دكتور عماد عبدالهادي يكتب : استدعاء نمـوذج تصميـم البصمـة التَفَكُّــِريـة للإعلام التكنولوجي والتربوي


تعتبر البصمة التَفَكُّــِرية أهم ما يميز الإنسان المُتَفَكِّر، التي يمتاز بها عن غيره، فما أجمل من أن تتفرد بوضع بصمتك والتي تتضمن جميع البصمات الإيجابية في كل عمل تقدمه، بحيث يسهم في استثارة التَفَكُّر لدى الآخرين، لتحقيق الغاية الكبرى من خلق الإنسان في الكون، تلك البصمة الحقيقية والوحيدة التي لن ولم تزول حتى بعد رحيل الإنسان.
ويؤكد ( محمد لبيب، 2015 ) بأنه لو تأملنا آيات التَفَكُّــِر نجد أنها تحثنا على البحث عن الحكمة من وراء كل ما نراه، بينما آيات العقل تشير إلى الظواهر البينة الظاهرة التي يمكن إدراكها بالحواس. وبالتالي فإن التفكير مرحله أعلى من العقل حيث يجمع الإنسان بحواسه المعلومات ويحيط بها ثم يقوم بربطها ليشكل الحقائق ويصيغ الواقع ثم معالجة هذه البيانات لتكوين مفاهيم غير ملموسه بشكل مباشر فيكتشف ويستنتج ويطبق ما توصل إليه في حياته ويستفيد منه.
والعقل أمانة أودعها الله سبحانه وتعالى لدي الإنسان دون المخلوقات الأخرى، وكما أن هناك بصمات حسية للأفراد، مثل: بصمة الأصابع، وبصمة العين، وبصمة المادة الوراثية، والتي لا تتشابه بين اثنين، فهناك أيضا بصمات معنوية، مثل: بصمة العقل وإفرازاتها الفكرية، بأشكالها المختلفة، فالعقل يوصل الإنسان إلى الإيمان بالله والتَفَكُّــِر يزيده مرتبة في الإيمان.
وحيث إن الكثير من الظواهر الحياتية والفكرية من الممكن ردها إلى ظواهر بيولوجية، فإن نظرية البصمة العقلية والإفرازات الفكرية تذكرني بالخلايا المناعية المتخصصة (الليمفاوية) حيث لديها قدرة فائقة في التعرف على الأجسام الغريبة، وقد تمثل هذه الظاهرة أو الوظيفة بالبصمة العقلية، فكل خلية مناعية لها بصمة خاصة بها فقط، ومختلفة عن بصمة الخلايا الأخرى، بحيث كل بصمة تتعرف على جسم غريب واحد دون الأخر.
وحتى تستقيم وتصح العلاقات الإنسانية، فعلى كل عاقل أن يحرص على معرفة بصمته العقلية وطبيعة إفرازاتها الفكرية وإذا ما كانت الأخيرة جامدة، أو متحررة، وذلك كحرصه على معرفة بصمة اليد والعين والمادة الوراثية، فالعلم بالشيء يظهره في أحسن صورة ويجعله مفيداً، ومن يدرى لعل يأتي اليوم الذى يسجل في بطاقة الرقم القومي لكل منا نوع ( بصمته التَفَكُّرية ) ومستوى إفرازاتها التَفَكُّرية أيضًا، مثل فصيلة الدم.
ومن هنا يسعدني أن أقدم لحضراتكم تحديدً دقيقًا لمصطلحات ( التَفَكُّـــر، الرشد التَفَكُّـــري، الإنسان المُتَفَكِّــر):
• التَفَكُّـــر : Contemplation
هو قدرة الإنسان على إعمال عقله بالتفكير المعرفي، والتأمل الوجداني، والتدبر العقلي في نعم الله وقدرته وإعجازه في خلقه، ليصل إلى حكمة أو عبرة أو عظة، تمكنه من إدراك علاقات جديدة عند ممارسة أي عمل يقوم به بطريقة إبداعية، تحمل قيماً ترتقي بسلوك الإنسان إلى الأفضل في أي مجال، ووضع خطط لمعالجة المعضلات لتحقيق الغاية من وجود الخلق في الكون، وإثرائه، ومن هنا ينشأ ( التَفَكُّر الإبداعي أو التَفَكُّر الابتكاري )،لا التفكير ( الابداعي أو الابتكاري ). لأن التَفَكُّـر مرتبط بموجبية التفكير الفعال، بمعنى أننا لا يمكن بأي حال من الأحوال وصف التَفَكُّر بأنه ( سلبي أو سالبي ) لأنه أمر من الله.
