الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب: كهف الثقافة المضييء!!


في زمن السرعة والعزلة الرقمية ، تبقى الروح مشتاقة لجلسة تأمل وخلوة بعيدًا عن الصخب ، عن الضوضاء والإلهاء ، لقد منّ الله علي ، إذ رزقني بكهف في بيتي أدخله كلما أردت الإستمتاع بالسكون والهجوع الذي أصبح شبه مستحيل الحدوث . فهذا الهياج المستمر يحول دون الإستفادة من أوقاتنا أقصى استفادة !!
في كهفي أرشف قهوتي بلا استعجال، ، أترقب نسمات الصباح وهي تدخل من نافذة القلب، أطرب لكلمة تُلامس قلبي من كتاب أقرأه ، أنفرد بسيدة الغناء العربي السيدة أم كلثوم دون مضايقة من أفراد بيتي اللذين لا يطيقونها !
أجمل ما فيّ كهفي إنه مكان لا يزعجني فيه أحد، ولا يُطفئه أحد ، ألا ما أجمله عندما يوفر لي مساحة للهدوء الداخلي ، والراحة النفسية، وتخفيض التوتر، وتطوير الذات من خلال التأمل الذاتي وتنمية الأفكار الإبداع !!
ألا ما أروعه عندما يبعدني عن الضوضاء الإجتماعية ، مما يمنحني مساحة للتفكير الإبداعي وتطوير الأفكار ، والتأمل الذاتي والتطور الشخصي ، مما يؤدي إلى فهم أعمق للذات وتشكيل هوية قوية .
في كهفي أستطيع فتح خزينة قلبي ، وأطلع علي تلك المساحة التي لا يصلها أحد، ولا يخترقها صخب ، مكان صغير ، أضع فيه كل ضعفي، وكل أملي ، وكل دعائي، ثم اغلقه وأترك الأمر لله. فهو سبحانه أقرب من كل شيء، وأحنّ من كل أحد ، هو الركن الذي أعود إليه دائمًا، لأرتّب قلبي، وأغسل روحي، وأُذكّر نفسي أنني لست وحدي.
أجلس أنتظر كلمة الله بثقة لا تهتز ، فقط أنتظر كلمته التي إن قِيلت… تغيّر كل شيء ، أثق أن الآتي أجمل ، وأن ما مضى كان تمهيدًا لا حرمانًا، وأن الله إذا عوّض ، أدهش.!!
قلبي ساكن رغم الضجيج، مطمئن رغم التقلّب، لأنني أعرف أن الله لا يخذلني أبدا، و أنا أظنّ بالله خيرًا دائما. فليكن ما يشاء ، أنا أنتظر ، كلمة : كن فيكون !! (إصلاح حالي وبالي وأحوال أولادي والمجتمع بأسره ) .
فإذا ملأت روحي وشحذت همتي وأحببت الخروج من الكهف إلي الدنيا ، أخرج إلي مجري المياة وظلال الأشجار ، أتصل بالصديق فخر الدين السجاعي لمصاحبتي في جولة إلي الحقول ، فهو شخص اجتمعت فيه جل الخصال الحميدة ، ومعرفته تجسد معاني الصحبة الطيبة ، قلب صافي ، لسان منضبط ، إصغاء شديد ، وحديث موزون فالرفقة الطيّبة هي ليست مجرّد مظاهر اجتماعية، بل عناصر أساسية لصحة القلب والعقل. العلاقة الجميلة ليست تلك الخالية من الخلاف، بل تلك التي يسكنها الصدق، ويُرمَّم فيها الخطأ بالمحبة. هي التي نستطيع فيها أن نكون على حقيقتنا ، دون خوف. والفرصة سانحة لدعوة كل الأحباب ، بعدم إهمال الذين يسألون عنهم بصدق،الذين يصغون لقلوبهم قبل كلماتهم ، الذين لا يملّون مرافقتهم حتى في صمتهم !! كما هو حال صديقي معي !!
في كهفي ، أعمل ، أهندم محتوياته ، أقرأ ،أكتب، فالكتابة ليست فقط وسيلة للعيش، بل يمكن أن تكون مساحة للنمو ، وللتعبير عن الذات، ورحلة نحو جوهرنا الحقيقي. حين نُنجز ما نُحب ، يتحوّل الجهد إلى معنى ، والتعب إلى نور ، فالعمل الذي تُغذّيه المحبة، هو عمل لا يُرهق القلب، بل يملؤه امتلاءً .
