على حافة الهاوية: كيف تهدد تصريحات ”ترامب” بزيادة التعريفات باندلاع حرب تجارية شاملة بين العملاقين الاقتصاديين


### **مقدمة: شرارة في برميل بارود**
عاد شبح الحرب التجارية ليخيم من جديد على العلاقات الدولية، مع تصاعد حاد في وتيرة التصريحات المثيرة للقلق بين واشنطن وبكين. ففي خطاب حملته الانتخابية الأخير، هدد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي يسعى للعودة إلى البيت الأبيض، بفرض **زيادات هائلة وجذرية في التعريفات الجمركية** على الواردات الصينية، وصفها المحللون بأنها قد تكون "الأكبر في التاريخ". لم تكن ردود الفعل الصينية بطيئة أو خجولة، حيث حذرت بكين بشكل قاطع من أن مثل هذه الإجراءات ستؤدي إلى "ردود فعل مضادة فورية وحازمة"، مما يضع الاقتصاد العالمي على حافة منحدر خطير من التصعيد غير المسبوق، في مشهد يذكر بالحرب التجارية الضارية بين البلدين خلال الفترة من 2018 إلى 2020، ولكن مع مخاوف من أن تكون هذه المرة أكثر ضراوة وتدميرًا.
### **التفاصيل الأساسية: طبيعة التهديد والتحذير**
1. **التهديد الأمريكي:**
* المصدر: صادر عن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، المرشح الجمهوري المحتمل للانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024.
* المضمون: التلميح بفرض **زيادات تعريفية هائلة** على جميع البضائع الصينية، تتجاوز بكثير تلك التي فرضت في فترته الرئاسية السابقة والتي وصلت إلى 25% على سلع بقيمة 370 مليار دولار.
* السياق: جاءت هذه التصريحات في إطار خطاب حملته الانتخابية، مستغلاً المشاعر القومية والشكاوى الأمريكية من العجز التجاري المستمر مع الصين.
2. **التحذير الصيني:**
* المصدر: عبرت عنه وسائل الإعلام الرسمية الصينية ومسؤولون حكوميون بشكل غير مباشر.
* المضمون: وصف التهديدات الأمريكية بأنها "غير مسؤولة" و"مضرة بالاقتصاد العالمي". أكدت الصين على استعدادها الكامل لاتخاذ **"جميع الإجراءات اللازمة"** لحماية مصالحها الاقتصادية والتجارية العادلة.
* السياق: يمثل هذا الرد النمط الثابت للدبلوماسية الصينية، الذي يجمع بين التحذير الحازم والدعوة إلى الحوار، لكنه يحمل في طياته تلميحًا قويًا بإمكانية اللجوء إلى إجراءات انتقامية تشمل قطاعات أمريكية حيوية.
### **التحليل الموسع: الأبعاد الاقتصادية والجيوسياسية للتصعيد**
**1. دوافع التصعيد الأمريكي: أبعد من الميزان التجاري**
لا يمكن فهم التهديدات الأمريكية بمعزل عن الإستراتيجية الأوسع للتنافس مع الصين، والتي تمثل الأولوية القصوى للإجماع الحزبي في واشنطن. الدوافع متشابكة:
* **المنافسة الجيوسياسية:** استخدام الاقتصاد كسلاح لإبطاء النمو الصيني المطرد والحفاظ على الهيمنة الأمريكية العالمية.
* **الخطاب الانتخابي الداخلي:** توجيه رسالة إلى الناخبين في الولايات الصناعية (مثل أوهايو وبنسلفانيا) بأن ترامب جاد في "إعادة الوظائف من الصين"، وهو وعد حملته الأساسي.
* **معالجة العجز التجاري:** على الرغم من أن العديد من الاقتصاديين يشككون في فعالية التعريفات في حل هذه المشكلة الهيكلية، إلا أنها تبقى أداة ظاهرية قوية.
**2. الاستعداد الصيني للمواجهة: اقتصاد مرن وأدوات انتقامية**
تعلمت الصين دروسًا قاسية من الجولة التجارية السابقة، وهي اليوم في وضع أفضل للمواجهة:
* **تنويع الأسواق:** عززت الصين علاقاتها التجارية مع دول ASEAN (رابطة دول جنوب شرق آسيا)، والاتحاد الأوروبي، وأمريكا اللاتينية، مما يقلل من اعتمادها المطلق على السوق الأمريكية.