• الرشد التَفَكُّرِي Contemplative Rationale:
هو قدرة الإنسان على الاستمرار بالتعقل في أصول الأشياء لترشيد الفكر بالحكمة، والتمعن العميق في السياقات المتعددة المرتبطة بموقف ما ( قبل وأثناء وبعد صنع القرار الأصوب وتنفيذه )، بهدف التوصل إلى عبرة أو عظة أو قيم جديدة بطريقة إبداعية أو ابتكارية، للمحافظة على دوام الارتقاء بفكر وسلوك الإنسان نحو تحقيق الغاية من وجوده في الكون.
• الإنسان المُتَفَكِّر Contemplator:
فهو الشخص الذي يعمل عقله، بخطوات يتدرج فيها من التفكير المعرفي الإيجابي، إلى التأمل الوجداني بالقلب والروح والحواس، والاستكشاف العميق بتبصُّرِ وتروِ لقيم الأفكار ودِلالتها من حيث ( أهميتها، خصائصها، تطورها، تشخيص واقعها )، من خلال مجموعة من النشاطات، ثم ينتقل إلى التدبر بتطبيق المبادئ المنطقية والعلمية، واستخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة، بالبحث، بالتحليل، والنقد، والتقييم، وتحديد ما تؤول إليه الأمور، والاهتداء الأكمل لاختيار وانتقاء أفضل الطرق الإبداعية ( التفكر الإبداعي ) أو الابتكارية ( التفكر الابتكاري )، لمعالجات تلك المعضلات، بهدف تطوير الواقع إلى الأفضل في مجال ما يستفيد منه البشر.
فيرى ( حسين إبراهيم، 2024 ) أن بعد اختراع مواقع الإنترنت، في أواخر القرن الماضي، وبحكم المهمة التقنية التي قام بتنفيذها المهندسون والتقنيون، أطلقوا عليها اسم المواقع الإلكترونية، فأخذ الإعلاميون ، وخاصة الصحفيون هذا الاسم واعتمدوه في مواقعهم الإعلامية بالرغم من أنه يشير فقط إلى العمل التقني والبرمجي، وحسم الاتحاد الدولي للصحفيين الأمر، واعتمد اسم الإعلام الرقمي بدلاً من الإعلام الإلكتروني، باعتبار أن الإعلام الرقمي يصف المحتوى، والإعلام الإلكتروني يصف التقنية.
أما بالنسبة إلى (الإعلام التكنولوجي)، ذلك المصطلح الذي أتبناه تَفَكُّريًا في هذه المقالة، ولم أجد من تناوله – على حد علمي المتواضع- في أي بحث أو دراسة إعلامية حديثة، حيث أن هناك مصطلحات سائدة ومنتشرة في مجال البحوث والدراسات الإعلامية، مثل: ( الإعلام الإلكتروني، أو الإعلام الرقمي ).
• الإعلام التكنولوجي Technological Media :
هناك مكونات رئيسية تعكس التنوع الكبير للمحتوى الإعلامي والذي أصبح أكثر تفاعلية وتخصيصًا بفضل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، من
حيث:
1 – التوافر الفوري للمعلومات، والتفاعل التلقائي والمشاركة، استخدام الذكاء الاصطناعي لتقديم دعم فوري والتفاعل مع الجمهور، وتوليد ردود
تلقائية على التعليقات والمشاركات.
3 - التخصيص: الخوارزميات تستخدم بيانات المستخدمين لتقديم محتوى مخصص يلبي اهتماماتهم واحتياجاتهم، مما يزيد من التفاعل والارتباط
بالمحتوى، وتقديم محتوى مخصص بناءً على اهتمامات المستخدمين، توجيه الإعلانات بناءً على بيانات المستخدمين وسلوكهم.
