

قال له الرجل : أردت أن أكلمك على إنفراد ! فأصْل اللغز بيت من الشعر قاله أبو سفيان الثوري ، والبيت هو :

يا رجال العلم يا ملح البلد ، من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!

وإن لم يخب ظني فإنك ٌ راودت إمرأة عالية المقام في الذكاء والعلم والدين والأدب عن نفسها ، فأرادت أن تصدّك ولا تفضحك ، وأن تكسبك كأخ لها ولا تخسرك وتزيد إلى أعدائها أعداء أهلها عدوا بحجمك ومقامك ، وتحفظ بعلها إن غاب وإن حضر ، وقد قالت لك ما قالت ، وكأنها تريد أن تقول لك ولمن سمعك :

يا رجال العرب يا ملح البلد .. من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!

فهي تقصد : أن الرجل من القبيلة إذا فسد أصلحه شيخ القبيلة كما يصلح الملحُ اللحم! .. فمن إذاً يصلح الشيخ إذا الشيخ فسد ؟!...

وكأن هذه الإجابة أيقظت ضميره النائم ، وقلبه الهائم ، وعقله الظالم ، وأصابه الخجل الشديد من فعلته الشنعاء ، وملأه الندم على ما كان منه المكائد والمفاسد !
وقال : أصبت كبد الحقيقة أيها المبجل ! فاستر عليَّ زلتي سترك الله في الدنيا والآخرة !

وفى هذا يقول الشاعر : يداوى فساد اللحم بالملح ..
فكيف نداوي الملح إن فسد الملح..

وأنا أقول أيضاً :
من يصلح الولد إذا رب البيت فسد ... و من يصلح الرعية إذا الراعي فسد ... و من يصلح الجيل إذا المعلم فسد ... و من يصلح الناس إذا الحاكم فسد ؟؟
ومن .. ومن .. ومن ..!!!
فكل راعى مسؤول عن رعيته وعليه إصلاح ذات بينهم ليستقيموا وتستقيم حياتهم ...
حسبى الله ونعم الوكيل .