الثلاثاء 2 ديسمبر 2025 03:50 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

عصام بيومي يكتب : عفوا، إنها ليست مُزحة.. وليُبتكن آذان الإنسان!

الكاتب الكبير عصام بيومي
الكاتب الكبير عصام بيومي

عن الهوية مرة أخرى.
هذه المرة عن محو الهوية. عن تجريد الإنسان من هويته، وجعله مجرد أرقام، على طريقة التعامل مع الحيوانات أو المساجين، الذين يُذكرون بأرقام وليس بأسماء. عن الهوية الرقمية التي إنْ فُرضت ونُفذت معها مُدن الـ 15 دقيقة، التي تسمى "سجن المجال الجغرافي"(Geofencing)، ستنطبق حرفيا فكرة "البينوبتيكون" (السجن الدائري التي شرحتها سابقا).
قبل فترة أعلن ستارمر بريطانيا فرض "الهوية الرقمية" بطريقة ملتوية. كيف؟ قال إنه لن يُسمح لأي فرد أن يعمل إلا بالهوية الرقمية، وبالطبع، لا حياة بلا عمل. في كندا تصدر قوانين متتالية تؤدي للنتيجة نفسها. تمتنع المتاجر عن قبول النقود وتُلزم المشترين بالدفع بكروت الائتمان أي العملة الرقمية، وتلك هي الهوية الرقمية بطريقة أخرى. في أمريكا يتم الأمر بطريقة أخبث من خلال ما يسمى "الهوية الحقيقية" و"المحافظ الرقمية" التي تروجها شركات مثل "جوجل"، و"آبل". هذه تشمل هويتك الشخصية وجواز سفرك، وتعفيك من حمل الوثائق الورقية. هي تُقدم الآن كاختيار، كوسيلة للتسهيل والراحة، لكنها لاحقا ستصبح إجبارية. والحكومات لا تخفي نيتها لذلك بالفعل.
السؤال الآن: لماذا يتحرك العالم، وتحديدا الغرب كله، في نفس الاتجاه؟ وبالتزامُن؟ هل الأمر مجرد مصادفة أم أنه مخطط، وينفذ بدقة وإصرار؟
لم يعد هناك مجال للشك في أن ما يحدث مخطط قديم، يُنفذ بذرائع كاذبة ومشكلات مصطنعة، أخبثها ما يسمونه مشكلة التصدي للهجرة غير الشرعية. فهم صنعوها، وتحت عباءَتها الواسعة الممتدة من أوروبا إلى الأمريكتين إلى استراليا، تنفذ شركات الذكاء الصناعي، ومعها "بالانتير" و"أوراكل"، وأغلبها تابعة للسي أي إيه والموساد، برامج الناس حتى في نومهم، مثلما تنبأت رواية "1984".
يقول المثل "الحدأة لا تلقي بالكتاكيت". وكذلك أعداء الإنسانية، الذين يمارسون دور الآلهة، ويقررون مستقبل البشر ومصائرهم. وأثبتت التجارب أن كل قانون أو سياسة سميت مجانية، أو للتسهيل، لم تكن لفائدة الشعوب، إلا مرحليا. وكانت جميعها تسير في طريق واحد؛ هو السيطرة التامة على البشر؛ سيطرة السيد على العبيد، وليس الحاكم على المحكوم، (شرحت سابقا كيف فسد العقد الاجتماعي منذ زمن طويل) وصولا إلى الهوية الرقمية. مثلا، ما تسمى سياسات التكافل الاجتماعي والرفاهية أو ما يعرف في الغرب بـ" ويلفير"- طبّقتها الحكومات الغربية قبل عقود لأهداف عدة. كانت سابقا لتحفيز الاستهلاك ودفع الاقتصاد. والآن، باتت من أهم خطط أجندة 2030 المعلنة! وتسعى الفاشية العالمية الجديدة (تحالف المال والسلطة) لتعميمها علانية تحت مسميات منها التنمية المستدامة، لإتمام السيطرة على البشر.
هنا حالة عملية توضح أن الخطة قديمة وتنفذ بلا انقطاع بغض النظر عن تغير الحكومات والسياسات: ريتشارد كلوارد وفرانسيس بيفن زوجان أمريكيان تخصصا في علم الاجتماع والعلوم السياسية. شرحا ذلك، من خلال ما سُمي "استراتيجية كلوارد-بيفن". أوضحا في مقال بمجلة "ذا نيشن" 1966، أن نظام الرعاية الاجتماعية صُمم أساسا لقمع الاضطرابات المدنية وإخضاع الفقراء، وليس للقضاء على الفقر. والهدف الدائم هو إثقال كاهل الحكومات، وإبقاء المجتمعات قائمة على عدم المساواة. وهذا يحول تلقائيا دون تحقيق العدالة المجتمعية ويجعل نطاق الاستعباد يتسع تدريجيا ليشمل الجميع، ويبرر الهويات الرقمية التي ستتحكم في مقدار إنفاقنا، وأين ننفق، وكم نأكل، وأين نأكل، وأين نعيش، ضمن نظام الائتمان الاجتماعي أو "النقاط العقابية".
نفس الطريقة تُستخدم اليوم في العالم الغربي لإسقاط الغرب برمته. والإغلاق الحكومي الأمريكي الأخير، الذي تضرر منه ملايين المستضعفين، نموذج للانهيار القادم، الذي سيكون حجة لفرض الهوية الرقمية والعملة الرقمية، بحسب منظمات رسمية وحقوقية، منها "اتحاد الحريات المدنية" و"الخصوصية الدولية".