4 - التنوع والتعددية: التكنولوجيا تتيح لمنصات إعلامية متنوعة الوصول إلى جمهور واسع، مما يعزز من تنوع الآراء والمحتوى المتاح.
5 - التحديات الأخلاقية: مع التقدم التكنولوجي، تظهر تحديات جديدة مثل الأخبار الزائفة، الخصوصية، والتحيز الخوارزمي.
6 - الاستهلاك المستمر للمحتوى الإعلامي يمكن أن يؤثر على الصحة النفسية والاجتماعية للأفراد، سواء بشكل إيجابي أو سلبي.
7 - المحتوى المولّد بواسطة نماذج الذكاء الاصطناعي مثل GPT-4 لإنشاء مقالات، تقارير، وأخبار، والصور والفيديوهات، ويقوم الذكاء
الاصطناعي بتحليل بيانات الجمهور وفهم اهتماماتهم وسلوكهم، وتحليل المحتوى، وتقييم أداء المحتوى وتحديد الأنماط والاتجاهات، وتحليل
الكلمات المفتاحية، وتحسين محركات البحث، وتعديل المحتوى بناءً على توصيات الذكاء الاصطناعي لتحسين ترتيبه في نتائج البحث.
8 - التحقق من الحقائق: الكشف عن الأخبار الزائفة وصحة المعلومات، تحليل المصادر وتقييم موثوقيتها والمحتوى.
9 - الإبداع والابتكار: استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج الموسيقى وأعمال فنية جديدة، وتطوير قصص تفاعلية تعتمد على تفاعل الجمهور.
هذه المكونات تعكس كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز من جودة وفعالية المحتوى الإعلامي، مما يتيح فرصًا جديدة للإبداع والتفاعل
مع الجمهور.
وقد وقفني الله تعالى في عقد مقارنة بين كل من: (الإعلام الإلكتروني، الإعلام الرقمي، الإعلام التكنولوجي) من خلال الجدول (1) التالي:
جدول (1) الفرق بين الإعلام التكنولوجي، وكل من: الإعلام الإلكتروني، والإعلام الرقمي
وجه المقارنة الإعلام الإلكتروني الإعلام الرقمي الإعلام التكنولوجي
الوسائط يعتمد على وسائل إلكترونية متعددة مثل التلفزيون والراديو والإنترنت. يستخدم وسائط رقمية مثل الإنترنت والأجهزة الذكية، ويتميز بتعدد الوسائط مثل: الصوت، والصورة، والنص. يعتمد على المستحدثات التكنولوجية والمرتبطة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي من حيث جودة ودقة الوسائط وتحليل البيانات، والمعلومات، وفق مستويات التَفَكُّــِر الأربعة بالتدرج المنظومي المتسلسل: (التفكير- التأمل- التدبر- التَفَكُّــِر ).
مهمة الإعلامي تقليدياً، يجمع الأخبار ويحررها للبث عبر وسائل مثل التلفزيون والراديو. يتطلب من الإعلاميين مهارات متعددة بما في ذلك الكتابة على الويب، وإنتاج الفيديو والصوت، والتفاعل مع الجمهور عبر الشبكات الاجتماعية. امتلاك الخبرة في التعامل مع المعضلات بشكل أكثر عمقًا، من خلال التَفَكُّــِر التكنولوجي، والاعتماد على نظارته التَفَكُّــِرية في تحليل الواقع، والتخطيط التَفَكُّــِري لمعالجة الموضوعات، والتصميم التَفَكُّــِري لعناصر المحتوى الإعلامي، من خلال سياقات التَفَكُّــِر.
العلاقة مع الجمهور العلاقة أكثر تحديدًا وتقليدية. يتميز بالتفاعلية العالية والقدرة على التواصل المباشر مع الجمهور. التفاعل التَفَكُّــِري مع الجمهور تكنولوجيًا، من خلال القدرة على تصنيفهم من خلال، إلى مستويات:
(مفكرين- متأملين- متدبرين- متفكرين)
المعالجة الإعلامية يمكن أن يكون محدودًا بالتفاعل مع الجمهور ويعتمد على قنوات اتصال مركزية. يوفر تفاعلات أكثر مرونة وشخصية للمستخدمين. التفاعل تكنولوجيًا مع الجمهور ومساعدة كل منهم في الانتقال من مستوى التَفَكُّــِر الذي ينتمي إليه إلى المستوى التَفَكُّــِري الأعمق، بهدف الارتقاء للأفضل.
