سماح السيد تكتب: (المتسلقون وسارِقو النجاح)


في عالم الطبيعة، نرى "اللبلاب المتسلق"، نبات لا يستطيع النمو قائماً بنفسه، بل يبحث دائماً عن ساقٍ صلبة يتسلقها، ليعلو عليها ويخفيها خلف أوراقه المتشابكة. لا يمتلك هذا النبات الجذر القوي ولا الساق المتينة، لكنه ماهر في الالتفاف والتعلق والاعتماد على غيره ليصل إلى النور. ومثل هذا النبات، هناك في عالم البشر من اختاروا طريق التسلق على أكتاف الآخرين، متسترين برداء الاجتهاد، بينما في الحقيقة لا يملكون من الجهد إلا القدرة على التلون والانتهاز.
المتسلقون لا يصنعون النجاح، بل يترقبونه عند غيرهم. لا يعملون للنجاح، وإنما يراقبون ليغتنموا الفرص تَراهم في كل مجال، من الوظيفة إلى الفن، من السياسة إلى الإعلام، يتحركون بهدوء، يُجيدون المديح في العلن والطعن في الخفاء، يلبسون أقنعة الزمالة والعمل الجماعي، ولكنهم في لحظة الحقيقة لا يترددون في نسب الجهود لأنفسهم، وسرقة الأضواء من أصحابها الحقيقين
النجاح بالنسبة لهم ليس رحلة تعب وسهر، بل فرصة ركوب موجة وتسلق علي نجاح الآخرين. يتقنون الصعود على أكتاف الموهوبين، ويزاحمونهم في لحظة التتويج، ثم يختفون عند أول اختبار حقيقي يكشف فراغهم.
المجتمعات التي تسمح بهؤلاء وتحتفي بهم، تُفرغ النجاح من قيمته، وتُحبط المجتهدين، وتزرع الشك في النفوس. لذلك، من المهم أن يُكافأ كل صاحب جهد بقدر ما قدم، وأن يُكشف كل متسلق قبل أن يغتال نجاح وتعب آخرين ويطفئ نور الحالمين.
وكم شهدنا في صفحات التاريخ وفي حاضرنا القريب والبعيد، من سرقات فكرية وعلمية وفنية، سُرقت فيها النظريات والاكتشافات واللوحات والألحان، نُسبت زورًا لغير أصحابها، رغم أنها كانت ثمرة سنين من الكفاح والسهر والبحث المضني.
كم من عالم مات مغمورًا بينما سرق أفكاره آخرون، وكم من فنان أُطفئت أضواؤه ليضيء بها غيره! هذا الانحطاط الأخلاقي والفكري لا يسيء فقط إلى من سُرقت جهودهم، بل ينسف قيمة الإبداع نفسها، ويجعل من السرقة طريقًا مختصرًا للنجاح الزائف.
إلى متى سنظل نعيش في هذا الوهم؟ إلى متى سنمجد المتسلقين ونتجاهل الجذور الحقيقية التي أنبتت الفكرة، واليد التي سقت الإبداع؟
إن النجاح الحقيقي لا يُستعار، ولا يُسرق، ولا يُستجدى. هو ثمرة تعب وجهد وإيمان داخلي. النجاح مسؤوليّة وأمانة،
ارتقوا في أخلاقكم، ولا تكونوا كـ"اللبلاب"، ذلك النبات الذي لا يملك من مقومات النمو شيئًا، فيتسلق ساق غيره ليظهر، بينما يخنقه في الخفاء. كونوا جذورًا لا طفيليات، واصنعوا نجاحكم لا على أنقاض الآخرين، بل بأيديكم وضمائركم.