طارق محمد حسين يكتب : ( نزول الوحي وبداية الدعوة)


رسولنا الكريم جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: إقرأ: قال: (ما أنا بقارئ)، قال: (فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلنى، فقال: اقرأ، قلت: مـا أنـا بقـارئ، قـال: فأخذنى فغطنى الثانية حتى بلـغ منـى الجهد، ثم أرسلني فقال: إقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثـم أرسلـني فـقـال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}[العلق]،
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد فقال: (زَمِّلُونى زملونى)، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة: ما لي؟ فأخبرها الخبر ، (لقد خشيت على نفسي)، فقالت خديجة: كلا ، والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق،
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ، وكان قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانى، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي فقالت له خديجة: يابن عم، إسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأي، فقال له ورقة: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جَذَعا، ليتنى أكون حيًا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو مخرجيّ هم؟) قال:نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُودِىَ، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم يَنْشَبْ ورقة أن توفي، وفَتَر الوحى نزل جبريل عليه السلام علي رسولنا الكريم بغار حراء، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر] ،لماذا تلا جبريل آيات محددة بالقرآن ووقف عند ولربك فاصبر ؟ فالوحي كان ثقيل على النبي في أول الأمر ، القرآن لما يتلقاه من جبريل آياته ثقيلة ،(ولربك فاصبر) هنا علم النبي صل الله عليه وسلم أن المهمة شاقة ومتعبة ،وتذكر قول ورقة بن نوفل ( لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عُودي)، المهمة شاقة ، فلا يناسبها الدثار والخوف والرعدة بدا الجد ، فالمهمة يناسبها طوي الفراش والإستعداد والقيام على قدم الجد ،محمد صل الله عليه وسلم يُعرف بين قومه بالصادق الأمين ،بعدها يأتيهم محمد الرسول ، من أجل أن يربيهم ويصلح حالهم ويمنع عنهم الرغبات المحرمة ... هنا سيصبح القوم ضده ( ولربك فاصبر ) لما وقف عندها ، هنا تهيأ النبي صل الله عليه وسلم التهيئة النفسية لما هو قادم لإنه سيجد تكذيب من قومه وعداوة ،وقد أخبره ورقة من قبل { يا ليتني فيها جذعاً حين يخرجك قومك فقال له رسول الله صل اللهم عليه وسلم وهو مستغرب أو مخرجي هم؟ ،من أجل أن لا يتفاجئ بما هو قادم، إستعد يا رسول الله مهمتك صعبة ،فهان الأمر على رسول الله صل اللهم عليه وسلم لإن صبره لله (ولربك فاصبر) .
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر] .
وهذه الآيات هي مبدأ رسالته صلى الله عليه وسلم ،وتشتمل على نوعين من التكليف مع بيان ما يترتب عليه ،التكليف الأول: تكليفه صلى الله عليه وسلم بالبلاغ والتحذير، وذلك في قوله تعالى: {قُمْ فَأَنذِرْ} فإن معناه: حذر الناس من عذاب الله إن لم يرجعوا عما هم فيه من الغى والضلال وعبادة غير الله المتعال، والإشراك به في الذات والصفات والحقوق و الأفعال.، التكليف الثاني:
تكليفه صلى الله عليه وسلم بتطبيق أوامر الله سبحانه وتعالى على ذاته، والإلتزام بها في نفسه ،ليحرز بذلك مرضاة الله، ويصير أسوة حسنة لمن آمن بالله وذلك في بقية الآيات. فقوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} معناه: خصه بالتعظيم، ولا تشرك به في ذلك أحدًا. قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} المقصود الظاهر منه: تطهير الثياب والجسد، إذ ليس لمن يكبر الله ويقف بين يديه أن يكون نجسًا مستقذرًا. وإذا كان هذا التطهر مطلوبًا فإن التطهر من أدران الشرك وأرجاس الأعمال والأخـلاق أولـى بالطـلب ، {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} معناه: إبتعد عن أسباب سخط الله وعذابه، وذلك بإلتزام طاعته وترك معصيته. وقوله: {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ} أي: لا تحسن إحسانًا تريد أجره من الناس أو تريد له جزاء أفضل في هذه الدنيا. أما الآية الأخيرة ففيها تنبيه على ما يلحقه من أذى قومه حين يفارقهم في الدين ويقوم بدعوتهم إلى الله وحده وبتحذيرهم من عذابه وبطشه، فقال: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} ،وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظل قائمًا بعدها أكثر من عشرين عامًا؛ لم يسترح ولم يسكن، ولم يعـش لنفسه ولا لأهله. قام وظل قائمًا على دعوة الله، يحمل على عاتقه العبء الثقيل الباهظ ولا ينوء به، عبء الأمانة الكبرى في هذه الأرض، عبء البشرية كلها، عبء العقيدة كلها، وعبء الكفاح والجهاد في ميادين شتى وعاش في معركة ضد الكفر ، وتنقسم حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن شرفه الله بالنبوة والرسالة إلى عهدين يمتاز أحدهما عن الآخـر تمـام الإمتياز، وهما:١ -العهد المكي، ثلاث عشرة سنة تقريبًا.٢ ـ العهد المدني عشر سنوات كاملة.ثم يشتمل كل من العهدين على عدة مراحل، لكل مرحلة منها خصائص تمتاز بها عن غيرها، يظهر ذلك جليًا بعد النظر الدقيق في الظروف التي مرت بها الدعوة خلال العهدين. ، ويمكن تقسيم العهد المكي إلى ثلاث مراحل:١ـ مرحلة الدعوة السرية ثلاث سنوات.2 ـ مرحلة إعلان الدعوة في أهل مكة، من بداية السنة الرابعة من النبوة إلى هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.3 ـ مرحلة الدعوة خارج مكة ونشرها فيهم، من أواخر السنة العاشرة من النبوة. وقد شملت العهد المدني وامتدت إلى آخر حياته صلى الله عليه وسلم. المستمرة أكثر من عشرين عامًا، لا يلهيه شأن عن شأن في خلال هذا الأمد منذ أن سمع النداء العلوى الجليل، وتلقى منه التكليف الرهيب... جزاه الله عنا وعن البشرية كلها خير الجزاء.