السبت 27 يوليو 2024 04:51 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

#الومضات

علاء عبدالعزيز يكتب : في حب فاطمه.

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز
الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز

برغم نقاوه بشرته ونظافته المثيره لنظر اهل القريه ، وميله الكبير لسماع الغناوي ، الا ان يده كانت كبيره خشنه كيد فلاح قراري، يعزق بها الارض فيأتي علي فدان ابوه زرعا قبل ان تغرب الشمس هو والشباب رفاقه ، هذا العام يختلف عن الاعوام السابقه فلقد حصل الحبوني علي وعد من اباه ، ان جني محصول القطن هذا العام سيكون ماله خالصا له لكي يتزوج بنت علي ابوحافظ الذي سبب دوام ذكرها صداعا لابيه طوال العامين المنصرمين ، وزاده الاب :
وانت وشطرتك بقي تجيب سبع قناطير تجيب ثمانيه اهو كله لك ، وحتي يضرب الاب عصفورين بحجر ويعالج الصداع الذي سببه له الابن بذكر فاطمه ،وهب ثمن زرعه فدان القطن هذا العام لابنه العازب الذي تأخر عن اخوته في الزواج بسبب حساسيته المفرطه وعواطفه الجياشه ، حتي ظفر بسب العناد في الحب بفاطمه بنت علي ابوحافظ ، ام عيون نايمه وعيون اهل البلد صاحيين، كلما قابلها عند التوته الكبيره التي تظلل طلمبه الماء والقلل القناوي تتأرجح فوق رأسها الحالم ، خفق لها قلبه و وقع بين قدميه واحس انه في عالم غير الذي فيه .
لم ينم الحبوني ليله الوعد بسلام ، وانتابه الارق يفكر في وعد ابيه ، وهل سيفوز بفاطمه ويتقدم لها بأموال القطن كهديه؟ ام سيطلب ودها ابن التفاهني الذي عقد العزم امامه قبل ان يسافر منذ عام الي احدي البلاد العربيه، بشير له بأصبعيه:
هما عامين اثنين وسأعود من بلاد الغربه وتلكم الحقيبه السوداء التي تحوي البسبور سوف تَمتلأ ريالات، كان هذا منذ عام ، وقد يعود في نهايه هذا العام فيسبقني الي دارها، لعنه الله علي التفاهني وابن التفاهني والبلد الي راح يغب منها التفاهني الريالات ، كان لابد له الان ان ينام لانه في الصباح الباكر سوف يغرس حبوب القطن في الارض الشراقي، ولكن قلقه منعه النوم ففكر في قتل الارق بالراديو الترانزستور الذي يحمله ذهابا وايابا ، يسمع الاغاني ، فتذكره بمحبوبته فاطمه فتنبش جراحه ، ولكنه يستعذب النبش كما يستعذب مريض الحساسيه هرش موضع الاحساس ، وضع اخينا "مرهف الحس" الراديو بجوار اذنه حتي يستسلم الي النوم ولكن الاغنيه التي بثتها الاذاعه للتو أججت مابه من مشاعر فزادته كلماتها اقداما عاي العمل وليس النوم وهو يريد الان ان ينام ، الاغنيه كانت للمجموعه : اختل فوق عيدانك واكبر يازرع الشراقي، ده صباحك منور يأخضر والخير في اللي ساقي،…
هذا الوقت ليس وقت تحفيز انه وقت نوم والصباح رباح، هكذا حدث الحبوني نفسه فلم يكمل سماع الاغنيه وادار عجلات الترانزستور في اتجاه الغلق ونام .
في جرابين كبيرين ، حمل الحبوني تقاوي القطن زنه العبوه في الجراب اثني عشر كيلو، ثم امتطي الحمار الذي حملهم الثلاثه الي الحقل ، الحقل يبعد عن بيت الحبوني مسيره ربع ساعه بتوقيت الحمار ، قضاها كلها في السرحان وحساب الارقام تلعب الشفاه بالتمتمه تاره واخري تُرد الي صمتها :
فدان القطن بيرمي سبع قنطار ، والقنطار بعشرون جنيها ، اذن بعد جني المحصول سوف يتوفر في جيبي مائه واربعون جنيها ، لا لا، سوف احقق منه انشاء الله مائتي جنيها كرامه لفاطمه، تري التفاهني سوف يحقق هذا المبلغ في بلاد الغربه خلال سنتين ، الله اعلم ، ولكني سوف ابذل قصاري جهدي حتي اكون جديرا بحب فاطمه.
َكانت اغاني المجموعه تتردد كثيرا في الاذاعه في هذه الاونه تحفز الفلاحين علي اتقان الزرع والقلع ، وعندما بدأ الحبوني العمل ربط الراديو الصغير علي وسطه ، وبدأ يغرس التقاوي ويخلطها بالغناوي في الارض الشراقي، في اليوم التالي سقي البذور ماء وغناوي، وبعد فتره ظهر نوار القطن فضمه بعينيه واحتضنه وكأنه يحتضن فاطمه ، ثم تولي يغطي كل نوار للحنان بكفوفه حتي لايعطب نوارا واحدا، ظهرت العيدان الخضراءفأحبها لانها تذكره بعود فاطمه البض وكما كان يسقي فاطمه الغناوي سقي التقاوي غناوي ، حتي جاء وقت الحصاد وبدل من ان يرمي الفدان سبعه قناطير من القطن طويل التيله رمي بعشر قناطير من حُب القطن طويل التيله ، وتعجبت قريه القواسم ، واصاب بيت التفاهني الاندهاش، وافتخرت الجمعيه الزراعيه به ولافضل لها عليه ، وحين سألته كيف حققت اعلي انتاجيه ؟ صمت فهم لايعترفون بالحب الذي يرفع كل شئ وينمي كل شئ، ويكسوا كل شئ بأجمل حله ، فمبالك بياض القطن الناصع، وبدلا من ان يجني الحبوني قطنا فقد جني معه الحب الذي زاد من حصيله امواله فتقدم لخطبه فاطمه وطلب من اباها اتمام العرس علي عجل قبل ان يرجع ابن التفاهني حاملا معه ريالات الغربه فيغير اباها رأيه، فمأتين من الجنيهات في اليد افضل من مئات تدنسها احوال الاغتراب فيسلم ابنته لمخبول.

علاء عبدالعزيز ومضات في حب فاطمه مقالات علاء عبدالعزيز