الجمعة 19 أبريل 2024 12:22 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

حوارات

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يحاور الدكتورة شمس راغب الأستاذة بالجامعة الإسلامية بأمريكا للحديث عن اللغة العربية في عيدها العالمي

الدكتورة شمس راغب
الدكتورة شمس راغب

لو تأملنا النظر في قول الحق في محكم التنزيل { إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } يوسف الآية ٢ ، وقوله تعالي { وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا } طه الآية١١٣
وقوله عز من قائل { نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون
من المنذرين بلسان عربي مبين } الشعراء الآيات ١٩٣،
١٩٥ .وقوله تعالي :- { كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون } فصلت الآية ٣ .وقوله تعالى { إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } الزخرف الآية ٣
لعرفنا قيمة وأهمية اللغة العربية التي اختصها الله سبحانه ، لتكون لغة كتابه الخالد ، ولما لا وهي لغة واسعة مطواعة ، هيء لها من قوة الحياة مالم يهيأ لكثير من اللغات .أليس من آيات القوة أنها عمرت مالم تعمره لغة أخري غيرها ؟ وأنها إذا قيست الآن باللغات الحية وجدناها أمضي عمرا وأطول في في التاريخ القديم مدي ، ولقد لقيت خطوبا وأحداثا وتغلبت عليها .ولقد دخلت علي لغات فنسختها أو دخلت عليها لغات اخري فما زحزحتها ! أليس ذلك دليلا علي قوة الحياة ؟وقوة الحياة في اللغة أنها أخذت وأعطت ، وأنها أخذت من اللغات واستكثرت ، وأنها حين أخذت كانت تقد ما أخذت في قدودها ، وتزييه بزيها وتهضمه ، فإذا هو منها ، ويفني ما أخذت ، وتبقي هي حية قوية بما أخذت .
وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية يسعد الجرديان استضافة الدكتورة شمس راغب عثمان ، أستاذ الأدب والنقد كلية الآداب- الجامعة الإسلامية - ولاية منيسوتا أمريكا
للحديث عن اللغة العربية في يوم عيدها العالمي .

# كلمينا عن اللغة العربية ؟

اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ومعجزة الله الكبرى
في كتابه المجيد ، ولقد حمل العرب الإسلام إلى العالم ،
وحملوا معه لغة القرآن العربية ، واستعربت شعوب غرب
آسيا وشمال إفريقية بالإسلام فتركت لغاتها الأولى وآثرت
لغة القرآن ، أي أن حبهم للإسلام هو الذي عربهم ، فهجروا
دينا إلى دين وتركوا لغة إلى أخرى .
فكم هي جميلة لغتنا العربية ، لقد ميزنا الله - تعالى- حينما
جعل لغتنا هي لغة أفضل الكتب على الإطلاق كتاب الله المحكم ، القرآن الكريم .

# أين تقع اللغة العربية بين لغات العالم أجمع ؟

اللغة العربية أم اللغات الأخرى ، فهي واحدة من أقدم
اللغات التي مازالت تتمتع بخصائصها من ألفاظ وتراكيب ونحو وأدب وخيال ، مع الاستطاعة في التعبير عن مدارك
العلوم المختلفة.ونظرا لتمام القاموس العربي وكمال الصرف
والنحو فإنها تعد أم مجموعة من اللغات تعرف باللغات الأعرابية ، أي التي نشأت في شبه جزيرة العرب ، أو العربيات
من حميرية وبابلية وآرامية وعبرية وحبشية أو الساميات
في الاصطلاح الغربي ، وهو مصطلح عنصري يعود إلى أبناء نوح الثلاثة .. سام وحام ويافث .

# ما فضلها وما مكانتها ؟

لغة أية أمة من الأمم ،هي هويتها التي إليها تنسب وحضارتها
التي تفخر بها ، وعلى قدر حفاظها عليها واتقانها لها يكون قدرها بين الأمم ، وعن مكانتها فهي أشرف لغات الأرض قدرافهي لغة القرآن بقوله تعالى { إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون } . وهي أيضا لغة السنة النبوية المطهرة والرباط الوثيق الذي يربط بين أبناء الأمة رغم اختلاف لهجاتهم وأعراقهم ، وهي
اللغة التي لاتعرف العجز ولاينتابها القصور لوفرة مترادفاتها
كما أنها تستوعب كل جديد تبسط باعها لاستقبال كل حديث
فكان حريا بأبنائها أن يعضوا عليها بالنواجز ، وفي إنزال القرآن عربيا من أعلى المراتب العليا ، ويكفينا فخرا وتيها إخبار الخالق - عز وجل - أنه انزله عربيا في سياق التمدح والثناء على الكتاب . وفي دليل آخر للعقاد يقول ..

