السبت 18 أكتوبر 2025 11:05 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

عصام بيومي يكتب: نحن نعيش يوم القيامة!

الكاتب الكبير عصام بيومي
الكاتب الكبير عصام بيومي

عند اقتراب العام، 2000، كان الناس في أنحاء العالم يتوجسون، يتخوفون،
يتساءلون، في ظنون، "نهاية العالم متى تكون"؟
كان الكل يتساءل، وقتها، هل ستقوم القيامة عندما تنتهي الساعة الأخيرة في العام 1999! وكيف سيحدث ذلك؟
كانت هناك حالة قلق كبيرة بين الناس. وكانت هناك عملية ترهيب كبيرة قادها بالطبع الإعلام الغربي المغرض في كل نفس يتنفسه وفي كل كلمة يبثها، من أن وصول العام 2000، قد يعني يوم القيامة، وأن كل شيء سيتوقف، الكمبيوترات والهواتف، و..إلخ. والعالم سينتهي ويزول.. ولكن...
مر العام 2000، ومرت أعوام بعده كثيرة، ظل الناس خلالها بتحريض الإعلام الغربي لا ينفكون يتحدثون عن نهايات أخرى متوقعة للعالم، منها العام 2012، مثلا.. وصُنع لذلك فيلم مخصوص في العام 2009. ومر العام 2012، أيضا ولم ينتهي العالم.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه- وبغض النظر عن النهاية الفعلية التي يرث الله عندها الأرض ومن عليها وهي آتية لا محالة- هو: هل العالم الذي نعيش فيه الآن هو نفس العالم الذي كنا نعيش فيه قبل العام 2000، أو حتى هل هو العالم الذي كنا نتمناه وننتظره- تحت وابل الترويج الإعلامي المضلل في إطار الحرب على العقل البشري- لمستقبل أفضل توفره التكنولوجيا الحديثة، وتجعلنا نعيش على الكواكب الأخرى، أو "الثورة الصناعية الرابعة"، كما يسميها دعاة العولمة أو "العولميون" ومن أخطرهم كلاوس شواب، مؤسس منتدى ديفوس الاقتصادي العالمي، صاحب ما يسمى برنامج " إعادة الضبط الكبرى للعالم".
ربما أمكننا أن نجيب على السؤال الكبير "هل قامت القيامة في العام 2000" أم لا؟ من خلال الإجابة على السؤال الفرعي: هل العالم الذي نعيشه الآن هو ذاته الذي كان قبل العام 2000؟ وهل هو أفضل؟
بمسح سريع وبسيط لأحوال العالم سنجد أن خريطة الصراعات العالمية تزايدت ولم تتراجع، المجاعات والأوبئة اتسع نطاقها ولم تختف، معدلات الفقر تزايدت وتبلورت بنسبة ترسخ معادلة الواحد بالمئة الذين يملكون معظم الثروات في الحياة وال99 بالمئة الذين يكادون يعيشون الحياة، مع انكماش الطبقة المتوسطة تدريجيا وانضمامها الى الطبقات الفقيرة والمعدمة في كل المجتمعات وبلا أي استثناء تقريبا حتى في الدول المتقدمة وكثير من الدول النفطية.
ما حدث هو ارتفاع متواصل في نفقات المعيشة وخفض متواصل في القيمة الشرائية والفعلية للرواتب والإيرادات، افتعال للأزمات وتسهيل متواصل لمستلزمات الترف واللهو والضياع..
والحصيلة الإجمالية لكل هذا لم تنتج بالتأكيد إنسانا أسعد من ذي قبل، فإنسان عالم ما بعد العام 2000، أكثر تعاسة وقلقا وخوفا على حاضره ومستقبله من إنسان العصور القديمة. فالتكنولوجيا الحديثة لم تنتج الوفرة والرفاهية الموعودة، بقدر ما أنتجت المرض والعوز والغلاء والشح.
فكلما كان العصر سابقا في التاريخ كان مرتبطا في نفوس الناس بالحنين والحسرة على ذهابه، مهما كانت تفاصيله. وكلما كان مرتبطا بعلامات تاريخية مميزة تجعلك تشعر بالحنين إليها ولو أحيانا، أو تجعلها على الأقل مميزة فتقول مثلا إن فترة الأربعينيات من القرن الماضي كانت عصر الحرب والدمار وسرقة فلسطين، لكن كان هناك أمل. وإن فترة الخمسينيات والستينيات كانت عصر التحرر من الاستعمار، والنهوض (أو هكذا أقنعونا)، وكان هناك أمل. بينما كانت فترة السبعينات ومعظم الثمانينيات، هي فترة الأمل والطموح، الفردي والعام، في بناء الحياة والأسر والتقدم واللحاق بركب الحضارة (كذلك هكذا أقنعونا). وهكذا، حتى جاءت الألفية الثالثة التي نحن فيها ولم تعد هناك ملامح لأي شيء ولا أمل في أي شيء. أصبحنا في عصر بلا ملامح، أو لنقل أن الملمح الوحيد فيه هو أن قلة من البشر يختفون في الغرف المظلمة ليوجهوا العالم نحو الهلاك، وكثرة من البشر يختفون وراء شاشات كبرت أو صغرت، تأخذ بألبابهم وتتحكم فيهم (بتوجيه تلك القلة). وباتت الشاشات مثل سجون أو آلهة كالتي كان يحملها كفار الجاهلية في جيوبهم وأمتعتهم أنى ذهبوا... لقد تقطع ما بين الناس بعضهم والبعض.
لم تأت العولمة بالتقريب بين البشر بقدر ما باعدت بينهم. كما يقول البروفيسور الراحل وليام كولمان مدير معهد "العولمة والحالة الإنسانية" بجامعة ماكماستر الكندية ، في لقاء صحفي مطول أجريته معه في العام 2007. يقول: ربما تكون وسائل التواصل "العولمية" سهلت الاتصالات بين البشر وقربت المسافات الزمنية، لكنها أيضا باعدت بينهم في المسافات المكانية والوجدانية. تجد أفراد عائلة واحدة ويعيشون في منزل واحد، ويتواصل أحدهم مع الآخرين من خلال "الواتس" أو "الميسينجر" مع أن بينهم حائط أو على الأكثر طابق واحد. وربما لا يرى بعضهم البعض بالأيام بلا أدنى مبالغة. لدرجة أن الوقت بات بلا قيمة، فرسالة من أقصى شرق الأرض تصل إلى غربها في لمح البصر، أو أقرب. والمسافات أيضا فقدت خواصها، فربما غريب عنك في أقصى الأرض يكون قريبا منك على الإنترنت، وأفراد عائلتك بعيدون عنك وكل في عالمه الخاص. وبالنسبة للبعض، صار البعيد أهم من القريب، والعدو أقرب من الأخ، والخيانة أحب من الأمانة. وهذه كلها من علامات وسمات يوم القيامة.
على كل حال، فنحن، وبكل جدية وبغير مزاح، أو مبالغة، نعيش يوم القيامة. ألم يقل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: بُعِثْتُ أنا والسَّاعَةَ كَهذِه مِن هذِه، أوْ: كَهاتَيْنِ وقَرَنَ بيْنَ السَّبَّابَةِ والوُسْطَى.. نحن نعيش يوم القيامة ولكن الناس في غفلة معرضون.

[email protected]

عصام بيومي نحن نعيش يوم القيامة! الجارديان المصرية