يقول نيك بهاتيا البروفيسور والخبير المالي في كتاب بعنوان "طبقات المال"، 2025: "منذ الإمبراطورية الرومانية، استمدت أنظمة الحكم سلطتها وقوتها ليس فقط من السلاح، بل من سيطرتها على سك العملات". آنذاك كان التحكم في المال يتطلب جهوداً كبيرة لطبعه أو سكه ثم حفظه ونقله. الآن، في العصر الرقمي، سيتم التحكم في أموال العالم بضغطة زر، بحسب بهاتيا، الذي يرى أن المال الرقمي سيكون وسيلة سيطرة لدى الحكومات والبنوك المركزية أكثر منه مالا حقيقيا. وعندما يكون المال كله رقميا، لن تستطيع الناس استخدامه إلا بالهوية الرقمية، وبضغطة زر أيضا سيمكن محوه.

هل يعني ذالك أن الأمل مفقود؟ ليس بعد. فقد تشكلت جماعات وحركات رفض وعصيان مدني في أكثر من بلد منها بريطانيا وأمريكا، مثل حركة "مقاومة النظام العالمي الجديد". كما أعلنت ولايات مثل مونتانا وفلوريدا رفضها الهوية الرقمية. وأول الرفض هو الوعي. لذلك أحسب أنه يجب أخذ الأمر بجدية، واعتباره خطرا حقيقيا وليس مزحة.. ففي ظل تلك الهوية الرقمية ستكون محتاجا لإذن أو تصريح في كل شيء تفعله. وأخشى أن يصبح أخْذ نَفَسِكَ بتصريح. وهذه أيضا ليست مزحة. ففي كندا الآن محاولات لتخصيص المياه، وربما يتبعها الهواء. بل أخشى أن يصل الأمر إلى أن يُبتِّكوا آذان الإنسان، بعدما بتَّكوا بالفعل آذان الأنعام، انصياعا لأوامر الشيطان، كما ورد في التفسير!
)يُبتك: يشق الأذن، يقطعها، أو يعلمها بعلامة) وهذه بدورها ليست مزحة. فعندما تصبح لك هوية رقمية لن تختلف بالنسبة للنظام عن أي "شيء" آخر "كمي"، وأحسب أن تلك ستكون مرحلة "السايبورج" التي شرحناها سابقا، أو "ما بعد الإنسان". عندها سيمكنهم أن يحذفونا من الحياة كما يحذفون حسابات الفيسبوك وإكس ويوتيوب. ختاما، الشعار السائد في الغرب الآن هو "إذا اخترت الهوية الرقمية فسيكون ذلك خيارك الأخير"!

[email protected]

عفوا إنها ليست مُزحة.. وليُبتكن آذان الإنسان! عصام بيومي الجارديان المصرية