الأحد 8 سبتمبر 2024 07:11 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

فنون وثقافة

د.كمال يونس يكتب : وقود الفرن

دكتور كمال يونس
دكتور كمال يونس

كانت مشهورة ببخلها الشديد ، حرصها على المال، فلا يخرج من جيبها مليم إلا لغرض ضروري ، خاصة بعد وفاة زوجها ، تاركا بيتا ريفيا كبيرا ، ثلات بنات ،عشرة من الأبناء الذكور في مراحل سنية مختلفة شبابا وصبية ، كلهم يعمل في مهنة دق مواسير المياة لطلمبات البيوت والأراضي الزراعية ، الكل يعمل ، المتزوج منهم وغير المتزوج يلقي في حجرها بكل مارزقه به الله ، تقوم بالصرف على البيت والأحفاد والزوجات ، عرضت عزبة صغيرة بمبلغ من المال أحس أولادها أنها تملكه من حصيلة عملهم ، أنكرت متعللة بأن البيت الكبير المفتوح يستغرق بالكاد كل مايرزقون به ، أنى لها أن تدخر ؟!!!، إضافة إلى قيامها بتجهيز البنات لحين زواجهن ،لم يعارضوها ، لم يفاتحوها ثانية رغم ضيقهم ، و بينما هي جالسة أمام الفرن تشرف على بعض من نسوة أبنائها العشرة اللائي يشتركن في الخبيز، تخبرها ابنتها الصغيرة بحضور الأفندي ، ريفي مطربش ، لاتفارق الصحيفة يده ، أتم شهادة الإبتدائية بنجاح ، لم يكمل تعليمه لضيق ذات يد والده ، عمل كاتبا في أرشيف المحكمة ، الوحيد الذي يملك مذياعا ، المتعلم الوحيد في تلك القرية ، مصدر معلوماتهم ، الحكم بينهم فيما قد يختلفون فيه أو عليه ، سارعت لمقابلته ، شرفتنا ياحضرة الأفندي ، اللهم اجعله خيرا ،أخبروني أنك تريدنني في أمر هام ، كلمني بعض من أولادي عدة مرات بأن الرئيس جمال عبد الناصر ألغى ورقة المئة جنيها ، وطبع عملة جديدة ، كلاما لايصدقه عقل ، الأولاد يظنون أنني أملك أوراقا من فئة المئة جنيها ، وكم تعلم يا حضرة الأفندي نحن على الحميد المجيد ، نعيش مستورين ، مؤكدين علي إن كنت أملك نقودا من تلك الفئة يجب علي استبدالها من البنك ، وحددت الحكومة مهلة شهرا واحدا .
نعم والمهلة انتهت من شهر ، طلبت منه أن يكرر ماقاله ، وماذا عن الذي لديه أوراق منها ، للأسف لم تعد لها أية قيمة ، انتابتها حالة هيسترية ، ولولت ، التف حولها بناتها وزوجات أبنائها ، تدافعت داخل صحن الدار نسوة من فتيات القرية ، تستمر في الصراخ ، تهيل التراب على رأسها وعلى جسمها ، تندفع داخل الدار لحجرة نومها ، تنبش الأرض بيديها ، تخرج صرة كبيرة، تخرج مهرولة نحو الفرن ، لم تستطع النسوة أن يوقفوها، جلست أمام الفرن تصرخ ، تولول، فتحت الصرة ، أخرجت أوراقا مالية من فئة المئة جنيها بكميات كبيرة ، دفعت بها في فتحة النار ، ضاحكة في هذيان مولولة في حسرة .