الثلاثاء 2 سبتمبر 2025 12:01 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

مدحت الشيخ يكتب : الأحزاب كما يجب أن تكون

الكاتب الكبير مدحت الشيخ
الكاتب الكبير مدحت الشيخ

الأحزاب في أي مجتمع ديمقراطي ليست مجرد ديكور سياسي يُزيّن المشهد أمام الرأي العام أو يملأ فراغًا دستورياً. إنها عصب الحياة السياسية، والمرآة التي تعكس هموم الناس، والمنبر الذي يعبّر عن صوت الشارع ويترجمه إلى سياسات وبرامج. لكن حين ننظر إلى واقعنا الراهن، نكتشف أن الشكل القائم للأحزاب أبعد ما يكون عن هذا الدور التاريخي.

فأحزابنا اليوم ـ إلا من رحم ربي ـ تبدو كيانات ورقية أكثر منها مؤسسات فاعلة. بعضها أشبه بجمعيات أهلية لا تأثير لها، وبعضها أقرب إلى صالونات مغلقة، لا يسمع عنها الناس إلا في بيانات موسمية أو مؤتمرات تُقام على عجل وقت الانتخابات. أين البرامج؟ أين الرؤى؟ أين التنافس الحقيقي على خدمة المواطن؟ الحقيقة أن المشهد الحزبي عندنا يشبه مباراة بلا جمهور، ولاعبين يتبادلون الكرة في منتصف الملعب بلا هدف ولا شباك.

الأحزاب كما يجب أن تكون، يجب أن تتحول إلى مصانع لإعداد الكوادر، ومدارس تخرّج قيادات شابة مؤهلة، تحمل هموم الناس وتطرح حلولًا واقعية. المطلوب أن تتحول مقرات الأحزاب إلى ساحات للنقاش والحوار، لا مجرد مكاتب مغلقة أو قاعات للافتتاحات البروتوكولية. الأحزاب الحقيقية تُقاس بقدرتها على تقديم بدائل سياسية واقتصادية واجتماعية، لا بعدد الصور المعلقة أو البيانات المكررة.

والمفارقة أن الناس فقدوا الثقة في الأحزاب، لا لأنهم يكرهون السياسة بطبعهم، بل لأنهم لم يجدوا في هذه الكيانات ما يمثلهم أو يدافع عن مصالحهم. اللوم هنا لا يقع على المواطن الذي أعرض، بل على الأحزاب التي انسحبت طواعية من الميدان، وارتضت بدور المتفرج.

إن أي إصلاح سياسي جاد لن يكتمل من دون أحزاب قوية، فاعلة، متجذرة في الشارع. أحزاب تكتسب قوتها من الناس لا من الدعم الفوقي، أحزاب تخاطب العقول لا العواطف، وتنافس ببرامج لا بوجوه، وتضع المصلحة العامة فوق الحسابات الشخصية.

باختصار: الأحزاب كما يجب أن تكون هي مرآة الشعب وصوت الأمة. أما الأحزاب كما هي الآن، فليست أكثر من صور باهتة على جدران السياسة، لا تُرى إلا وقت الحاجة… ثم تعود سريعًا إلى غيابها المعتاد.

مدحت الشيخ الأحزاب كما يجب أن تكون الجارديان المصرية