السيناريست عماد النشار يكتب : كيف لمقاومة مثخنة ومدينة مدمرة أن تخرج مشهد الأسرى بكل هذا الإبهار؟


في زمن الانكسار والخسارات، حين تبدو المدن المدمرة شواهد على القهر والعجز، وحين يظن المحتل أنه أحكم قبضته على شعب أعزل، تفاجئ المقاومة الفلسطينية الجميع بإبداع يضاهي أعظم الإنجازات العسكرية، كما حدث في مشهد تسليم الأسرى، الذي أربك العدو وأبهر الصديق قبل العدو.
من الطبيعي أن يطرح الكثيرون سؤالًا منطقيًا: كيف لمقاومة مثخنة بالجراح، تعمل من بين أنقاض مدينة مدمرة، أن تنفذ عملية بهذا الإتقان والإبهار؟ الإجابة تكمن في مزيج فريد من التخطيط المحكم، والإبداع المتجدد، والإرادة التي لا تنكسر.
أولًا: التخطيط المحكم
تعتمد المقاومة الفلسطينية على استراتيجيات عسكرية مدروسة بعناية فائقة. خلف الكواليس، هناك عقول تفكر، وعيون تراقب، وأيادٍ تخطط دون أن تكل. العمل السري المحكم يجعل كل عملية مقاومة تحمل عنصر المفاجأة الذي يربك العدو، ويؤكد أن المقاومة رغم الجراح، تظل صاحبة المبادرة.
لكن مشهد تسليم الأسرى لم يكن مجرد حدث عسكري، بل كان رسالة متعددة الأبعاد، تحمل دلالات استراتيجية بعيدة المدى. ففي كل لحظة من لحظات تسليم الأسرى، كانت المقاومة تسلط الضوء على رسائل حاسمة أرادت إيصالها للعالم أجمع:
ثانيًا: رسائل المقاومة من مشهد تسليم الأسرى
1. الكرامة والعدالة
تسليم الأسرى كان بمثابة إعلان قوي أن قضية الأسرى ليست مجرد ورقة ضغط أو ملف تفاوضي، بل هي قضية كرامة وعدالة. الأسرى الفلسطينيون لم يكونوا مجرد أرقام في سجلات المعتقلات، بل هم رموز للمقاومة والصمود، وتحريرهم كان رسالة تبرز أن المقاومة لا تساوم على كرامة أبنائها.
2. القدرة على فرض الإرادة
في ظل هذا المشهد، أظهرت المقاومة أنها قادرة على فرض إرادتها حتى على أقوى الأنظمة الأمنية في المنطقة. هذه القدرة على تحرير الأسرى وإنهاء معاناتهم بطرق غير تقليدية هي تعبير عن التفوق الاستراتيجي، ورمز لقوة الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال.
3. إرسال رسالة للأسرى والمجتمع الدولي
تحرير الأسرى لم يكن مجرد تحرير جسدي، بل كان تحريرًا معنويًا أيضًا. رسالتها للأسرى هي: "أنتم لستم وحدكم، ونحن لن نتخلى عنكم." وللمجتمع الدولي كانت الرسالة واضحة: إذا كان هناك من يعتقد أن الاحتلال سيظل يتمكن من فرض قبضته على شعبنا، فها هي المقاومة تبعث برسائلها بأن الشعب الفلسطيني لا يزال يمتلك القدرة على تغيير المعادلات.
4. تعزيز معنويات الشعب الفلسطيني
في وقت تتوالى فيه المحن على الشعب الفلسطيني، يأتي مشهد الأسرى كأحد أكبر مصادر الأمل. تحرير الأسرى من قبضة الاحتلال هو انتصار معنوي قوي يعزز من صمود الشعب الفلسطيني، ويشعل جذوة النضال في نفوس الأجيال القادمة.
5. التأكيد على وحدة الهدف
تسليم الأسرى في هذا السياق هو بمثابة تأكيد على وحدة الهدف الوطني. رغم اختلاف التوجهات والأيديولوجيات داخل الفصائل الفلسطينية، يبقى الهدف الأسمى هو الحرية والاستقلال، ومشهد الأسرى يمثل تجسيدًا عمليًا لهذا الهدف الواحد المشترك.
ثالثًا: الإبداع في ظل الندرة
رغم الحصار وشح الموارد، تبتكر المقاومة حلولًا تتحدى المنطق. التكنولوجيا التي تبدو بدائية تصبح سلاحًا فتاكًا في يد من يُحسن استخدامها. إنها عبقرية تحويل المستحيل إلى ممكن، وتوظيف الإمكانيات المتاحة لتجاوز التفوق العسكري الإسرائيلي.
رابعًا: روح الصمود والإيمان
ما يميز المقاومة الفلسطينية ليس فقط سلاحها أو خططها، بل إرادة المقاومين وإيمانهم العميق بعدالة قضيتهم. هذه الروح هي ما يجعلهم يقفون في وجه أعتى آلة عسكرية في المنطقة بثقة وشجاعة.
خامسًا: العمل الجماعي المنظم
المقاومة لا تعمل عشوائيًا. هناك تنسيق دقيق وتنظيم محكم يضمن سرية العمليات ونجاحها. هذا العمل الجماعي يظهر أن المقاومة ليست مجرد رد فعل على عدوان، بل هي حركة واعية تهدف إلى تحقيق أهداف محددة بدقة.
إن مشهد تسليم الأسرى الأخير ليس مجرد لحظة من اللحظات العسكرية، بل هو شهادة على قدرة المقاومة الفلسطينية على التفوق، الإبداع، وتقديم رسائل معنوية استراتيجية. إنه تذكير للعالم بأن الفلسطينيين، رغم كل المحن، ما زالوا يقاومون بعزيمة لا تلين. فبينما تسقط الأنقاض، تشرق روح المقاومة من جديد، مجسدة في كل عملية، وفي كل أسير يعود إلى أحضان وطنه.
ختامًا
في غزَّة، حيث تختلط الحياة بالموت، وحيث تبدو المدينة المدمرة شهادة على الظلم، تخرج المقاومة لتكتب قصة جديدة من البطولة والإبداع. إنها رسالة للعالم بأن شعبًا كهذا، مهما اشتد عليه الحصار، لن ينهزم، وسيظل يحمل شعلة الحرية رغم كل الظروف.