مهمة التقنيين التقنيون يعملون على صيانة الأجهزة الإلكترونية والبث. التقنيون يعملون على تطوير المواقع، وتحسين تجربة المستخدم، وضمان الأمان السيبراني. تلبية الاحتياجات التكنولوجية اللازمة لاستمرار متعة التفاعل التَفَكُّــِري بمرونة من قِبَل الجمهور كل حسب مستواه التَفَكُّــِري.
الاحتراف الإعلامي يتبع معايير مهنية تقليدية في الإعداد والبث. يتطلب معايير جديدة تتعلق بالتفاعلية، والتحديث المستمر، والتخصص في مجالات متعددة. القدرة على استثارة التَفَكُّــِر الحِكْمِي بما يحمله من قيم إبداعية لدى الجمهور على اختلاف مستوياتهم التَفَكُّــِرية، عند صياغته للمحتوى الإعلامي المقدم لهم، بشكل يسهم في تحقيق الغاية من خلق الإنسان في الكون.
• نموذج تصميم البصمة التَفَكُّــِرية للإعلام التكنولوجي والتربوي ( CFDTMEMM )
Contemplative Fingerprint Design for Technological Media and Educational Media Model
هو منظومة متكاملة تحدد للإعلامي، والإعلامي التربوي، وكل من يتصدر المشهد الإعلامي سواء كان (عالمًا – باحثًا – أديبًا – مثقفًا – شاعرًا – معلمًا – متخصصًا في أي مجال.. )، يحدد الخطوات التي يجب أن يتبعها الإعلامي عند ممارساته المهنية، وإبراز قدراته ومهاراته الفنية كإعلامي مُتَفَكِّر، تبدأ باستعداء ( نظارة التَفَكُّر) بداخله، للتبصر بتحديد المعضلات ( مدخلات ) ( كمرسل متفكر )، يُعد ويخطط في ضوء ميثاق الشرف الإعلامي، لـ ( معالجة المعضلات ) في سياقاتها المتعددة، من خلال تصميم وصياغة ( الحكمة التَفَكُّرية لمحتوى الرسالة الإعلامية ) ، وإنتاجها، معتمدًا في ذلك على المستحدثات التكنولوجية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي ( تقنيات المعالجة التَفَكُّرية)، ليعكس من خلالها ( البصمة التَفَكُّــِرية ) للإعلامي لتي أعتبرها أهم عنصر من عناصر (مخرجات) المنظومة الإعلامية، والتي بدورها تستثير ( التَفَكُّر الحِكْمِي ) لدى الجمهور ، أو المتعلمين ( المستقبلين )، بتفاعلهم التَفَكُّري، وتقديم التغذية الراجعة التَفَكُّرية، بهدف الارتقاء بهم ومعهم، سواء عند الاختلاف أو الاتفاق، والاهتداء الأكمل لكل من: ( التَفَكُّر الإبداعي ) أو ( التَفَكُّر الابتكاري )، لمعالجات المعضلات في سياقات أخرى بالحياة، بهدف إنشاء أجيال من المتَفَكِّرين لديهم القدرة والمهارة على الارتقاء بمجتمعاتنا العربية نحو تحقيق الغاية الكبرى من خلق الإنسان في الكون.
