السبت 27 يوليو 2024 04:13 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

فنون وثقافة

قصة من المجموعه القصصيه علي مرمي قبله للأديبة إخلاص فرنسيس

الأديبة إخلاص فرنسيس
الأديبة إخلاص فرنسيس

كانت ليلةً ماطرة، هل تذكرين سألها وهو يداعب يديها في راحة يديه، ويرفعهما حيناً، يقبّلهما، يتأمّلهما، يريد أن يتأكّد أنّهما تنامان في يديه. أجابت: وكيف لي أن أنسى؟ كانت ليلةً ماطرة، وكنّا كلانا على حدة، وفي ذات الوقت كان يجمعنا المطر. قطرة العشق المنهمرة تغمرنا من هامة الرأس الى أخمص القدم، بين الجموع نجلس، لكنّنا وحدنا، توحّدنا في ذات الروح العلوية التي فتحت أبواب السماء لتمطرَ احتفاءً بنا، المطر، السهر، الموسيقا الصاخبة، والبشر، كلّها كانت تحتفل في هذا اللقاء، لقاء الجبابرة، جبابرة العشق والجنون. ضحك طويلا، وبحركة آلية أخذها في حضنه، ضمّها بكلّ ما فيه من شوق، وقال: كانت ليلة فُتحتْ كوى القدر على روحي، وكنت أنت الغيث المنهمر والسعادة المطلقة، اعترضته قائلة: هل ما زلت تحتفظ بذلك المعطف الذي دثّرتني به كي تقيني العاصفة؟ وكأنك تسألين: إن كنت خلعت كياني ورميته، بالتأكيد يا عبيطة، ضحكت، وقالت: كان المطر حجّتنا وحجّنا، وكانت العاصفةُ سبب هروبنا من عيون الآخرين.
ركضت إليّ لا أنسى مثل عصفورة بلل المطر أجنحتها، وأنت فتحت معطفك وواريتني في حضن قلبك، أجل أردتك أن تدخلي أعماقي، أن ألامس ذاتك من الداخل، أن أقف على معالم هذه الروح كالريح العاتية، وكان أن اقتلعتِني من جذوري، وغرستِني على تلك الشرفة في تلك الليلة الماطرة، وهناك سجلني - يا جميلتي- انتصارك، وعرفت أني تحت حصارك، ولذّ لي استسلامي.
أنت تحت حصاري يا هذا، كفّ عن الدعابة، فتحت معطفك لم يكن معطفك، بل كان كيانك وروحك، وأنا "عصفورة الشجن" بلّلها الحنين، وكسرت أعاصير الشوق أجنحتها، وتاهت في خضمّ العاصفة روحها، وارتجف كيانها، وتهاويت على صدرك ميناء الأمان، ظللتني بين ذراعيك، وفي تلك اللحظة أدركني الموت والحياة، وعرفت أنك الموعود لي، وأنك الوعد، عندما لامست يدك يدي بعد سنين، هذا عددها من تلاقي الروح بالروح عرفت أن هذه اليد التي ترتجف عند ملامسة يدك ما كانت تلك الارتعاشة إلا ارتعاشة اليقظة، وهناك في تلك اللحظة تمت ولادتي من جديد، السماء في مخاض، والأرض تئنّ تحت انهمار البرد، والشجر من حولنا يصرخ، وتتشابك الأغصان، وتعزف مع الريح أغنية السرمد ، وأنا وتر في حضن صدرك، أنعم بعزف أناملك، تحوطنا هالة من العشق الفريد، لم أعِ عندها الأشياء، لكني أدركت ذاتي حين غمرتني، وأدركت ماهية الوجود في مينائك، اصرخي أيتها الطبيعة ، واسكبي جام غضبك، و يا أيها البحر الهائج لم أعد أبالي بصخبك، لأن صخب روحي هدأ الآن، فأنا على مرمى قبلة منه ، وفي متناول أحضانه، لحظات وكأنها دهر تعمّد فيها طفل عشقنا بنار الحبّ المقدسة، وبخور الصنوبر، قمّطتنا الطبيعة بسحابة ماطرة أخفتنا عن عيون البشر، وكنت أنا وليدة صدرك، أستشعر فيك الخفيات، وتكتشف مني المستور سمفونية عشق فكّت ختوم تلك الليلة الممطرة. هل عرفت الآن لماذا أعشق المطر؟ ابتسم، وأخذ غيتاره في حضنه، وبدأ يداعبه، وهي تنام على كتفه محمولة على أذرع نغمات صوته الشجيّ مرنّما لها ترانيم أفروديت، لأنها بك تليق يا آلهة العشق، يا سيدة قلبي المطلق، ويا عزف روحي في زمن أصمّ.

ee47b44c31d3.jpg