محمد الشافعى يكتب : تمويل السد الإثيوبي...تناقض أمريكي وتحدٍ للأمن المائي المصري


أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضجة كبيرة بتصريحاته الأخيرة حول سد النهضة الإثيوبي، حيث اعترف بأن الولايات المتحدة هي من موّلت بناء السد ووصف هذا القرار بأنه "غبي"، مؤكداً أن بلاده تعمل الآن على حل الخلاف الناشئ عن هذا المشروع .. وأضاف ترامب في تصريحاته خلال لقائه مع الأمين العام لحلف الناتو: "لو كنت مكان مصر فسأرغب في وجود المياه في نهر النيل"، معترفاً بحق مصر الطبيعي في المياه كمصدر للحياة .
التناقض التاريخي في السياسة الأمريكية
** رفض تمويل السد العالي المصري
يعود التناقض في الموقف الأمريكي إلى عام 1956 عندما رفضت الولايات المتحدة والبنك الدولي تمويل بناء السد العالي في مصر، على الرغم من أن هذا المشروع لم يكن ليسبب ضرراً لأي من دول المنبع بما في ذلك إثيوبيا. .واجهت مصر آنذاك معارضة غربية شديدة، ما دفع الرئيس جمال عبد الناصر إلى تأميم قناة السويس لتمويل السد العالي من مواردها الذاتية، وهو ما أدى إلى العدوان الثلاثي عليها .
** تمويل السد الإثيوبي الضار بمصالح مصر
في تناقض صارخ، قامت الولايات المتحدة بتمويل سد النهضة الإثيوبي الذي يشكل تهديداً وجودياً للأمن المائي المصري.. وكما أشار ترامب نفسه، فإن هذا السد "أدى إلى وقف تدفق المياه إلى ما يعرف بنهر النيل"، مما يهدد حياة أكثر من 100 مليون مصري يعتمدون على النيل كمصدر أساسي للمياه .
** الأبعاد الجيوسياسية لتمويل السد الإثيوبي ..الصراع على النفوذ في أفريقيا
تشير التحليلات إلى أن تمويل السد الإثيوبي جاء في إطار الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين على النفوذ في أفريقيا .. فبينما كانت الصين تقدم قروضاً ميسرة لدول أفريقية دون شروط معقدة، سعت الولايات المتحدة لمواجهة هذا النفوذ الصيني المتنامي من خلال تمويل مشاريع كبرى مثل سد النهضة .
الدور الإسرائيلي
تكشف الوثائق التاريخية عن اهتمام إسرائيل المبكر بمياه النيل، حيث كانت تخطط منذ بدايات المشروع الصهيوني للسيطرة على مصادر المياه في المنطقة. وقد عبرت رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة جولدا مائير عن هذا الطموح بقولها إن التحالف مع تركيا وإثيوبيا يعني أن أكبر نهرين في المنطقة (النيل والفرات) سيكونان في قبضة إسرائيل .
موقف مصر
رحب الرئيس عبد الفتاح السيسي بتصريحات ترامب، معتبراً أنها تعكس "جدية الولايات المتحدة في بذل الجهود لتسوية النزاعات".. وأكد الرئيس السيسي ثقة مصر في قدرة ترامب على حل المشاكل المعقدة، مشيداً بتركيزه على أهمية التوصل إلى اتفاق عادل يحفظ مصالح جميع الأطراف .
** فهل تصريحات الرئيس ترامب مجرد محاولة لإلهاء مصر عن القضايا الإقليمية الجارية ؟
التحديات الحالية والمستقبلية .. استمرار المماطلة الإثيوبية
رغم الجهود الدبلوماسية، تواصل إثيوبيا سياسة الأمر الواقع بإكمال بناء وملء السد دون اتفاق مع دول المصب.. وقد أعلنت مؤخراً عزمها دعوة مصر والسودان لحضور احتفال بمناسبة بدء التشغيل الرسمي للسد في سبتمبر المقبل، دون تقديم ضمانات كافية لحماية الحقوق المائية المصرية .
هناك مخاوف أمنية مائية
تواجه مصر وضعاً مائياً حرجاً، حيث انخفض نصيب الفرد من المياه إلى أقل من 500 متر مكعب سنوياً، مما يضعها تحت خط "الندرة المطلقة" للمياه وفق معايير الأمم المتحدة. ويشكل سد النهضة تهديداً مباشراً لهذا الوضع الهش .
أسئلة تبحث عن إجابات
تظل التساؤلات حول الدوافع الحقيقية وراء التمويل الأمريكي للسد الإثيوبي قائمة، خاصة في ظل التناقض الصارخ مع الموقف الأمريكي السابق من السد العالي. فبينما رفضت واشنطن تمويل مشروع مصري لا يضر بمصالح الآخرين، سارعت لتمويل مشروع إثيوبي يهدد الأمن القومي المصري .. هذا التناقض يطرح أسئلة كبيرة عن المعايير المزدوجة في السياسة الأمريكية، وعن الأجندات الخفية التي قد تكون وراء دعم مشاريع تهدد استقرار المنطقة .