• شرح مكونات نموذج تصميم البصمة التَفَكُّــِرية للإعلام التكنولوجي والتربوي ( CFDTMEMM )، ( كما بالشكل الموضح ):
أولًا: مرحلة المدخلات التَفَكُّرية:
1 – ( استدعاء النظارة التَفَكُّرية للمرسل ):
يستطيع الإعلامي (كمرسل مُتَفَكِّر) في ضوء (الميثاق الإعلامي وشرف المهنة)، من خلالها استبصار (المعضلات في
سياقاتها التَفَكُّرية)، ومن مصادرها الأصلية، وتحليل وتشخيص وتقييم واقعها، بكل دقة وشفافية ومصداقية، والمرسل
المُتَفَكِّر هو مصدر الرسالة والناقل لها، وهو العنصر الرئيسي في عملية الاتصال، ويجب أن يستخدم بوصلته التَفَكُّرية
بهدف تطوير الواقع إلى الأفضل في مجال ما ليكون قدوة تَفكُّرية مسؤولة في تقديم رسالته الباعثة على التذوق الجمالي
القيمي للتَفَكُّر الذي تتضمنه الرسالة عند صياغة محتواها، وأرسالها للآخرين، بهدف الارتقاء مع الآخرين عند الاختلاف
أو الاتفاق، والاهتداء الأكمل لاختيار وانتقاء أفضل الطرق الإبداعية ( التَفَكُّر الإبداعي ) أو الابتكارية ( التَفَكُّر الابتكاري )،
لمعالجات المعضلات التي تتضمنها محتوى رسالته بكل تفاصيلها بشكل دقيق وبسيط، يحقق الهدف التَفَكُّري منها. حيث
يمكن تعريف نظارة التَفَكُّر في ظل التعامل مع التكنولوجيا ومستحدثاتها، كالتالي:
نظارة التَفَكُّر التكنولوجي (TCG)، وهي اختصار للمصطلح Technological Contemplation Glasses:
يمكن القول بأنها: " نظارة تتيح القدرة للإنسان في أي مجال، على التبصر بحقيقة الأمور، ومعالجتها تفكريًا ( بالتفكير المعرفي، والتأمل الوجداني، والتدبر العقلي )، والقدرة على تذوق جمال الحكمة ( التَفَكُّر الحِكْمِي ) في المواقف والمعضلات ضمن سياقاتها المتعددة، والتخطيط لصنع أي عمل أو مُنْتَج، يسهم به مع الآخرين في الارتقاء بالفكر، والسلوك، والوجدان، والقيم الإنساني بمجتمعاتنا العربية الأصيلة إلى الأفضل، والعمل على استثارة الخلايا العصبية التَفَكُّرية لإدراك وتكوين روابط، وعلاقات جديدة، لم تكن معروفة من قبل ، بهدف تحقيق الغاية من خلق الإنسان في الكون، كما أرادها الله عز وجل "، حتى لو بدى لنا الشيء سلبيًا أو سالبًا، في كل ما تراه العين، وكل ما تسمعه الأذن، وتستكشفه الحواس، سواء بالتعامل الواقعي المباشر، أو الافتراضي من خلال المستحدثات التكنولوجية أو تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
فإن نظارة التَفَكُّر التكنولوجي ( TCG )هي نظارة طبيعية خلقها الله عز وجل في عقل وقلب وروح كل مؤمن بالله واليوم الآخر، لا تعتمد في عملها على الإنترنت، ولا البلوتوث، ولا GPS، ولا هي مثل نظارات الواقع الافتراضي أو الواقع المعزز ، ولا هي مثل النظارات الحاسوبية الذكية المبرمجة والتي تستخدم التكنولوجيا الخلوية أو Wi-Fi، ولا تمتلك أجهزة استشعار إلكترونية لتجميع البيانات، بل تعتمد على الممارسات التَفَكُّرية ببرمجة ربانية للخلايا العصبية التَفَكُّرية، لا تمتلكها التكنولوجيات الحالية أو المستقبلية، ولكن أتمنى من أعماق قلبي أن نرى توظيف التكنولوجيات المستحدثة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما يسهم في مساعدة الإنسان ليكون مُتَفَكِّرًا مبدعًا تكنولوجيًا، لا مستخدمًا غبيًا في كل مجال يعمل به.