من كهفي أطلقت منصة ثقافية اسميتها صالون الرجدية الثقافي ، وليس بخفي علي حضراتكم ما للصالونات الثقافية من دور كبير في تزويد الساحة الثقافية بمواهب شبابية واعدة ، خصوصاً وأن كثير من المواهب تحتاج لمثل هذه النوافذ ، للتعبير عما بداخلها من إبداع ، من هنا تكمن الأهمية البالغة لهذه الصلونات لما تحمله من ثمار إيجابية تجاه أصحاب المواهب أنفسهم، فضلاً عن انعكاساته على المشهد الثقافي في الوقت ذاته.
لذا تجاوبت معه القلوب باعتباره نافذة هامة تطل على آفاق الحوار البناء وتبادل الأفكار في المجتمع، وباعتباره رافعة من روافع تقدم المجتمع نحو الوعي المجتمعي ، ومن خلاله يُحتفى بالرموز الثقافية والفكرية والاجتماعية والعلمية من أبناء القرية ، ويتم توثيق تجارب المبدعين والإفادة من مسيرة حياتهم ونشرها في بين صفوف النشيء والشباب.
ولعلكم تعلمون أن كلمة "الصالون": "كلمة معربة، كونها ظاهرة حضارية ثقافية تشير إلى التوافق الذهني في مسار تكوين الرأي الجمعي للأفراد والأمم". ولها امتداد تاريخي يصل إلي العصر الجاهلي، حيث سوق عكاظ، ودوره في تداول الشعر والأدب والخطابة وثمرات الحكمة عند بلغاء العرب، وقد كانت السيدة سكينة بنت الحسين حفيدة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تدير أشهر ملتقى ثقافي عربي، حيث يجتمع عندها نخبة الأمة من علماء وفقهاء ولغويين وشعراء وفصحاء ، يتناقشون ويتحاورون ويتنافسون بحضرتها وقد كانت أحياناً ترجّح بينهم أو تُغلّط بعضاً منهم أو توجّه برؤية نقدية حاذقة مبنية على أصول الموازنة النقدية ، وعلى منواله كان "مربد" البصرة في العصر الأموي.
واستمر هذا العطاء في عصر الخلفاء والأمراء منهم عبد الملك بن مروان والمنصور والرشيد والمأمون، ثم مجلس سيف الدولة الحمداني الذي كان أحد نجومه المتنبي وأبو فراس الحمداني، "ولم تتخلف الأندلس عن هذا النشاط، فكان مجلس "ولادة" بنت المستكفي الذي ضم النخب من أهل الأدب والشعر".
حتي أوروبا لم تتخلف عن هذا التيار ، فرأينا الصالونات الثقافية، وخصوصا إيطاليا في القرن السادس عشر الميلادي، "وكانت برعاية نساءٍ شغفن بالأدب والفن، وانتقل هذا التقليد إلى فرنسا فكان ظهور أول صالون أدبي سنة 1608م برعاية مدام كاترين، واستمر نصف قرن، وشكل تقليداً ثقافياً جديداً بظهور صالونات أخرى تركت وراءها إرثاً ثقافياً ، ويعد صالون "مي زيادة" من الصالونات بالغة الصيت ، فقد استمر 20 عاماً، وكان من رواده العقّاد وشوقي والرافعي وغيرهم، ثم صالون العقّاد نفسه، وغيره ممن كان لها الأثر البيّن في الزخم الثقافي الذي ميّز النصف الأول من القرن الماضي وما بعده.
بحق : إن الصالونات الثقافية بيئة صحية نافعة لتهذيب الأفكار وتعزير الآراء وتطويرها إذا أُحسنت إدارتُها لتنتج اراء تدفع المجتمع لتحقيق طموحه نحو الاستقرار والرقي ، وذلك لأهميتها في استقطاب المواهب والمهارات الأدبية والفكرية، فضلا عن كونها دافعة لظهور طبقة تمتهن المناظرة والحوار وآدابه، لبلورة رؤى شمولية للمحتوى الفكري والثقافي.
من هنا يتضح الدور الوطني الذي تقوم به الصالونات الحادة في محاربة التفاهة والسطحية والسذاجة، ومقاومة قيماً سلبية استهلاكية تتسلل عبر الفضائيات فتستقطب عقول الشباب.
لذا لو انشأ صالون في أي بيئة صحية وتوفرت له أسباب نجاحه واستمراره لحفز الأذهان بتجاه الوعي المنشود .
