الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى يكتب : مصر واحة السلام من كامب ديفيد إلى قمة شرم الشيخ


مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تعيد اليوم تأكيد دورها التاريخي كراعية للسلام في الشرق الأوسط من خلال استضافتها "قمة شرم الشيخ للسلام" بحضور رئيسي مصري وأمريكي ومشاركة أكثر من 31 دولة ومنظمة دولية، في خطوة تذكر العالم بمبادرة الرئيس الراحل أنور السادات قبل عقود.
• البعد التاريخي: إرث مصر في صناعة السلام
لم يكن دور مصر في صناعة السلام وليد اللحظة، بل هو امتداد لرؤية استراتيجية وإرث تاريخي تضرب جذوره في عمق السياسة الخارجية المصرية:
* الريادة التاريخية: تعتبر معاهدة كامب ديفيد التي وقعها الرئيس الراحل أنور السادات عام 1978إطارًا تأسيسيًا للسلام في المنطقة، حيث مثلت مصر أول دولة عربية توقع اتفاقية سلام مع إسرائيل، مما وضعها في موقع الرائد الإقليمي في مسارات السلام.
* الاستمرارية والدبلوماسية المتجددة: حافظت مصر على هذا الدور عبر العقود، حيث أنها تؤكد تجربتها الماضية والحالية على أن مفهوم السلام لم يعد مقصورًا على وقف إطلاق النار أو عقد اتفاقيات تسوية، بل يشمل إعادة بناء بنية المجتمعات المتضررة من النزاع، والجمع بين ضرورات الأمن ومتطلبات التنمية.
* الرؤية الشاملة: تطور مفهوم السلام في الدبلوماسية المصرية من "الوساطة السياسية" إلى "صناعة السلام الإيجابي"، الذي لا يقتصر على إنهاء العنف المباشر فحسب، بل يمتد لمعالجة "العنف الهيكلي" المتمثل في الفقر والتمييز، سعيًا لتحقيق سلام دائم وعادل.
• قمة شرم الشيخ: تجسيد للدور المصري المحوري
تمثل القمة شرم الشيخ 2025 تتويجًا للجهود الدبلوماسية المصرية المكثفة، وتظهر عناوينها الرئيسية عمق هذا الدور:
*القيادة المشتركة: ترأس القائد المصرى السيسي والقائد الأمريكي دونالد ترامب القمة بشكل مشترك، مما يعكس الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة والاعتراف الدولي بالدور المحوري لمصر.
* المشاركة الدولية الواسعة: شهدت القمة مشاركة قادة أكثر من 20 دولة، من بينهم قادة دول أوروبية وعربية وممثلون عن منظمات دولية، مما يؤكد المكانة الإقليمية والدولية لمصر كمنصة معتمدة للحوار وحل الأزمات.
* الإنجاز الملموس: أسفرت القمة عن توقيع وثيقة شاملة بين رؤساء وزعماء الولايات المتحدة ومصر وتركيا وقطر، لإنهاء الحرب في غزة، وفتح باب عهد جديد من السلام والاستقرار في المنطقة.
• الركائز الاستراتيجية للدور المصري
يعتمد التأثير المصري في صناعة السلام على عدة ركائز استراتيجية متينة:
*الثقة الدولية: يعكس التوافد غير المسبوق للقادة إلى شرم الشيخ ثقة المجتمع الدولي في قدرة مصر على قيادة الجهود الدبلوماسية الحاسمة في لحظات الأزمات الإقليمية الكبرى.
*الموقع الجيواستراتيجي: يحسب لمصر موقعها الجغرافي الفريد الذي يجعلها جسرا بين القارات، ومحورا للأحداث في الشرق الأوسط، وهو ما ورثته عبر تاریخها الحضاري الطويل.
* الحكمة الدبلوماسية: تمكنت الدبلوماسية المصرية من إدارة العلاقة مع إدارة ترامب الثانية بصبر وحكمة ورشادة، مستفيدة من العلاقة الشخصية الطيبة التي تجمع الرئيسين، مما سهل تحقيق الاختراقات.
* الرؤية الإنسانية: تجلت في كلمة الرئيس السيسي خلال القمة الرؤية الإنسانية عندما وصف الاتفاق بأنه سيغلق "صفحة أليمة في تاريخ البشرية"، مما يرفع سقف المسؤولية الأخلاقية على الأطراف لتحقيق نتائج ملموسة.
• الرؤية المستقبلية: نحو سلام دائم
لا تقتصر الرؤية المصرية على إنهاء الحرب فحسب، بل تمتد إلى بناء سلام دائم وشامل، حيث:
- إعادة الإعمار: أعلن الرئيس السيسي أن مصرنا ستستضيف مؤتمرا ل"التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية" في غزة، وأن مصر ستضع خلال الأيام القادمة الأساسات المشتركة لإعادة إعمار القطاع دون إبطاء.
- السلام العادل: يجدد الرئيس السيسي في كل محفل أن السلام لن يتحقق دون منح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وإقامة دولته المستقلة على حدود 1967، مؤكدًا على أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لضمان مستقبل من الأمان في المنطقة.
- تعزيز الاستقرار الإقليمي: تسعى القاهرة بقيادة الرئيس السيسى من خلال هذه القمم والمبادرات إلى بلورة رؤية مشتركة لإعادة الاستقرار إلى المنطقة، وإطلاق مسار سياسي شامل يضع حدًا للأزمات المتكررة، ويؤسس لمرحلة جديدة من السلام والتنمية.
• استمرار مسيرة السلام
من مبادرة السادات في سبعينيات القرن الماضي إلى قمة شرم الشيخ تحت قيادة الرئيس السيسي، يؤكد المسار أن مصر ظلت حارس السلام الإقليمي والأكثر التزامًا بإحلال الاستقرار في المنطقة. إن القدرات السياسية والرصيد الدبلوماسي والموقع الاستراتيجي الذي تمتلكه مصر يجعلها المؤهل الطبيعي لقيادة جهود السلام، وهو ما يعترف به العالم أجمع حين يتجه إلى شرم الشيخ كمنصة للتفاوض وبناء الثقة.
لقد نجحت مصر مرة أخرى في تحويل الدبلوماسية من رد فعل إلى فعل بناء، وجعلت من نفسها واحة للسلام لا تكتفي بوقف الحرب، بل تبني باستمرار مستقبلا أكثر أمنا واستقرارًا للأجيال القادمة في منطقة الشرق الأوسط .