الثلاثاء 22 يوليو 2025 10:24 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : سماسرة الانتخابات... ومفرمة الغلابة في زمن المسرحية الهزلية

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

في زمنٍ تحوّل فيه الوطن إلى مشهد من العبث السياسي، وموسم الانتخابات إلى كرنفال مصالح وصفقات، تُفتح الأبواب على معزلة كبرى اسمها "انتخابات مجلس النواب"، حيث تختلط الشعارات بالأسعار، ويُصبح الصوت الانتخابي أقرب إلى سلعة معروضة في سوقٍ رخيصٍ، لا يُحركه إلا الجوع، ولا يوجهه إلا أصحاب المال والنفوذ.

المشهد بات مكرراً ومؤلماً: وجوه لا نراها إلا وقت الانتخابات، ووعود لا تُقال إلا أمام الكاميرات، وحملات تدّعي النزاهة بينما تُدار من خلف ستار من التربيطات والصفقات والكراتين. في هذا الموسم، يخرج سماسرة السياسة من جحورهم، يوزعون كلمات مطاطية كـ"خدمة المواطنين" و"نحن صوتكم"، بينما الحقيقة أنهم يتاجرون بألم الناس، ويستغلون فقرهم وجهلهم وحاجتهم.

لقد تحولت العملية الانتخابية من أداة للتغيير إلى وسيلة لتثبيت الفساد، وصار المعيار في الاختيار لا علاقة له بالوطن ولا بالناس، بل بمن يملك أكبر عدد من المؤيدين المدفوعي الأجر، أو من يستطيع أن يحشد أكبر قدر من الكذب والتزييف عبر قنوات مأجورة وصفحات مزورة.

في ظل هذا العبث، تعيش القرى الفقيرة—خاصة في قلب محافظة الإسماعيلية—معزولة عن كل معاني التنمية. قرى منسية بكل ما تعنيه الكلمة من ألم، لا يصلها مسؤول، ولا يطرق أبوابها نائب، ولا يراها أحد إلا في موسم الانتخابات، حيث تتحول فجأة إلى بؤر مستهدفة للوعود الانتخابية والكاميرات المسرحية.

في هذه القرى، حيث لا توجد مياه نظيفة تكفي، ولا صرف صحي، ولا رعاية صحية حقيقية، ولا فرص عمل، ولا مدارس لائقة، تقوم الإعلامية الجادة والإنسانة الأصيلة الدكتورة مها عجلان بدور بطولي ومؤثر يستحق أن يُذكر بكل فخر. فهي لا تزور هذه القرى من أجل صورة دعائية أو لقاء موسمي، بل تتواجد بينها بصدق ومشاعر إنسانية، تمد يدها وتفتح قلبها، وتسعى بكل جهد لمساعدة الناس الحقيقيين الذين يعيشون في صمت ووجع.

دكتورة مها عجلان لم تنتظر مقعداً في البرلمان، ولم تبحث عن شهرة زائفة، لكنها ذهبت إلى أماكن لم يسمع بها كثير من النواب، ولم يفكروا حتى أن يسألوا عنها. زارت بيوتًا متهالكة، جلست مع نساء بائسات فقدن كل أشكال الأمل، استمعت لأصوات خافتة لا يجرؤ الإعلام التقليدي على سماعها، ثم حولت كل ذلك إلى عمل حقيقي وجهد ملموس ومبادرات إنسانية تعيد للناس بعضًا من كرامتهم.

تلك القرى التي تتحرك فيها الدكتورة مها، هي مناطق منكوبة بالإهمال، لا ترى نور الدولة إلا في خطاب رسمي أو وعود انتخابية لا تأتي، مناطق تشهد يوميًا على انعدام العدالة، وعلى غياب النواب الذين فازوا فيها بأصوات الناس، ثم اختفوا كما جاءوا.

لقد أصبحت تلك القرى شاهدًا على خيانة تمثيل شعبي لا يُعبّر عنهم، بل يستخدمهم سلّمًا للوصول إلى مصالح شخصية، ثم يُلقي بهم في هوامش النسيان. وبينما يهرب الجميع من مواجهة هذه الحقيقة، هناك امرأة تقف وحدها، تقول "أنا هنا"، وتمسح دمعة أم وتمنح طفلًا دمية وتُدخل دفء الكلمة إلى قلب عجوزٍ لا يسمعه أحد.

ما يحدث اليوم في موسم انتخابات مجلس النواب ليس ديمقراطية، بل استغلال منظم لمآسي الناس، وخداع مستمر باسم التمثيل النيابي. وما تقوم به الإعلامية د. مها عجلان هو الوجه الحقيقي لما يجب أن يكون عليه من يمثل الشعب: تواجد، وصدق، وخدمة فعلية لا شعاراتية.

فمن يُراهن على الوعي الشعبي؟
من يراهن على أن الناس قد ملّوا من المسرحية المكررة؟
ومن يُدرك أن هناك من لا يزال يعمل في صمت، لا من أجل المقعد، بل من أجل الإنسان؟

القرى المنسية لا تحتاج إلى يافطات، بل إلى ضمير حي،
إلى من يذهب إليهم قبل أن يطلب منهم،
إلى من يفتح الأبواب قبل أن تُقرع في موسم المصالح،
إلى من يشبه د. مها عجلان.

ولأننا في زمن "المعيار بلا معيار"، نقولها بوضوح:
الغلابة هم من يدفعون الثمن...
فإما أن نمنحهم حقهم في الاختيار النظيف،
وإما فلتستمر المسرحية الهزلية...
وليبكِ الوطن في صمت.

حسين السمنودى سماسرة الانتخابات... ومفرمة الغلابة في زمن المسرحية الهزلية الجارديان المصرية