{ إذا قيس اللسان العربي بمقاييس علم الألسنة فليس في
اللغات لغة أوفى منها بشروط اللغة في ألفاظها وقواعدها
ويحق لنا أن نعتبرها أوفى اللغات جميعا بمقياس بسيط واضح لا خلاف عليه ، وهو مقياس جهاز النطق فى الإنسان
فإن اللغة العربية تستخدم هذا الجهاز على أتم وجه ولاتهمل
وظيفة واحدة منه ، كما حدث ذلك في أكثر الأبجديات
اللغوية ، فلا التباس في حرف من حروفها بين مخرجين من
مخارجها ، وقد تشاركها اللغات الأخرى في بعض هذه المزايا
ولكنها لاتجمعها كما جمعتها ولا تفوقها في واحد منها } . ويقول د .سردار : { لم تبق اللغة العربية لغة قوم فقط بل تجاوزت حتى صارت لغة أمة بكل أقوامها . صارت لغة أمة الإسلام وذلك بفضل القرآن الكريم حيث تطورت اللغة العربية تطورا عظيما بعد نزول القرآن الكريم ، حيث نزل القرآن الكريم بهذ اللغة فزين حروفها بمعانيه وجعلها لغة سماوية . وبعد أن كانت لغة حبيسة الصحراء والبادية أصبحت لغة الحضارة والعلم
وهي اللغة الوحيدة التي خدمها غير أهلها أكثر من أهلها .
فنجد فطاحل أو كبار علماء النحو والصرف والبلاغة والأدب
من الأعاجم . كل ذلك بفضل القرآن .
إضافة إلى أن جميع الدراسات اللغوية أثبتت أن سبب نشأة اللغة العربية ونموها واتساعها هو القرآن الكريم قبل غيره ، فلولاه لما أقبل الآلاف من البشر على قراءة تلك اللغة
ودراستها } .
ومن الشواهد الواردة في السنة النبوية قول النبي - صلى
الله عليه وسلم - { أعربوا الكلام كي تعربوا القرآن } وقوله
في حديث عمر { رحم الله امرءا أصلح من لسانه } ولذلك
قال بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لو اني أعلم أني إذا سافرت أربعين ليلة أعرب آية من كتاب الله لفعلت - وروي أيضا عن عمر بن الخطاب أنه قال { تعلموا العربية فهي تزين العقل وتزيد المروءة } كما انه كتب إلى أبي موسى الأشعري أن يأمرهم قبله بتعلم اللغة العربية فإنها تدل على صواب الكلام .

# ما أصلها ؟

لا يستطيع المؤرخون أن يجزموا برأي قاطع أو يأخذوا بدليل
علمي يبينون به الأصل اللغوي الذي تشعبت منه اللغة العربية
وأخواتها السامية التي تنسب إلى أب تاريخي مجهول ..
وغاية ماتوصل إليه الباحثون أن اللغة العربية هي إحدى
اللغات أطلق عليها العالم - شولتز - اسم اللغات السامية .

# ومتي أنشأت؟

نشأت اللغة العربية كما نشأت سائر اللغات التي عرفتها أمم
العرب ، ومن طريق الإشارة ومحاكاة أصوات الطبيعة والحيوان ثم عملت فيها عوامل النحو والتطور حتى نضجت
واكتملت .وقد تعرض لغويو الغرب الأقدمون إلى نشأة اللغة العربية وافترقوا في ذلك إلى مذهبين ..
أولهما .. يقول أن اللغة العربية توفيق وإلهام من الله ، ولأصحاب هذا المذهب أدلة يحتجون بها قوله تعالى { وعلم
آدم الأسماء كلها } فالأسماء عندهم معناها اللغة . ومنها قوله
تعالى أيضا ..{ ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف
ألسنتكم وألوانكم } .
والمذهب الثاني يقول .. إن اللغة العربية اصطلاح وتواطؤ وفي كتاب الخصائص لابن جني كلام بهذا الصدد، غير أن
أكثر أهل النظر ، على أن أصل اللغة هو تواطؤ واصطلاح روحي ، وتوفيق ذلك بأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعدا فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء والمعلومات فيضعوا لكل
واحد منها سمة ولفظا إذا ذكر عرف به مسماه ليمتاز عن
غيره وليستغنى بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين ، إلا أن
ابن جني كان متأرجحا بين القول بالتوقيف والقول بالاصطلاح وفي ثنايا كلامه يشير إلى أن ثمة رأي ثالث يتفق مع أقوال علماء اللغات اليوم .
حين ذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعة كدوي الريح وحنين الرعد ونزيب الظبي ، ونحو ذلك ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد وقد استحسن -ابن جني - هذا الرأي وصوبه .

# ما معني القول بأن اللغة العربية لغة حية ؟

هذه اللغة التي كرمها الله بقرآنه أثبتت أنها حية باقية ومن علامات حياة اللغة العربية استمرار نموها وتطورها ،
فقد اتسع صدرها لكثير من الألفاظ الفارسية والهندية واليونانية وغيرها من اللغات ، وفي القرون الوسطى كانت
المؤلفات العربية في الفلسفة والطب والرياضيات مراجع تفيد بها لدى الأوربيين ، وكانت اللغة العربية أداة التفكير ونشرالثقافة فى الأندلس التي أشرقت منها الحضارة العربية على أوربا فبددت ظلمات جهالتها ودفعتها للتطور والنهوض .

