السبت 18 أكتوبر 2025 11:05 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

هيثم جويدة يكتب: أطفالنا.. حين تسرق ”الذاكرة الزرقاء” عقول الجيل القادم!

الإعلامى هيثم جويدة
الإعلامى هيثم جويدة

لم تعد الهواتف في أيدي الأطفال وسيلة ترفيه بريئة كما كانت إنها اليوم نافذة مفتوحة على عالم يلتهم الوعي قبل أن يُدركه الطفل فبين كل تمريرة شاشة ولحظة انبهار، هناك عقل صغير يفقد شيئا من ذاكرته دون أن يشعر. دراسة جديدة من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو أطلقت جرس إنذار حقيقي، بعدما أثبتت أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي يضعف القدرات اللغوية والذهنية للأطفال، ويؤثر بشكل مباشر على ذاكرتهم ومفرداتهم.
تتبعت الدراسة أكثر من 6000 طفل تتراوح أعمارهم بين 9 و11 عاما ضمن مشروع طويل الأمد لتطور الدماغ وكشفت النتائج أن الأطفال الذين يقضون وقتا أطول على تطبيقات التواصل الاجتماعي يحققون نتائج أقل في اختبارات القراءة والذاكرة والمفردات. كل ساعة إضافية أمام الشاشة كانت كفيلة بخسارة درجة أو أكثر في القدرات المعرفية.
قسّم الباحثون المشاركين إلى ثلاث مجموعات:
الأولى لا تستخدم المنصات أو تستخدمها نادرًا، الثانية تقضي نحو ساعة يوميا، والثالثة تجاوزت ثلاث ساعات من التصفح.
النتيجة كانت واضحة: المستخدمون المعتدلون فقدوا درجتين في المتوسط، بينما المفرطون خسروا ما يصل إلى خمس درجات مقارنة بمن ابتعدوا عن المنصات كليًا.
قال الدكتور سانجيف كوتاري، مدير طب أعصاب الأطفال في مركز كوهين الطبي، أن المشكلة لا تكمن فقط في الوقت أمام الشاشة، بل في طبيعة التفاعل فمواقع التواصل تستهلك الانتباه والتركيز بطريقة مستمرة، وتدفع الدماغ للعمل في حالة استنفار ذهني دائم، ما يضعف الذاكرة ويقلل من كفاءة التعلم.
ويشير كوتاري إلى أن التلفزيون رغم سلبياته لا يحمل التأثير ذاته، لأنه لا يتطلب تفاعلًا ذهنيا مكثفا. أما شبكات التواصل فتجعل الطفل جزءًا من دائرة دائمة من الانفعال، التصفح، المقارنة، والمكافأة اللحظية، وكلها عناصر تؤدي إلى إنهاك إدراكي مبكر.
التحذيرات لا تتوقف عند حدود التعليم فقد أكدت تقارير صحية أمريكية أن الاستخدام المفرط لهذه المنصات قد يؤثر على مناطق الدماغ المسؤولة عن المشاعر والسلوك، ويزيد خطر الاكتئاب والقلق وتراجع احترام الذات لدى المراهقين.
إزاء ذلك، بدأت بعض الحكومات اتخاذ قرارات حاسمة ففي مدينة نيويورك طبق مؤخرًا حظر شامل لاستخدام الهواتف الذكية في المدارس من الجرس إلى الجرس، وهو إجراء أثار الجدل في البداية لكنه أثبت نجاحه أحد المعلمين وصف القرار بأنه "أفضل ما حدث للتعليم منذ سنوات"، بعدما لاحظ زيادة التركيز وتفاعل الطلاب داخل الفصول.
لكن تبقى الأسرة هي الجدار الحقيقي في المواجهة فالمنع وحده لا يجدي، بل الوعي والتوازن هما الأساس والمطلوب من الأهل بناء علاقة صحية بين الطفل والتقنية، تعتمد على التحفيز الإيجابي لا القيد فوجود ساعة للقراءة أو للرياضة قد تكون أثمن من ساعات طويلة من التصفح الصامت، لأن بناء الذاكرة لا يتم بالصور، بل بالتجربة والاختبار.

رسالتنا:
ما يجري اليوم ليس خطرًا تقنيا فحسب، بل أزمة قيم ووعي فهناك
جيل كامل يتشكل داخل شاشات تسرق لغته وتختصر ذاكرته في مقاطع سريعة بلا عمق ولا معنى.
إن حماية الأطفال تبدأ من إعادة تعريف الزمن الحقيقي للطفولة، ومنحهم فرصة لاكتشاف العالم بعيونهم لا بعدسات هواتفهم
فلنضغط جميعا على زر "تسجيل خروج" قبل أن تُطفئ "الذاكرة الزرقاء" آخر ما تبقى من نور في عقول الجيل الجديد.

هيثم جويدة أطفالنا.. حين تسرق ”الذاكرة الزرقاء” عقول الجيل القادم! الجارديان المصرية