الخميس 27 نوفمبر 2025 12:27 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

مدحت الشيخ يكتب: الانتخابات البرلمانية بين المال السياسي وغياب الوعي

الكاتب الكبير مدحت الشيخ
الكاتب الكبير مدحت الشيخ

في كل دورة انتخابية، تتجلى مأساة الوطن على شكل مشهد واحد متكرر: المال السياسي يتقدم على الوعي بخطوات واسعة، وكأننا في سباق غير متكافئ، حيث يتسابق الجشع على التفكير، ويهزم العقل قبل أن يبدأ السباق. الأحزاب السياسية تبدو وكأنها أوراق في لعبة ورقية، تتنقل بين الممولين والمكاتب الانتخابية، ولا علاقة لها بالقواعد الشعبية الحقيقية، قاعدة بدون أحزاب، تنتظر الزبون الذي يحمل الجيب قبل الكلمة.

الشباب، الذين من المفترض أن يكونوا قلب الحياة السياسية، يراقبون المشهد من شاشات هواتفهم، ويعدّون الإعجابات والتفاعلات على وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يغيب عنهم أن صوتهم في الصندوق هو الذي يصنع الفارق الحقيقي. معظمهم اكتفى بالشكوى عبر المنشورات الساخرة، والبعض الآخر يختبئ وراء التعليقات الساخرة والرموز التعبيرية، كأن السياسة مجرد لعبة فيديو لا تتطلب منهم أي جهد أو مسؤولية.

المال السياسي هو السلاح الأقوى والأكثر تأثيرًا في هذا المشهد. إنه يفتح الأبواب المغلقة ويغلق القيم، ويحوّل الحملات الانتخابية إلى أسواق مؤقتة، حيث تُباع الوعود، وتُستعار الشعارات، وتُوزع الهدايا على المصوتين المحتملين، بينما المواطن العادي يظل متفرجًا على المسرح الكبير، يحاول فهم اللعبة لكنه يضل الطريق، ويخسر أمام القوة المالكة للأوراق النقدية.

النتيجة واضحة: أحزاب بلا جذور، برامج بلا روح، ووعود بلا مصداقية. قاعدة شعبية حقيقية؟ نادرًا ما نجدها، وقليل من يفكر في بناء قاعدة جماهيرية تعتمد على الحوار والفكرة والبرامج الحقيقية، لا على الإعلانات والدعاية المدفوعة. قاعدة بدون أحزاب، ليست مجرد وصف، إنها حقيقة صادمة على الأرض، تعكس عمق الأزمة في المشاركة السياسية وفي الثقافة الانتخابية.

الحل؟ يبدأ بالوعي الفردي، ثم بالمسؤولية الجماعية، وينتهي بقاعدة شعبية حقيقية للأحزاب. لا بد من تعليم المواطن أن المشاركة ليست ترفًا، وأن الانتخابات ليست مجرد يوم للتصويت، بل هي عملية مستمرة لبناء الوطن وصيانة الحقوق. الأحزاب التي لا تستطيع كسب القلوب قبل الجيوب ستظل مجرد أدوات في يد المال السياسي، وعرضة للانقراض الاجتماعي والسياسي.

في النهاية، السياسة ليست مسرحًا، ولا الانتخابات حفلة للهدايا والمال، إنها أمانة ومسؤولية. ومن يظل بعيدًا عن هذا الوعي، يبقى شاهدًا صامتًا على تكرار نفس الأخطاء، وعلى استمرار هيمنة المال على مستقبل الوطن.

مدحت الشيخ الانتخابات البرلمانية بين المال السياسي وغياب الوعي الجارديان المصرية