* **الاكتفاء الذاتي والتقدم التكنولوجي:** ركزت بكين على مبادرة "الصين تصنع 2025" لتقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية، خاصة في أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية.
* **أسلحة الردع:** تمتلك الصين أوراقًا قوية يمكنها استخدامها للانتقام، مثل فرض قيود على صادرات **"المعادن الأرضية النادرة"** التي تعتبر حيوية لصناعات الإلكترونيات والطاقة المتجددة الأمريكية، أو الت瞄准 الشركات الأمريكية الكبرى العاملة في السوق الصينية الضخمة مثل "أبل" و"تسلا" و"نايكي".
**3. تداعيات الكارثة المحتملة على الاقتصاد العالمي:**
اندلاع حرب تجارية شاملة لن يكون نزاعًا ثنائيًا، بل将是زلزالًا اقتصاديًا عالميًا:
* **موجة تضخمية عاتية:** ستؤدي الزيادات التعريفية إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع الاستهلاكية في أمريكا، مما يزيد من معاناة المواطنين الأمريكيين ويقوض جهود الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) في مكافحة التضخم. كما سترتفع تكاليف الإنتاج عالميًا.
* **تباطؤ النمو العالمي:** ستهبط التجارة الدولية، وهي شريان الحياة للاقتصاد العالمي، مما قد يدفع بالعديد من الاقتصادات الهشة إلى الركود، وخاصة الاقتصادات المرتبطة بسلسلة التوريد الصينية مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية.
* **اضطراب أسواق المال:** ستشهد الأسواق المالية globally تقلبات حادة وهبوطًا، مع هروب المستثمرين إلى الملاذات الآمنة، مما يؤثر على مدخرات الملايين ومعاشاتهم.
* **تفتيت النظام التجاري الدولي:** ستمثل هذه الضربة القاضية لمنظمة التجارة العالمية (WTO)، التي تسعى لإقامة نظام تجاري قائم على القواعد، لتحل محله الفوضى و"قانون الغاب" حيث تفرض كل دولة تعريفاتها وفقًا لمصالحها الضيقة.
### **سيناريوهات المستقبل: من حافة الهاوية إلى طريق غير مؤكد**
* **السيناريو الأسوأ (حرب شاملة):** في حال فوز ترامب وتنفيذ تهديداته، ورد الصين بالانتقام، ندخل في نفق مظلم من التصعيد المتلاحق، مع تداعيات لا يمكن احتواؤها.
* **سيناريو الاحتواء (المفاوضات):** قد تفتح التهديدات الباب أمام جولة جديدة من المفاوضات، حيث تستخدم كأداة ضغط للتوصل إلى اتفاق "مرحلة ثانية" يحقق مكاسب للطرفين، وإن كان ذلك صعبًا في الظروف الحالية.
* **سياسة حافة الهاوية:** قد يستمر الوضع على ما هو عليه: تصريحات مثيرة تليها مفاوضات هامشية، في لعبة استعراض قوى مستمرة دون انزلاق كامل إلى حرب شاملة، ولكن مع استمرار مناخ عدم اليقين الذي يسمم مناخ الأعمال العالمي.
### **الخاتمة: العالم يراقب بقلق**
ما يحدث بين واشنطن وبكين هو أكثر من مجرد نزاع تجاري؛ إنه اختبار حاسم لمستقبل النظام الدولي. إنه صراع بين نموذجين للقيادة: أحادي القطب يقوم على الهيمنة مقابل تعددية الأقطاب تقوم على التعايش التنافسي. التصعيد الحالي ليس لعبة صفرية يخسر فيها طرف ويربح الآخر، بل هو موقف سينتج عنه خسائر فادحة للجميع. الاقتصاد العالمي المترابط لم يعد يحتمل منطق "الفائز يأخذ كل شيء". القرارات التي ستتخذ في الأشهر القادمة في واشنطن وبكين لن تحدد فقط مصير علاقات البلدين، بل ستشكل ملامح الازدهار والاستقرار الاقتصادي لكل دولة على وجه الكرة الأرضية لسنوات قادمة. العالم، حرفيًا، يراقب ويحتسب.