خالد درة يكتب: بالعقل أقول…( انتقاد السامية لم يعد محرّماً في العالم .. )


في الماضي ، كان الزعماء الذين يتعرضون لهجمات من إسرائيل بمعاداة السامية ، يتجنبون الجدال مع المسؤولين الإسرائيليين .. أمّا اليوم ، فإن كثيراً من قادة العالم باتوا أكثر جرأة على الرد ، بسبب ما ترتكبه إسرائيل من فظاعات ...
مجدداً ، يلجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى توجيه الاتهامات جِزافاً للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، بمعاداة السامية ، على خلفية اعتزام بلاده الاعتراف بدولة فلسطين ، على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل .. و لم يَسلم رئيس الوزراء الأسترالي أنطوني ألبانيزي من حملات نتنياهو ، للسبب نفسه ، واصفاً إياه بأنه "سياسي ضعيف خان إسرائيل"..
و في الماضي ، كان الزعماء الذين يتعرضون لهجمات من إسرائيل بمعاداة السامية ، يتفادون الجدال مع المسؤولين الإسرائيليين .. أما اليوم ، فإن كثيراً من قادة العالم باتوا أكثر جرأة على الرد ، بسبب ما ترتكبه إسرائيل من فظاعات في غزة منذ 22 شهراً ، أسفرت عن أكثر من 62 ألف قتيل والتسبب بمجاعة من صنع الإنسان ، قَلما شهد العالم مثيلاً لها منذ عقود ..
فقادة العالم ومنظمات الإغاثة ، سواء التابعة للأمم المتحدة أو التي تعمل من خارجها ، أخرجتها الفظاعات عن صمتها ، و دفعتها إلى الخروج عن الصمت و قول الحقيقة .. و هناك منظمتان حقوقيتان إسرائيليتان هما "بتسيلم" و"أطباء من أجل حقوق الإنسان" اتهمتا إسرائيل للمرة الأولى بارتكاب إبادة في غزة ..
و رداً على الرسالة الاتهامية التي بعث بها نتنياهو إلى ماكرون مطالباً إياه بالتراجع عن قرار الاعتراف بدولة فلسطين ، أصدر قصر الإليزيه بياناً أكد فيه أن الربط بين قرار الاعتراف بدولة فلسطين و تأجيج العنف المعادي للسامية "مبني على مغالطات ، و دنيء و لن يمر من دون رد"..
و تولى وزير الداخلية الأسترالي طوني بيرك الرد على هجوم نتنياهو على ألبانيزي ، قائلاً : "إن القوة لا تقاس بعدد الأشخاص الذين يمكنكم تفجيرهم أو بعدد الأطفال الذين يمكنكم تركهم يتضورون جوعاً".. و معروف عن فرنسا أنها تضم أكبر جالية يهودية في أوروبا .. و كان ماكرون سبّاقاً إلى التنديد بهجوم "حماس" على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر 2023 .. و كان ثاني رئيس في العالم ، بعد الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن ، الذي يزور الدولة العبرية ، تضامناً ..
و بالنسبة إلى أستراليا ، في خمسينيات القرن الماضي فتحت مدينة ملبورن الواقعة في جنوب شرق البلاد ذراعيها أمام اليهود الفارين من ويلات المحرقة ، مما جعلها بالنسبة إلى مجمل عدد سكانها موطن أكبر عدد من الناجين من الهولوكوست بعد إسرائيل .. لكن كل هذا لا يغير شيئاً عند نتنياهو ، إذ يريد من قادة العالم أن ينسجوا على منوال الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، الذي يحجم عن محاسبة إسرائيل على أفعالها مهما بالغت في ارتكاباتها في غزة أو غيرها ..
و في رسالته إلى ماكرون ، أشاد نتنياهو بترامب معتبراً إياه مثالاً في "محاربة" الجرائم المعادية للسامية و"حماية اليهود الأميركيين" .. و ما يغضب نتنياهو و يجعله يوجه الاتهامات في كل الاتجاهات ، هو أن القرار المزمع لماكرون الاعتراف بدولة فلسطين ، قد شجع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر على الحذو حذوه ، لتكر بعدها السبحة ، و تشمل كندا و أوستراليا و أندورا و فنلندا و إيسلندا و إيرلندا ولوكسمبور ومالطا و نيوزيلندا و النروج والبرتغال وسان مارينو و سلوفينيا .. هذه الاعترافات من شأنها زيادة العزلة الديبلوماسية لإسرائيل عالمياً ، و تحويلها إلى دولة منبوذة ..
و نتنياهو نفسه ، هناك مذكرة توقيف في حقه من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة .. و محكمة العدل الدولية لا تزال تنظر في دعوى جنوب أفريقيا التي تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة في حق الفلسطينيين .. و هناك دول أوروبية و غربية أخرى ، أصدرت حظراً على منح الوزيرين المتطرفين إيتمار بن غفير و بتسلئيل سموتريتش تأشيرات دخول إلى أراضيها ، بسبب تحريضهما المستوطنين على ارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية ..
و هذا يدل على أن الرأي العام العالمي بات أكثر وعياً لسياسات إسرائيل و أقل أخذاً بالدعاية الإسرائيلية القائمة على أن الدفاع عن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ، و في أن يكون لهم دولتهم الخاصة بهم فوق ترابهم الوطني ، يعني مكافأة "حماس" وتشجيعاً على معاداة السامية .