2 – ( التخطيط التَفَكُّري لمعالجة المعضلات ):
يستطيع الإعلامي (كمرسل مُتَفَكِّر)، أن يخطط لمعالجة المعضلات، من حيث: تحديد سياقاتها، وأسباب حدوثها، وتطورها، مع استطلاع آراء الجمهور والمتخصصين، وتصنيف احتياجات الجمهور، وخصائصهم، وفق مستويات تَفَكُّرهم، ووضع سيناريو مبدئي لتحديد الاحتياجات والمتطلبات القبلية اللازمة لعملية تصميم وإنتاج المحتوى الإعلامي التَفَكُّري بكل وسائطه وعناصره البشرية والتكنولوجية، وجميع الأدوات المطلوبة، لمعالجة المعضلات بحكمة تستثير التَفَكُّر لدى الجمهور والتدرج بهم من مستوى التفكير ثم التأمل، ثم التدبر، حتى يصل بهم إلى أن يسهم كل منهم بتفكره الإبداعي حول المشاركة في معالجة المعضلات بطرق جديده مبتكرة، مع مراعاة مشاركة فئات الجمهور من ذوي الفئات الخاصة.
ثانيًا: المعالجة التَفَكُّرية للمحتوى الإعلامي:
يستطيع الإعلامي المُتَفَكِّر، أن تكون لديه القدرة والمهارة على صياغة المحتوى التَفَكُّري للمحتوى الإعلامي ( الرسالة التَفَكُّرية The Contemplative Message )، وهي المحور الأساسي في عملية الاتصال، ويجب أن يتم تصميمها بانتقاء كافة عناصرها، لتقوم بدورها في تفعيل البوصلة التَفَكُّرية للمتلقي، من حيث صياغة الأفكار والمعلومات ومكوناتها اللغوية وصياغة تَفَكُّرية سواء كانت مكتوبة أو مصورة أو المسموعة أو متحركة... بهدف الإسهام في تحقيق الربط التَفَكُّري بين: ( المعلومات، والمعارف ) المتضمنة في رسالته، وبين ( الغاية من حكمة الخَلْقِ، و الإنسان في الكون ) لدى المستقبلين للرسالة لحثهم على التَفَكُّر الحِكْمِي، فأهم ما يميز الرسالة التَفَكُّرية أنها تفتح أفاقًا جديدة لمزيد من السياقات الموقفية التَفَكُّرية للآخرين، وهذا يعني أن الرسالة التَفَكُّرية لابد وأن يكون لها معايير خاصة بها عند تصميم محتواها بكافة الأشكال المرئية والمسموعة، يجب الحرص على تطبيقها ، وتحكيمها وتقويمها، قبل إرسالها للمستقبلين للتأكد من سلامة محتواها التَفَكُّرية.
وتتمثل هذه السياقات التَفَكُّرية للرسالة الإعلامية في الآتي:
1 – السياق اللغوي: دقة وسلامة ووضوح اللغة المكتوبة أو المنطوقة، مما يؤدي إلى الإسهام في تنمية مهارة التذوق اللغوي
لدى الجمهور.
2 – السياق المنطقي لعرض المعضلات والأفكار والأحداث وطرق معالجتها بطريقة متسلسلة، وموضوعية، وجذابة ومشوقة
ومثيرة، مما يؤدي إلى الإسهام في تنمية مهارة التذوق التَفَكُّري المنطقي لدى الجمهور.
3 – السياق الذاتي : الحث على أهمية التعاطف الوجداني للمشاركة التَفَكُّرية الفعالة، مما يؤدي إلى الإسهام في تنمية قدرات
ومهارات الفرد على اكتشاف ذاته، وأهمية تعاونه في المشاركة.
4 – السياق البصري : انتقاء العناصر البصرية من صور ورسومات وألوان ورموز... بدقة، تعبر عن مضمون حقيقي راقِ
يسهم في تنمية مهارة التذوق البصري لدى الجمهور.
5 – السياق الوطني والقومي : ربط أهمية معالجة المعضلات من خلال المحتوى الإعلامي التكنولوجي المُقدَّم، بحرية الرأي،
وضرورة التكيف التَفَكُّري مع الحقوق والمسؤوليات عند الاختلاف مع الآخر، والإسهام في تنمية مهارات التَفَكُّر (الإبداعي
/ الابتكاري) في القضايا القومية، لتعزيز الانتماء الوطني والعربي..
