فصل جديد في صراع النفوذ بين واشنطن وبكين


قبل أيام من قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان" المقررة في ماليزيا، تتجه الأنظار إلى الدولة الصغيرة "تيمور الشرقية" التي تستعد رسميًا للانضمام إلى المنظمة الإقليمية كعضوٍ حادي عشر، في خطوة وُصفت بأنها "تفتح فصلًا جديدًا في منافسة النفوذ بين الولايات المتحدة والصين".
ويرى المقال التحليلي الذي نشره الباحث الأمريكي ديريك غروسمن، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جنوب كاليفورنيا، في مجلة فورين بوليسي، يرى أن انضمام تيمور الشرقية – الدولة الديمقراطية الوحيدة الكاملة في جنوب شرق آسيا – سيعيد توازن القوى داخل الرابطة ويمنح واشنطن فرصة نادرة لتعزيز حضورها في منطقة تُعد اليوم إحدى أهم ساحات التنافس الدولي.
ديمقراطية حرة في وجه الصين
بحسب غروسمن، فإن دخول تيمور الشرقية إلى «آسيان» سيعطي دفعة لمعسكر الدول الديمقراطية داخل التكتل، مثل إندونيسيا وماليزيا والفلبين، في مواجهة النفوذ المتزايد للدول الأقرب إلى الصين، مثل كمبوديا ولاوس وميانمار.
ويُعد الرئيس التيموري جوزيه راموس-هورتا، الحائز على جائزة نوبل للسلام، أحد أبرز الداعمين لسيادة القانون الدولي. فقد قال في مؤتمر حول الأمن البحري مؤخرًا "القانون الدولي هو الأساس الذي بنينا عليه استقلالنا"، هذا الموقف كما يشير الكاتب، ينسجم مع الرؤية الأمريكية التي ترفع شعار «منطقة حرة ومفتوحة في المحيطين الهندي والهادئ» في مواجهة سياسات بكين التوسعية، خاصة في بحر الصين الجنوبي.
تقارب سياسي مع واشنطن
وفي مقابل التقارب السياسي مع واشنطن، تبقى الصين الشريك الاقتصادي الأكبر لتيمور الشرقية، فمشروعات مبادرة "الحزام والطريق" تُشكل شريان حياة لاقتصاد هذا البلد الصغير، بدءًا من طريق "سواي السريع" الذي أنجزته الشركات الصينية عام 2018، وصولًا إلى مشروع الري الزراعي العملاق المنتظر أن يضاعف دخل المزارعين بحلول 2028.
ويشير "غروسمن" إلى أن هذا التداخل بين المصالح السياسية الأمريكية والمشروعات الاقتصادية الصينية “يجعل من تيمور الشرقية ساحة اختبار مصغرة لسباق النفوذ بين القوتين العظميين”، حيث يحاول كل طرف توظيف عضوية الدولة الجديدة في "آسيان" لصالح رؤيته الخاصة بالنظام الإقليمي الجديد.
واشنطن تكسب.. لكن بحذر
رغم أن انضمام تيمور الشرقية يُعد مكسبًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، يحذر الكاتب من أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – في ولايته الثانية – قد لا تُبدي الحماسة الكافية لاستثمار هذه الفرصة. فالتقارير الأولية تشير إلى أن واشنطن تميل الآن إلى التركيز على الدفاع عن النصف الغربي من الكرة الأرضية أكثر من استمرار المواجهة المفتوحة مع الصين في آسيا.
ويضيف غروسمن أن "الصمت الأمريكي" إزاء خطوة الانضمام يعكس فتور الاهتمام بملف جنوب شرق آسيا، في وقت تتحرك فيه بكين بسرعة لملء الفراغ. فالصين كانت أول من رحّب رسميًا بانضمام تيمور الشرقية، ورفعت مستوى العلاقات الثنائية معها إلى شراكة استراتيجية شاملة عام 2023، في رسالة واضحة لواشنطن مفادها أن النفوذ لا يُترك فارغًا.
تيمور على خط النار
وبينما لا تُعد "آسيان" تحالفًا أمنيًا بالمعنى العسكري، فإن دخول تيمور الشرقية سيُعيد رسم التوازن داخلها، إذ يمنح الكتلة الديمقراطية مساحة أوسع داخل كيان لطالما سعت بكين إلى تطويعه سياسيًا واقتصاديًا.
ويخلص غروسمن إلى أن تيمور الشرقية تمثل اليوم "الرهان الأمريكي الأخير في جنوب شرق آسيا"، لكنها في الوقت ذاته الفرصة التي قد تضيع إن استمرت واشنطن في تجاهل التحولات المتسارعة في المنطقة، فالصراع على النفوذ لا يعرف الفراغ، والدولة الصغيرة ذات المليون ونصف المليون نسمة قد تتحول إلى رقعة مركزية في لعبة الشطرنج بين الشرق والغرب.