الجمعة 18 يوليو 2025 12:40 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : ”إتكلم وإنت قوي.. مصر بجيشها لا تُكسر”

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

إتكلم وإنت قوي.. إحنا وراك، وإوعى تخاف، فمصر لا تُخيف أبناءها، بل تمنحهم عزّة وفخرًا بأنهم ينتسبون لوطنٍ له جيش لا يُقهر، جيش يعرفه العدو جيدًا قبل الصديق، ويحترمه من عرف معنى الردع الحقيقي. جيش مصر ليس مجرد تشكيلات عسكرية أو معدات متطورة، بل هو عقيدة راسخة، وإيمان بوطن لا يُباع، وشعب لا يُركع.

جيش مصر هو صمّام الأمان لهذه الأمة، وليس لمصر فقط. فالعالم كله يدرك أن كلمة "الجيش المصري" لا تُقال عبثًا في المعادلات الإقليمية، بل تُحسب لها الألف حساب. لم يكن حديث وزير الدفاع الأمريكي الأسبق جيمس ماتيس عبثًا حين قال إن الجيش المصري هو الجيش العربي الوحيد الذي يمتلك قدرة حقيقية على القتال في معركة طويلة الأمد. ولم تكن دوائر صنع القرار في تل أبيب ترتجف كلما تحركت وحدات مصرية تجاه سيناء عبثًا، فالعدو يدرك تمامًا أن هذا الجيش وُلد من رحم المعارك، ولا يزال يحمل جينات النصر، من قادش إلى أكتوبر.

امتلاك مصر لقدرات ردع حقيقية ليس فقط بحجم التسليح، بل بعقيدة قتال لا تهتز، وجنود يعرفون أن الجبهة قد تكون في لحظة في الجنوب أو الغرب أو الشرق، ولكن القلب دوما في سيناء، حيث تراب الشهداء لا يزال ينبض. الردع ليس فقط أن تمتلك السلاح، بل أن يعرف عدوك أنك تملك الإرادة لاستخدامه إذا لزم الأمر، وأنك لا تهدد عبثًا، بل إذا قلت فعلت. وها هو العدو الصهيوني ينظر بترقب دائم إلى حدود مصر، لا خوفًا من هجوم مفاجئ، ولكن احترامًا لمعادلة قوامها "مصر لن تهاجم.. إلا إن اضطُرت، ولكن إن فعلت.. فلن تترك شيئًا قائمًا".

انظروا إلى ما يحدث في سوريا، الأرض التي كانت مهدًا للحضارات، أصبحت ساحة مستباحة لكل طامع، يتنقل فيها الطيران الصهيوني وكأنه فوق أرض بلا سيادة. كيف أصبحت دمشق، مهوى أفئدة العرب يومًا، تُقصف وتُذل، دون حتى تصريح إدانة من بعض العواصم العربية؟ الكيان الصهيوني يُعربد في الأجواء السورية ويقصف المطارات والمقار العسكرية، ويغتال من يشاء، دون رادع حقيقي، لأن الردع مات عند كثير من الدول. ويا للأسف، صار البعض لا يرى في "إسرائيل" عدوًا، بل صديقًا وحليفًا وشريكًا في المصالح، بينما صارت مقاومة الاحتلال تُجرَّم وتُحاصر، ويُخوَّن المقاوم ويُكرَّم الخائن. إن خنوع بعض الدول العربية أمام الكيان الصهيوني يُنذر بكارثة أكبر من التطبيع، إنه يُعيد تشكيل وعي الأجيال، ويخلق مسخًا من الهوية.

الجيش المصري لم يكن يومًا رهينًا لهيمنة دولة كبرى واحدة، بل انتهج منذ سنوات طويلة سياسة تنوع مصادر السلاح، ما جعله في مقدمة الجيوش التي تمتلك استقلالية قرارها، بعيدًا عن الضغوط الغربية. فمن أمريكا إلى روسيا، ومن ألمانيا إلى فرنسا، ومن كوريا إلى الصين، استطاع الجيش المصري أن يمتلك منظومة متكاملة من أحدث نظم الدفاع والهجوم، وأن يصنع سلاحه محليًا، وأن يفتح شراكات في التصنيع العسكري مع قوى مختلفة. الغواصات الألمانية، والفرقاطات الفرنسية، والطائرات الروسية، والمركبات المدرعة الأمريكية، جنبًا إلى جنب مع صناعات مصرية خالصة، كل ذلك يعزز من قدرة الردع ويُربك العدو الذي لا يستطيع أن يحلل نمط التسليح المصري بسهولة، ولا يعرف من أين تأتيه الضربة.

جيش مصر هو جيش الشعب، لا جيشًا تابعًا لنخبة أو طائفة أو قبيلة أو حزب. لم يعرف يومًا طريق المرتزقة، بل يخرج رجاله من قلب الريف والصعيد والنجوع والمدن، يجمعهم حب مصر لا حب المال، ويقاتلون بعقيدة "النصر أو الشهادة". هذا الجيش لا يعتدي، لكنه إذا دُعي نصر، وإذا حُمّلت إليه راية، رفعها في السماء.

لكن وسط كل ذلك، تتكاثر الحروب الخفية على مصر، وأخطرها ليست بالصواريخ ولا المدافع، بل بالشائعات. أعداء الداخل والخارج لا يهدأ لهم بال، يحاولون بكل وسيلة أن يشككوا الناس في جيشهم، في دولتهم، في قيادتهم، يختلقون الأكاذيب ويضخونها في مواقع التواصل، يبثّون السموم بين الناس، يُروّجون للخذلان، ويزيفون الحقائق. هذه الحرب القذرة لا تقل خطورة عن القنابل، لأنها تستهدف وعي الشعب وثقته في نفسه ومؤسساته.

في زمن الضعف العربي، تبقى مصر قوية، عصيّة، واقفة بين أطلال الأمة، تحمل الراية حين يسقطها الآخرون، وتدفع عن نفسها وعن غيرها. ستظل مصر في رباط إلى يوم الدين، برجالها ونسائها، بجيشها وشعبها، بإرادتها التي لا تلين.

ولذلك نقولها بصدق: من أراد أن يتحدث عن مصر، فليتكلم وهو قوي. ومن أراد أن يخوّف أهلها، فليعلم أن مصر لم تخَف يومًا، ولن تخاف. العدو يعرف ذلك، والصديق يعرف ذلك، والتاريخ كتب ذلك. ستبقى مصر، ويظل جيشها درعها وسيفها، والرد على كل من يتوهم إضعافها: نحن هنا.. في قلب الميدان، لا نُخدع، ولا نُشترى، ولا نُهزم.

”إتكلم وإنت قوي.. مصر بجيشها لا تُكسر” حسين السمنودي الجارديان المصرية