6 – السياق الكوني : لابد وأن تتضمن أي رسالة الإعلامية في محتواها التقليدي أو التكنولوجي تذكير القارئ بـ ( الغاية من
حكمة الخَلْقِ، و الإنسان في الكون ).
ثالثًا: التقنيات التَفَكُّرية:
المستحدثات التكنولوجية Technological innovations:
تعتمد قنوات الاتصال اليوم على تقنيات ومستحدثات التكنولوجيا وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتي من خلالها يتم إنتاج المحتوى الإعلامي للرسالة التَفَكُّرية بين المرسل المُتَفَكِّر، والمستقبل المُتَفَكِّر، ومن أهمها، الكتب والصحف والمجلات، سواء كانت ورقية أو إلكترونية يتم من خلالها نقل الأخبار والمعلومات والمعارف والصور ومقاطع الفيديو بواسطة أجهزة الكمبيوتر، والهواتف الذكية، ومواقع ومنصات التواصل الاجتماعي... وغيرها عبر شبكة الإنترنت، فيجب أن يكون هناك معايير للإنتاج التَفَكُّري ، بمعنى الدقة في جودة مواصفات إنتاج عناصر الرسالة الإعلامية وفق مستويات وسياقات التَفَكُّر بدقة، وانتقاء أفضلها بما يتناسب مع طبيعة محتوى الرسالة التَفَكُّرية، وتوفير التفاعل التَفَكُّري مع المستقبلين لها، بمعنى قدرة تطبيقات الذكاء الاصطناعي على تصنيف إجابات ومشاركات الجمهور حسب مستوى التَفَكُّر لكل منهم ( مفكر – متأمل – متدبر – مُتَفَكِّر )، و تصميم الخوارزميات المرتبطة على توليد معلومات تتناسب مع مستوى التَفَكُّر لكل فرد، بالإضافة إلى تطبيق الصيانة الدورية لضمان كفاءة التقنيات التكنولوجية والأمن السيبراني لها.
رابعًا: المخرجات التَفَكُّرية:
البصمة التَفَكُّــِرية Contemplative Fingerprint:
تشير إلى الأثر التَفَكُّري العميق الذي يتركه الفرد في كل عمل يقدمه أو ينتجه في مجال ما، بحيث تعكس قدراته ومهاراته التَفَكُّرية الإبداعية في التعامل مع الأفكار، والمعلومات، والمعارف، لمعالجة المعضلات، واستثارة ( التَفَكُّر الحِكْمِي ) لدى الآخرين، وتحفيزهم على إدراك واستكشاف علاقات جديدة، في سياقات متعددة، تسهم في الارتقاء بالواقع إلى الأفضل، لتحقيق الغاية من خلق الإنسان في الكون، إن هذه البصمة التَفَكُّــِرية تدعونا للفلترة التَفَكُّرية عند تفاعلنا مع المعلومات في عصر التكنولوجيا الحديثة، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تأثيرات على المجتمع ككل، فعالم الأفكار هو عالم متشابك ومعقد، حيث كل بصمة تترك تأثيراً خاصاً في نسيج التاريخ والمعرفة.
فالممارسات التَفَكُّرية في العمل الإعلامي التكنولوجي هي مِفتاح لكل سلوك إيجابي، فكلما زادت تلك الممارسات في كل عمل، كلما زاد التَفَكُّر الحِكْمِي الذي يتضمن: ( التَفَكُّر الإبداعي أو التَفَكُّر الابتكاري )، فكلما كانت أنماط الحياة والمواقف في كل تلك البيئات قائمة على إدراك الفرد لمرجعية " من التفكير إلى التَفَكُّر"، كلما زاد ت كفاءة نظارته التَفَكُّرية.
فإذا لم نرث من الإعلام التكنولوجي أو التقليدي.. أو المعلومات والمعارف، أو أي علم.. مهارات فن (التَفَكُّر الحِكْمِي)، أي التَفَكُّر الذي يؤدي ويرتقي بفكر وسلوك ووجدان إلى الحكمة، فلا خير فيه، والحكمة ذكرها الله عز وجل في كتابه الحكيم، بقوله تعالى: " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ " ( البقرة- 269 ).