# ماذا عن اللغة العربية في العصور الحديثة ؟

في العصور الحديثة تهيأت للغة العربية عوامل جديدة للنمو والتطور فقد ارتقت الصحافة وانتشر التعليم ونشطت
حركة الترجمة وأنشئت المجامع اللغوية في العواصم العربية
الكبرى وتعددت الجامعات كل هذا ساعد على تطور اللغة العربية ونهوضها ، وهي اليوم اللغة الرسمية في جميع الأقطار العربية كما أنها لغة التعليم في جميع الجامعات
والمدارس بمختلف مستوياتها .
فمن حق هذه اللغة علينا أن نخلص لها ونعني بتعليمها لأطفالنا وشبابنا ، وأن نتعهدها بالدراسة ونتعرف على مايكتنفها من صعاب ونسعى لتذليلها ونضع الأساليب الحديثة لتعليمها كسائر اللغات الحية الحديثة

# هل لغتنا في أزمة ؟

للأسف نعم في أزمة ، أزمة لم تتعرض لمثلها منذ ابتليت هي وأهلها بتسلط التتار علي العراق ، والصليبيين علي الشام ،والفرنج علي الأندلس ، والترك علي مصر ، فلو أنها استكانت لهذا التسلط فانحلت إلي لهجاتها العامية ولحقت بأخواتها السامية لما كان ذلك بدعا من القول ولا حدثا في التاريخ ؛ ولكنها بقيت في خلال تلك الحقب السود جزءا من حقيقة الإسلام تحيا في كتابه ، وتنتشر في كتبه وتدرس في معاهده .أما الأزمة التي نأخذ بكظمها اليوم فهي نصيبها والملك في أيدي أهلها مستقر ، وكان منطق الأشياء يقضي بأن تنهض العربية بنهوض العروبة ، وتتجدد بتجدد الإسلام ، وتزدهر بازدهار الحضارة ، ولكنها وقفت وقفة الجسم القاصر بين قوتين متضادتين :قوة تجذبه إلي الوراء وقوة تجذبه إلي الأمام ، حتي انتهي به الجذب من هنا ومن هنا إلي تمزق فجمد بعضه في أيدي فريق ، وماع بعضه في أيدي فريق .وهذان الفريقان اللذان أزما هذه الأزمة هما : شيوخها الذين يتعبدون بقديمها عن تعصب ، وشبابها الذين ينصرفون في جديدها عن جهالة .

# وهل ساهم الإعلام في تفاقم تلك الأزمة ولو بنصيب قل أو كثر ؟

لاشك في ذلك ، خصوصا وأن الإعلام هو الآخر عندما داهمته أزمة مماثلة لما داهمت اللغة ، عندما جلس علي كراسي القيادة شباب أتاهم الله الإستعداد ولم يؤتهم العدة ، وأخذوا يقودون الرأي ويوجهون الأدب ويروضون الأذواق علي تفاهة العامية ، فلما اعياهم البيان ثاروا علي الفصحي المنيعة المدرك ،ثورة الثعلب علي العنقود البعيد المنال ، ودعوا إلى إطلاق الحرية للكاتب، فيكتب كما يكتب :لا يتقيد بقاعدة من نحو ، ولا قياس من صرف ،ولا نظام من بلاغة ؛ ليجعلوا الفوضي نظاما والخطأ مذهبا ، دعوا إلي العامية لأنها أسهل لا لأنها أفضل ؛ فإن تحصيلها لا يحتاج إلي مدرس ولامعلم ، وانما يحتاج إلي بواب وشارع واستماع .
وشر مافي الأمر أنهم يكثرون والكتاب الأصلاء يقلون ، وعما قريب أو بعيد ينخفض مستوي الأدب حتي يبلغه الكسيح ويناله القزم ويتزعمه الجاهل ، ويومئذ يستساغ التفه ويؤلف السخف ، وتصبح الفصحي هي الغريبة والأدب الرفيع هو المنكر !

# هل هناك أمل في تفريج هذه الأزمة ؟

نأمل ذلك ، ولن يكون ذلك إلا بالتوسط بين التزمت الجامد والإباحية المائعة قوام من اللغة المعتدلة .نصوغ ألفاظها علي الأوضاع التي تقتضيها حال الحضارة ، وتشكل أساليبها علي الصور التي يرتضيها ذوق العصر ، وتنظر الي النحو والصرف علي أنهما قواعد للغة واحدة ، ولهجة واحدة ، فيقتصر منهما علي القواعد الثابتة التي تحفظ هذه اللغة وتقوم هذه اللهجة