دكتور رضا محمد طه يكتب : بكتريا الأمعاء...ضارة أو نافعة في نوع الطعام

يعيش في الأمعاء تريليونات من الكائنات الدقيقة يطلق عليها ميكروبيوم وأغلبها من البكتريا المفيدة والتي تنمو وتزدهر عند إتباع نظام غذائي متوازن غني بالعناصر الغذائية، بينما عند إتباع أنظمة غذائية سيئة والتي يكثر تناولها في الذين يعيشون بالمدن تتسبب في حدوث خلل في التوازن الميكروبي مما يؤدي إلى التهابات ومشاكل الهضم والانتفاخ والتعب وأمراض مزمنة ومن ثم فإن دور الأمعاء لا يقتصر على هضم وامتصاص الطعام وانما تساهم في صحة الجهاز المناعي والنفسي وتؤثر على السلوك عن طريق تحسين إشارات النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين بما تقوم به نحو 90% من بكتريا الأمعاء من تحويل الطعام إلي نواتج ايضية تلعب دوراً مهماً في صحة الخلايا العصبية والدماغ.
بجانب النظام الغذائي تؤثر العوامل الوراثية والبيئية والنشأة وكذلك طريقة، فالولادة الطبيعية تعطي فرصة تلامس جلد الطفل بجسم الأم وغيرها من التلاصق مما يمد الطفل بأنواع من الميكروبات الغير ضارة لكنها تحفز المناعة لديه والتي يفتقر إليها الاطفال المولودين قيصريا.

الأطعمة فائقة المعالجة بما فيها من مواد حافظة واضافات صناعية ومستحلبات وكذلك الوجبات السريعة ورقائق البطاطس والبسكويت والمكرونة سريعة التحضير (اندومي ) واللحوم المعلبة والمصنعة مثل الهوت دوج والنقانق وحبوب الإفطار المحلاة بالسكر والوجبات الجاهزة والمعجنات والكيك وكذلك المشروبات الغازية والعصائر الصناعية ومشروبات الطاقة والوجبات منخفضة السعرات جميعها تساهم في حدوث الالتهابات وتغيير تركيبة بكتريا الأمعاء نحو تزايد أعداد الممرضة منها مثل بكتريا الكلوستريديوم القادرة على تحويل الفينيل الانين إلي حمض فينيل اسيتيك وهذا الأخير يتراكم مع التقدم في السن ويحفز شيخوخة الخلايا، وفي سلسلة من التجارب تمكن باحثون من جامعة زيورخ لأول مرة الكشف عن دور البكتريا المعوية ومستقلباتها في التسريع من شيخوخة الأوعية الدموية مسببة أمراض القلب والأوعية الدموية بسبب دور بكتريا الكلوستريديوم في زيادة كمية حمض الفينيل اسيتيك ويؤدي ذلك إلى شيخوخة الخلايا البطانية في الأوعية الدموية ولأنها لا تتكاثر من الداخل فإنها تفرز جزيئات التهابية مسببة شيخوختها ومن ثم تصلب الأوعية الدموية وتراجع في القيام بوظائفها الطبيعية، لذلك ينبغي الحد من تناول الأطعمة والمشروبات الغنية بالفينيل الانين مثل اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان والمواد الصناعية السكرية المستخدمة في التحلية من أجل ابطاء شيخوخة الأوعية الدموية. كما يوجد نوع اخر من بكتريا الأمعاء وهي كلوستريديوم ديفيسيل والتي تنشط وتتزايد في حالة الإفراط في تناول المضادات الحيوية مسببة اسهال واعياء شديد وتفاقم حالة المريض.

في المقابل ينتج الميكروبيوم المعوي مواد مفيدة لصحة الأوعية الدموية حيث تعمل الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة مثل الأسيتات والتي تتكون جراء تخمير الألياف الغذائية والسكريات المتعددة في الأمعاء وتعمل تلك المواد كعوامل تجديد طبيعية. لذا فإن الألياف الغذائية والأطعمة ذات الخصائص المضادة للأكسدة والالتهاب تعزز"نبع الشباب " في الجسم. ومن الاختيارات الغذائية التي لها تأثير إيجابي على التنوع الميكروبي في الأمعاء على سبيل المثال تناول المزيد من الألياف ومنتجات الألبان المخمرة مثل الزبادي والملفوف المخلل والبروبيوتك والكيميتشي وغيرها ، كما يمكن تجنب خطر الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي والتحكم في الوزن عن طريق تناول الحبوب الكاملة مثل الشوفان والكينوا والأرز الأسمر والبقوليات مثل العدس والحمص والفاصوليا والفواكه مثل التفاح والموز والتوت والخضروات مثل البروكلي والجزر والخرشوف والبذور والمكسرات مثل اللوز وبذور الكتان والشيا ، اضافة الى الشيكولاتة الداكنة والشاي الاخضر وزيت الزيتون لما فيها من مواد تعزز التنوع الميكروبي في الأمعاء ومركبات البولي فينول حيث خصائصها المضادة للأكسدة.