الجمعة 9 مايو 2025 11:17 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور علاء الحمزاوى يكتب : إنَّ ما أتخوَّف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه:

دكتور علاء الحمزاوى
دكتور علاء الحمزاوى

ــ المؤمن مطالَب بتدبر القرآن لمعرفة معانيه ومقاصده، قال الله: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}، وقال: ابن مسعود «مَن أراد العلم فلْيُثوِّر القرآن؛ فإن فيه علم الأولين والآخِرين»، والتثوير هو التقليب ومنه قول الله: {وَأَثَارُوا الْأَرْضَ} أي قلَّبوها بالحَرث والزراعة، والمراد بتثوير القرآن التدبُّر والنظر والبحث والمناقشة والمُدارسة، وذمَّ الله الذين لا يتدبرونه بأن قلوبهم مغلَقة مظلِمة، فقال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، ولما تـلا النبي هذه الآية قال شاب: بل عليها أقفالها يا رسول الله حتى يفتحها الله! فلفت انتباه عمر، وظل عالقا في ذهنه حتى تولى الخلافة فاستعان بذلك الشاب، وهذه فطنة الحاكم، يستعين بأهل الفكر وإن كانوا شبابا.
ــ والأسوأ من إغلاق القلوب الإعراض عن القرآن، فذلك يؤدي إلى عمَى البصر في الآخرة، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى}، ولا يعني هذا أن كل الكافرين يعيشون في ضنك، بل الرافضون للإيمان بالله بعد إبلاغهم، وأسوأ منهما كراهة القرآن، فهي إحباط لثواب العمل الصالح، قال ربُّنا: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}، لكنهم يُثابون عليها في الدنيا، وذلك من عدل الله، {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}.
ــ والأسوأ مما سبق تحريف المعنى القرآني تبعا للهوى؛ لأن صاحبه ضالٌّ مُضلٌّ، ينطبق عليه قول الله: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}؛ لأنه يبدِّل المعنى المراد من النص حسب هــواه، وهو يعتمد على أوهام في ذهنه، والوهم شـرٌّ من الجهل، فالجاهل يطلب العلم ليُزيلَ جهله، والواهم يرى أن المعنى واضح لا يحتاج إلى بيان، ويقوده الوهم إلى إطلاق أحكام قد تضر به أو تضر بالمجتمع، وأحد مقاصد الإسلام الكبرى تحقيق مصالح المجتمع؛ فحيثما توجد المصلحة فثم شرع الله.
ــ وهنا يتبين المغزى من عنوان الخطبة «إنَّ ما أتخوَّف عليكم رجلٌ آتاه اللهُ القرآنَ فغيّر معناه»، فهو مستنبَط من حديث «إنَّ ما أَتَخوَّفُ عليكم رجلٌ قَــرَأ القرآنَ حتى إذا رُئِيَتْ بَهْجتُه عليه وكان رِدْئًا للإِسلام غَيَّرَه إلى ما شاء الله، فانْسَلَخَ مِنْه ونَبَذَه وراءَ ظَهْرِه، وسَعَى على جاره بالسَّيف ورمَاه بالشِّرك، فقال حذيفة: أيُّهما أوْلى بالشِّرك المَرْمِي أم الرَّامي؟ قال: بل الرَّامي»، وبهجته: حُسْنه، ردئا: عونا، انسلخ: تركه، نبذه: ألقاه، والمعنى أن أكثر ما يتخوف منه النبي رجل قـرأ القرآن ورأى الناسُ عليه نور القرآن وحُسْنه وأثره الطيب، وكان عونا للإسلام والمسلمين، ثم تبدَّل فحرَّف في القرآن أو غيَّر المعنى المراد منه، واتهم جاره بالشرك فقتله، وهو الأحـق بالشرك!
ــ وتحريف المعنى القرآني حسب الهوى ظاهرة قديمة، فقد رُوي أن قدامة بن مظعون شرب خمرا فسَكِر؛ فلما علم الخليفة عُمر استدعاه وقال له: يا قدامة إني جالدُك، فقال: والله لو شربتُ كما يقال ما كان لك أن تجلدني! قال عمر: ولِمَ؟ قال: لأن الله يقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، فقال عمر: إنك أخطأتَ التأويل يا قدامة؛ إذا اتقيتَ اللهَ اجتنبتَ ما حرَّم اللهُ؛ فالله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ومن مظاهر تغيير المعنى القرآني القول بالحرية الدينية المطلقة اعتمادا على قول الله {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}، وليس الأمر كذلك، فالله هنا يأمر النبي أن يقول للناس: ما جئتكم به هو الحق، وأنتم أحرار في اتخاذ القرار على أن يتحمل كل منكم نتيجة قراره، فليست الحرية مطلقة، إنما مقيدة بنتيجتها ثوابا وعقابا، فالخطاب تحذير وتهديد وترغيب وتبشير؛ والدليل {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا .. إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا}، فلا يجوز استخدام هذه الآية في رفع شعار "الحرية المطلقة للاعتقاد".
ــ ومن تحريف المعنى القرآني القول بأن المسجد الأقصى هو مسجد بالجِعْرَانة خارج مكة، وتجاهل هؤلاء أن (الأقصى) في آية {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} اسم عَلَم، في حين أن (الأقصى) في الجعرانة صفة للمسجد الأبعد، وكان فيها مسجدان: أدنى وأقصى، وهو الذي أحرمَ منه النبي للعمرة الثالثة 8ه كما ذكر الواقدي في المغازي.
ــ ومن تحريف المعنى القرآني القول بأن فرعون مات مسلما اعتمادا على قوله: {آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، فهذا الواهم اقتطع النص من سياقه، ولم يربط بين النصوص؛ يقول ربنا: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}؛ لذا لم يقل بهذا المفسرون، ومن تحريف المعنى ترديد دعاء {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} على أنه دعاء خير وبركة، فالصحيح أنه دعاء شعيب على قومه بالعذاب والهلاك لما كذَّبوه وسخروا منه، فالفتح بمعنى الحكم والقضاء بين الحق والباطل، فاستجاب الله له {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}، فلا يدعُ به المسلم لأحد؛ لأن السياق مختلف.