شبراوى خاطر يكتب : تعليم ”علم التفكير” من المهد إلى اللحد


الكثيرين من الناس يعلمون مقولة الفيلسوف الفرنسي "رينيه ديكارت" ١٥٩٦-١٦٥٠ والذي يعتبر أبو الفلسفة الحديثة، وواحد من أهم الشخصيات الرئيسية في تاريخ الثورة العلمية والثقافية التي شكّلت العالم الذي نعيش فيه الآن والمعروف بمقولته الشهيرة خلال القرن السابع عشر: "أنا أفكر، إذن أنا موجود"
ولكن المتابع لتطور التاريخ الإنساني، يكتشف بما لا يدعو مجالاً للشك بأن أول ارهاصات الدعوة للتفكير قد جاءت قبل ذلك بعشرة قرون، وبالتحديد في صحراء الجزيرة العربية، عندما نزل الروح الأمين بقرآن يُتلى إلى يوم الدين على رسول الإسلام والمسلمين في الكثير من الآيات، على سبيل المثال:
ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿١٧٦ الأعراف﴾
كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٢٤ يونس﴾
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٣ الرعد﴾
يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿١١ النحل﴾
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٤٤ النحل)
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٢١ الروم﴾
وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٢١ الحشر﴾
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿١٩١ آل عمران﴾
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم ۗ مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ﴿٨ الروم﴾
قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴿٤٦ سبإ﴾
هذا غير العديد من الآيات الأخرى التي تتناول أهمية التفقّه والعلم والتذكّر. وكلها تحتاج إلى إعمال الفكر والتفكير.
ونعود هنا إلى أن جوهر التطور الحضاري للبشرية قديماً وحديثاً لم يكن ليحدث لولا الاهتمام بملكة التفكير، والذي وصفه الخبراء والمفكرون بأنه أساس النجاح في كل شيء، من الدراسة إلى الأعمال إلى القيادة إلى العلاقات الشخصية وكل شيء آخر، وقد يكون ذلك على صورة تفكيرًا متخفيًا في صورة حدس أو قيم جيدة أو اتخاذ قرار أو حل مشكلات أو إبداع، كل هذا يحتاج إلى التفكير.
المفاجأة هي أن الأساليب الأساسية للتفكير بوضوح وبابتكار وفعالية أكبر تعتبر متشابهة جوهريًا في جميع مجالات الحياة: في المدرسة، في الأعمال، في الفنون، في الحياة الشخصية، في الرياضة، في كل شيء. المفاجأة الأخرى هي أن أساليب التفكير الفعال هذه قابلة للوصف والتدريس والتعلم. إنها ليست غامضة لدرجة أن العباقرة فقط هم من يتقنونها. يمكننا جميعًا تعلمها واستخدامها، وهذا ما تتناوله هذه المقالة.
وكما قال صاحب العقل الأيقوني للتفكير العالم "ألبرت أينشتاين" وأكد على قدرة تعلم مهارات التفكير عندما وصف نفسه بقوله:
"أعلم يقينًا أنني لا أمتلك موهبةً خاصة. لكن الفضول والهوس والمثابرة الدؤوبة، إلى جانب النقد الذاتي، هي التي أوصلتني إلى أفكاري."
لذا هناك اعتقادٌ عجيبٌ بأنّ الطلابَ المتفوقينَ يُولَدونَ مفكرينَ متألقينَ يُنتجونَ أفكارًا عبقريةً بسحرٍ ساحر: فالطالبُ المتفوقُ يتفوقُ في الامتحان؛ وتوماس إديسون يخترعُ المصباحَ الكهربائيَّ؛ والأخوانِ رايت يُحلِّقانِ في السماء بأول طائرة؛ وج. ك. رولينغ تؤلف سلسلة روايات هاري بوتر؛ أو رالف لورين يُلفتُ الأنظارَ بإبتكاراته على منصاتِ عروض الأزياء؛ أو أن ألبرت أينشتاين يُداعبُ شعرَه ليتساقطُ منها نظرية النسبية. و أبو عَبد الله مُحَمَّد بن مُوسَى الخَوارِزمي والذي نعيش في عصر يتغذى على ابتكاره لعلم "اللووغاريتمات" في عصرنا الحالي
ولعصور عديدة مقبلة .
يُمكنُنا جميعًا أن نُعجَبَ بهذه الرؤى الخياليةِ لقفزاتِ العبقرية، لكن لا ينبغي أن نُخدعَ ونُصدِّقَ أنها حقيقة. الطلابُ المتفوقون والمُبتكرونَ المتألقون يُحققون انتصاراتهم الخاصةَ من خلالِ ممارسةِ عاداتِ التفكيرِ التي تقودُهم حتمًا خطوةً بخطوةٍ إلى أعمالٍ عظيمة. لا توجدُ قفزاتٌ مُتضمنةٌ - فبعضُ استراتيجياتِ التفكيرِ الأساسيةِ يُمكنُ أن تُؤديَ إلى التعلُّمِ والفهمِ والابتكارِ الفعال. والأهمُّ من ذلك، أنتَ أنتَ نفسكَ تستطيعُ إتقانَ وتطبيقَ هذه الاستراتيجيات.
أما بعد...لماذا اعتبر هذا الموضوع بأنه "قضية حياة" حيث اعتاد الناس أن يأخذوا بأفكار غيرهم بدلاً من تكبد عناء التفكير، وقد يحدث أن يفكر المرء لنفسه ولكن عادة ما يكون ذلك في المسائل الصغيرة فقط. ولكن الأزمة تكمن في أن كثيراً ما يضطر المرء لقبول أفكار الآخرين لمجرد أنه لا يعرف كيف يفكر لنفسه.
لذلك فأنا أنادي بأن تعليم "التفكير" لابد أن يكون المنهج الأساسي في نظام التعليم في كل مراحله ومن المهد إلى اللحد كما يقولون.