الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 07:24 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : حب من أول جلطة

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

في زمنٍ لم يعد فيه القلبُ يحتملُ أكثرَ من إشعارٍ أو مكالمةٍ صوتيةٍ عابرة، صار الحبُّ يشبهُ “نغزةَ قلبٍ” أكثر من كونه شعورًا عميقًا. كأنّ العشقَ لم يعد يُولد من النظرات، بل من السرعة في الضغط على زر “إعجاب”، ومن اللهفة وراء آخر ظهور في تطبيقٍ لا يعرف من الإنسان سوى صورته ووقت اتصاله!
أصبحنا نعيش عصر “الحب من أول جلطة” — لا لأنه مؤثر، بل لأنه صادم، مباغت، يجعل القلب يقف دقيقةَ صمتٍ قبل أن يبدأ حفلة من الخيالات!

الحالمون بهذا النوع من الحب يعيشون في عالمٍ ملوّن، مفعمٍ بالأغاني والرسائل الطويلة، بالوعود المرسومة على الشاشات، وبالعبارات التي تُقال بمهارة كاتب درامي محترف. هناك، في ذلك العالم الوردي، يكون الحبيب فارسًا نبيلًا لا يخطئ، والفتاة ملاكًا لا يغضب. كل كلمة “بحبك” تُقال وكأنها تعويذة ضد الحزن، وكل “وحشتيني” كأنها مصلٌ يمدّهم بالحياة. يعيشون الحلم كاملًا، ينامون عليه، ويستيقظون على صورته، ويتحدثون عنه كما لو أنه معجزة العصر الحديث.

لكن الحقيقة؟ الحقيقة قاسية كصفعة “إلغاء المتابعة”.
فما أن يلتقي الحلم بالواقع حتى تظهر التجاعيد على وجه الحب المصفّى رقميًا.
حين تُطفأ الشاشة، يكتشف الطرفان أن الصوت الذي كان “حنونًا” عبر السماعة لا يعرف الإصغاء في الحياة، وأن الكلمات التي كانت تذيب القلب تُقال وهي تُنسخ من محادثةٍ سابقة!
الواقع مؤلم لأن الحلم كان أجمل من أن يُصدّق، مؤلم لأنه لا يحتوي فلاتر ولا رموز قلوب متحركة، مؤلم لأنه يسأل: من أنت حقًا؟ وليس كم لايك جمعت؟

الحب الحقيقي يا سادة لا يأتي من أول “جلطة”، بل من أول “اختبار”، من أول موقفٍ صعبٍ يُظهر معدن الإنسان، من أول صمتٍ طويلٍ يُثبت فيه أنه ما زال على العهد. أما الحب السريع هذا، فهو يشبه إعلانًا تجاريًا لوصفة سحرية: “احصل على السعادة في خمس دقائق فقط!”.
في الواقع، لا سعادة جاهزة، ولا حبّ يُبنى من كلمات مطبوعة، ولا علاقة تصمد على “إيموجي” وقلوبٍ افتراضية.

أولئك العاشقون الذين يعيشون في الخيال يظنون أن الحياة فيلمٌ رومانسي، وأن كل لحظة يجب أن تكون مليئة بالدهشة، لكنهم لا يدركون أن الدهشة نفسها لا تدوم.
في الحلم، يشتاقون كل خمس دقائق، ويغارون كل دقيقة، ويعاتبون كل ثانية.
أما في الواقع، فالمواصلات مزدحمة، والفواتير تتراكم، والمشاعر تحتاج إلى طاقةٍ أكثر من طاقة الشحن السريع.

أحيانًا، ينتهي “حبّ الجلطة” بنفس سرعة بدايته؛ فجأةً وبدون مقدمات، كأن أحدهم ضغط على زر “حذف المحادثة”.
لكن المضحك في الأمر أنهم يعودون بعد أيامٍ قائلين: “يمكن النت كان ضعيف”!
يتعاملون مع المشاعر كما لو كانت شبكةً تحتاج إلى تحسين الإشارة.

وفي النهاية، يا من أحببتَ من أول جلطة، تذكّر أن القلب لا يُعاد تشغيله كل مرة مثل الهاتف.
افتح عينيك على الواقع قليلًا، فالحياة ليست “ستورى” مؤقتة، ولا العشق “إشعارًا” يُمكن تجاهله.
الحب الحقيقي لا يحتاج واي فاي، بل صدقًا واتصالًا دائمًا بالقلب.
أما أنت يا صاحب الجلطة العاطفية، فخذ الأمور بهدوء…
فربما لا تحتاج حبًا جديدًا بقدر ما تحتاج قرص أسبرين ومكعب شوكولاتة ونومًا جيدًا.

حسين السمنودى حب من أول جلطة الجارديان المصرية