الجمعة 13 سبتمبر 2024 03:38 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتورة سلوى سليمان تكتب : بين العقل الجمعي والعقل الواعي (1(

دكتورة سلوى سليمان
دكتورة سلوى سليمان

العقل ميزة إلهيه للانسان عن باقي المخلوقات فقد وهبه الله إياها كي يتدبر ويتعرف العالم من حوله . وقد حباه به كي يكون له دليلاً ومرشداً وهادياً ، إلا أن هذا العقل قد يتعرض للمؤثرات الخارجية والبرمجة الفكرية، والعالم الموجه والتربية المتحيزة والتي تجعل العقل الفردي يسير وفق العقل الجمعي؛ مما يجعله يفقد التفكير الجيد وينساق وراء الجميع كالقطيع فيحيد عن الطريق سالكاً إلى حيث يعجز الإنسان عن التفكير الجيد فيما يتعلق به من أمور .

ويطالعنا أينشتاين بمقولته :" إذا سِرْتَ معَ القَطِيع سَتَصِلُ إِلَى حَيْثُ يَقُودُكَ القَطِيعُ.. وَإِذَا سِرْتَ وَحْدَكَ سَتَذْهَبُ إِلَى أَبْعَدِ مَدَى تُرِيدُهُ أنْتَ"
بمعنى أننا نتبنى رأياً تجاه قضية أو شائعة ما أو نصدر رد فعل حيال موقف أو ظاهرة لأنه رأي الجماعة أو الغالبية من الناس بالرغم من أن الكثرة ليست مقياساً للصواب، ولكن الحاصل أن التصورات الفردية تتكاثف بفعل عوامل عدة لتشكل عقلاً جمعياً خارجاً عن ارادة الأفراد ينصاعون له دون أدنى تفكير يقيد عقولهم ويتحول إلى الزام لهم؛ مما يتحول بهم إلى ظاهرة إجتماعية يعجزون بين طياتها عن الانفراد بأفكارهم ومواقفهم وقراراتهم تحت وازع أن سلوكيات الجماعة هى الصحيحة والجديرة بالاتباع.

وبالأحرى أن نعي أن لعقل الجمعي لا يتكون فجأة ولكنه نتاج تراكمات تاريخية للعادات والتقاليد والأعراف والعمل بين ثنايا الرواسب الثقافة العتيقة والأحداث والتجارب التي مر بها المجتمع والخبرات المتوارثة ، ناهيك عن الإعلام الموجه الذي يساهم بقدر كبير في ترسيخ فكرة العقل الجمعي من خلال ما يقدمه من مضامين عبر وسائلة المختلفة التقليدية والحديثة ، كما يمكن أن يقوم بدور عكسي تماماً ،والأمر متوقف على أجندة السياسة الاعلامية التي ينضوي الاعلام تحتها ، وللنظام السياسي والاقتصادي المتبع توجه واضح في الإبقاء على العقل الجمعي، وعدم التأثير فيه، وتجدر الإشارة إلى أن العامل الديني من أهم العوامل التي لها دور كبير في تركيبة العقل الجمعي للمجتمعات، وذلك باعتبار الدين عنصرًا مهمًّا في المنظومة الثقافية والأخلاقية التي تتكئ عليها هذه المجتمعات.

في مقابل ذلك يبرز العقل الفردي الواقف بمفرده بمعزل عن رأي الجماعة وهذا العقل إما أن يبقى صامتاً حيادياً مخافة ما قد يلحقه من تبعات غير محمودة تطاله شخصياً من قبل الجماعة الكبرى وإما أن يغامر بإبداء رأيه عما يعتقده من أفكار وقيم ويتحمل في سبيل ذلك الهجوم الصادم من قبل رأي الجماعة .

ومما لا شك فيه أن قضية العقل الجمعي والعقل الفردي والاختلافات فيما بينهما وحاجة الإنسان إلى تكوين آرائه واتجاهاته وكياناته الشخصية الخاصة به من دون أن يقع في خانة العقل الجمعي المنساق وراء آراء الجماعة الكبرى أو كما يسميه بعض الكتاب والمفكرين بـ «عقل القطيع» أو سياسة القطيع التي تسوق وراءها آراء الجزء في الكل وكأن الجميع منساق خلف رأي، أساسه فرد كبر حتى صار مثل كرة الثلج تسحق ما يعترضها من آراء.

في الحقيقة كثير من الوقت قد استهلك في نقد وتفنيد هذه المسألة والعديد من الآراء والأقوال والخطب والنظريات والكتب قد كتبت لتوضيح الفرق بين العقلين والكثير من التجارب العملية والعلمية قد أجريت على الأشخاص، لتوضيح ما التبس على العامة والخاصة في هذه المسألة. إلا أن هذا الموضوع لا يفتأ أن يطل برأسه عقب كل نقاش أو تجمهر أو فعل ورد فعل يخلف وراءه اختلافا في الآراء والأهواء والأمزجة حين تحاول بعض الأصوات حشد مناصرين لها فيما تدعو إليه واستمالة عقول وقلوب أكبر قدر ممكن من الأتباع يقفون باستماته مدافعين عن قضيتهم التي يؤمنون بها.


وفعليا كثير مما يفرضه علينا العقل الجمعي من أفكار واتجاهات لا نجد لها في كثير من الأحيان تفسيرًا مقنعًا، وهذا يحدث بشكل دائم في ظل ما نشاهده خلال الحراك اليومي، سواء في الحياة الواقعية أو الافتراضية في مجال الرياضة، في الموضة، في الأكل ونمط الحياة، وفي العادات والتقاليد، ويجد الفرد نفسه إما مع الجماعة ورأيها لأنه يعتقد أنها دائمًا على حق، وأن رأيها هو الرأي الصحيح، أو أنه لا يتفق مع تلك الأفكار والاتجاهات، ويكون أمامه أحد خيارين، أما أن يتخذ موقف الصمت تجنبًا لاضطهاد الجماعة وخوفـًا من العزلة الاجتماعية، وربما النبذ ، وبالتالي إذا كان يؤمن بآراء مخالفة لرأي الغالبية في المجتمع، فإنه يحجب رأيه الشخصي، ويكون أقل رغبة في التحدث عن هذه الآراء مع الآخرين فيصمت، (وبذلك يكون السكوت في هذه الحالة علامة الرفض لا القبول)، أو أنه يتصرف بشكل أكثر إيجابية ويبدأ في محاولة بناء العقل الواعي وتقديم البديل ومواجهة الأفكار والاتجاهات المعيقة لحركة المجتمع بسبب تأثير العقل الجمعي.. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن أين نحن من هذه المواقف الثلاثة: بين الانصياع التام للعقل الجمعي أو الصمت أو بناء العقل الواعي!!!؟؟

دكتورة سلوى سليمان مقالات الدكتورة سلوى سليمان بين العقل الجمعي والعقل الواعي