والحمد لله أن أصبح لقريتي صالونا ثقافيا يرعى الساحة الثقافية بها ، ويضبط بوصلة التفكير صوب مصلحة الوطن والقرية واعلاء منظومة القيم الأخلاقية ، والتشجيع علي النجاح والتفوق ، ويقوم بتسليط الضوء علي الابداع والتميز الذي يميز أبناء القرية .فضلا علي كونه مظهرا من مظاهر إثراء الحركة الثقافية لقرية اهتمت بالثقافة العامة والدينية منذ زمن بعيد ، أليست هي التي قامت منذ نصف قرن مضي من إنشاء فريق مسرحي قدم العديد من المسرحيات في القرية وطنطا ومسارح الجامعات تحت رعاية وإدارة المبدع الثقافي الأستاذ رضوان محمد سنبل.
تحية واجبه ومستحقة لأعضاء الصالون الدائمين ، الدكتور أنور هلال ، الأستاذ فوزي العشري ، الأستاذ فخر الدين محمد السجاعي ، النائب المحتمل الأستاذ عبد العزيز إسماعيل ، الأستاذ رجب ابو علوش ،المهندس حمدي زلط ، والأستاذ محمد رجب الطباخ أولئك الذين حوّلون الفكرة إلى نور، والخيال إلى واقع، والشغف إلى أثر ملموس .
حيث يتباري الجميع في خدمة ضيوف الصالون ، الجميع يستقبلون الضيوف بالترحاب ، تُضاء لهم القلوب قبل النار، وتُفرش لهم الأرواح قبل الزرابي، وتقدم لهم التحايا كما لو أنها قصيدة ترحيب. فالترحاب في معتقدهم لا يُؤدى، بل يُولد من الصدور. وأنهم وهم يفعلون ذلك ، ليفهمون أن الحفاوة الحقيقية ليست في تقديم المأكولات والمشروبات ، بل في بساطة تُشعّ، من وجه يجعل الترحيب مذهبًا .
وقد كان الصالون عند حسن الظن به ، إذ قدم في فعاليته الأولي استضاف الصالون الأستاذ الدكتور لطفي محمد يونس أستاذ جراحة العظام بالغ الصيت ووكيل كلية طب طنطا الأسبق ومدير عام مستشفي الطوارئ ،في أول ظهور لها ، ومدير مستشفى الطلبة من 1996حتي 2004 .
وفي فعاليته الثانية استضاف الأستاذ الدكتور أحمد محمد سلامة أستاذ التخدير بجامعة الزقازيق ، وفي فعاليته الثالثة استضاف الجراح الأديب الدكتور زين حسين محمد مسلم ، وفي فعاليته الرابعة استضاف الأستاذ الدكتور سيف رجب قزامل عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا ورئيس مجلس إدارة المنظمة العالمية لخريجي الأزهر فرع الغربية ، والأستاذ الدكتور أحمد إسماعيل أبو شنب العميد السابق لكلية أصول الدين والدعوة بطنطا ، وفي فعاليته الخامسة استضاف الكابتن ياسين أحمد سليم لاعب ومدرب نادي المصانع الحربية السابق . وفي فعاليته السادسة سيستضيف ـ أن شاء الله ـ الأستاذ الدكتور عبد الفتاح خضر عميد كلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية ، وعميد كلية القرآن الكريم بطنطا ، بصحبة فرقة قرية حصة شبشير للانشاد الديني احتفالا واحتفائا بمولد الهادي البشير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وستشهد فعاليته القادمه لقاءات مع الأستاذ الدكتور العالمي أحمد فتح الله الشيخ ابن القرية وعالم الاكترونات بالغ الصيت ، والمستشار عمرو مصطفى جاب الله ، نائب رئيس هيئة قضايا الدولة ، والفنان محمود الحديني.
علي المستوي الشخصي فإنني أسعد سعادة بالغة حينما أري كثير من الوجوه الشبابية موجودة في هذه اللقاءات، ليروا كيف يدار الحوار، ويثار النقاش، حول مختلف القضايا الفكرية والثقافية، وهو ما سيكون له انعكاساته الإيجابية على المشهد الثقافي، خصوصا وان إنتشار الصالونات الثقافبة في الدولة يعد دليلًا على تطور الحركة الثقافية وازدهارها، فهي مظهر من مظاهر إثراء الحركة الثقافية ، وباعتبار تلك الصالونات مفتوحة على المجالات جميعًا، كون الثقافة مرتبطًة بأدق التفاصيل في حياة الناس .