السبت 27 يوليو 2024 04:21 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. ريهام نبيل حفناوي تكتب : سر الكلمات

د. ريهام نبيل حفناوي
د. ريهام نبيل حفناوي

الكلمة عهد ... الكلمة ميثاق ... هذه كلمة طيبة ... وتلك خبيثة ... كلمات تسعدنا وأخرى سبب في تعاستنا ... كلمة تصنع يومنا وأخرى تقتل السعادة في قلوبنا ... للكلمات أنواع ولكل نوع أثر في القلب ... فمنها من يُحيي القلوب ومنها من يوئده ... قالها لقمان الحكيم: "إن من الكلام ما هو أشد من الحجر، وأنفذ من وخز الإبر، وأمر من الصبر، وأحر من الجمر، وإن من القلوب مزارع، فازرع فيها الكلمة الطيبة، فإن لم تنبت كلها ينبت بعضها".

أصبحنا في زمان صعب ... أيامه ثقال ولياليه تحمل لنا زلازل وأعاصير وفيضانات ... العالم فاض بأفعالنا وانصاع لأوامر خالقه، فبات يحمل لنا كل ليلة برقية تحذير وترهيب ... نحمد الله أننا لا زلنا نتنعم بنعيم الرحمن، ونتذوق حلاوة الأمان رغم قسوة الأيام، ولكن العبرة لمن يعتبر نجاة.

في ظل ضغوط الحياة وما نراه من آثار واضحة لها على وجوه البشر ... نشعر أكثر بقيمة الكلمة الطيبة ... أنها نعمة يحبو الله بها من أحبه ﴿وَهُدوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ وَهُدوا إِلى صِراطِ الحَميدِ﴾ بالكلم الطيب تضاء القلوب وتهون الصعاب وتقوى العقول على العقبات ... فلا تستهينوا بسحر الكلمات.

وللكلمات طاقات أحيانا إيجابية وأحيانا أخرى سلبية مدمرة ... كلا منا لا ينسَ أشخاصاً مروا في حياتنا وزرعوا في قلبونا نبته خير أصلها ثابت وفرعها في السماء ... وأناس مرروا واقتلعوا قلوبنا جرّاء كلمة خبيثة لا جذور لها في الأرض، ولكن غايتها جهنم وبئس المهاد.

ودليل على وقع الكلمات في القلوب، أوصانا الله بحسن الكلام ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾. وعندما نتتبع سيرة الأنبياء نتعلم منها أن الله سخر لهم الكلمات الطيبة ليهدوا القلوب ويقنعوا العقول ... هي لغة أصحاب القلوب السليمة ووسيلتهم للوصول لجنات عرضها السماوات والأرض.

الكلمات الطيبة تفتح أبواب القلوب وتنشر طاقات السعادة وتيسر كل ما هو صعب ... تبني جسور من الحب والمودة بين القلوب وتصلح وعرات الطريق وتبدل الجمرات بنسمات صيف معطرة بروائح الزهور، الكلمة الطيبة صدقة ينتفع بها صاحبها كما يتذوق جمالها من يسمعها، أما الكلمة الخبيثة فهي سمّ يتجرعه قائلها قبل أن يسقيه لغيره ... تخرج من عتمة القلوب كجمرات جهنم تنشر الدمار وتفسد العلاقات ... سفير لإبليس الخبيث وجنود للشيطان الرجيم.

ومن الجدير بالذكر هنا أن كثيراً من التجارب في مشارق الأرض ومغاربها أجريت قديما وحديثا عن أثر الكلمة الطيبة على النبات والحيوان قبل أن نسمع قصصها في عالم الإنسان ... ويمكن أن نُتهم بأننا سلكنا مسلك الجنون عندما ننقل قصة زهرة عاشت لأكثر من المتوقع بأيام وأيام فقط لأن زارعها كان يلقي عليها الصباح السكر كل طلوع شمس وينعتها بأجمل الصفات ... وأخرى ماتت في التو والحين إثر سماع كلمات أهانتها ... بالكلم الطيب تروض الفهاد الشرسة والأسود القاسية والثعابين السامة ... تنصاع الأٌضحية وتستسلم لذابحها فقط عندما نتلي عليها اسم الله الأكبر ... وهناك تجربة أخرى تؤكد صفاء بلورات الماء واختلافها عندما يتلى عليها كلام الله ... وكيف أنّ الله امرنا أن نحصن أنفسنا بكلمات، ونهزم الشيطان بكلمات، ونحرق أعوان إبليس بكلمات ... فالكلمة الطيبة تُطمئن القلوب وتنقل المريض من عالم اليأس لينابيع الأمل، تُخمد حرائق خلافات وتصل ما قُطع من أرحام، تُهدأ نفوس وتُنجي قلوب، تُهون علينا رحلتنا في الحياة وتنشط هرمونات السعادة في القلوب ... تقتل الكراهية وتحي الحب ... تحول الصحراء لأراضي خضراء.

وعلى النقيض كم من حروب اندلعت بسبب كلمة، وكم من علاقات وأرحام قُطعت بكلمة، وكم من بيوت هُجرت بكلمة، وكم من قلوب ماتت بسبب كلمة ... كم مره تجرعنا الألم جرّاء كلمة ... لو تتبعنا آثار الكلمات الخبيثة وما تصنعه في قلوب البشر لفضّلنا أن نصمت دهرا حتى نتعلم الكلام.

وننتهي هنا بأن للكلمات أسراراً فهي ليست أحرف مبهمة مرصوصة بعشوائية ...بل سبحان من أبدعها وأوصانا بالحذر في استخدامها، للكلمة قوة سحرية ... كلمة طيبة ... بذور الخير ... تثمر خير ... صدقات تطيب بها أوجاع القلوب. وكلمة خبيثة ... أسلحة فاقت في قوتها الكلاشنكوف تنفذ للقلوب لتنال منها ... فلا تتركوا القلوب تدمى مِن فعل كلمة قاتلة نافذه فمثل هذه الجراح لا تُضمّد مهما مر عليها الزمان ... حتى لو التأم الجرح ستبقى الندبات.