الخميس 25 أبريل 2024 12:23 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

خالد درة يكتب : بالعقل أقول ...( الحرية والإخاء والمساواة !!..)

خالد درة
خالد درة

حقيقة الثورة الفرنسية التي طالما صدعونا بمبادئها في الحرية والإخاء والمساواة ، وأنا الذى أعيش معهم وفيهم وأحصل على جنسيتهم أنا وأولادي ، لكن هذا لم يمنعنى أن أتناول ثورتهم بالتعليق والتحليل كونها ثورة التنوير فى أوروبا والحد الفاصل بين الظلام والنور ونقطة البداية والإنطلاق للشعب الفرنسى لتحقيق حياة كريمة عادلة متساوية ...
أرى أن الثورات كلها متشابهة المبادئ والأهداف فى نظريتها التى تتخذ من المبررات الإباحة بالمحظورات بفعل وإستباحة ما يحلو لها ولو كان على حساب الإنسانية والحرية لتصل إلى ما تهدف إليه بعد إنتهاكها العديد والعديد من الطرق المشروعة والغير مشروعة للوصول لأهدافها ،
ولو نظرنا إلى الثورة الفرنسية فنجد أنها إتخذت مبادئها من أفكار الفلاسفة جان جاك روسو وفولتير ومونتسكيه ورفعت عبارة (الحرية – الإخاء – المساواة) كشعار لها
ولكن إلى أي مدى إلتزمت الثورة بهذا الشعار سواء على صعيد الداخل الفرنسي إبان الثورة أو على صعيد سياسة حكومتها الخارجية فيما بعد ، و لويس الـ16 وزوجته في قبضة الثوار .
فيعلق روبرت دارنتون أستاذ تاريخ أوروبا الحديث في جامعة برنستون في ذكرى احتفال فرنسا بمرور مائتي عام على قيام الثورة الفرنسية قائلاً : إذا كانت فرنسا تحتفل بمرور مائتي عام على سقوط سجن الباستيل وهو أشهر سجون فرنسا وأوروبا وإزالة الإقطاع وإعلان حقوق الإنسان والمواطن فإن الوضع في فرنسا في الفترة التي قامت فيها الثورة لم يكن في حقيقة الأمر على كل ذلك القدر من السوء كما يعتقد الكثيرون.
فالباستيل كان خاليًا تقريبًا من السجناء وقت الهجوم عليه يوم ( 14 يوليو 1789م ) كما أن الإقامة فيه لم تكن سيئة تمامًا كما يتصور الناس ولكن ذلك لم يمنع الثوار من أن يقتلوا مدير السجن
لا لشيء إلا لأنه من النبلاء ، ثم طافوا بعد ذلك بجثته في الشوارع . كذلك كان الإقطاع قد إنتهى بالفعل وقت أن أعلنت الثورة إلغاءه أو لم يكن على الأقل موجوداً بمثل تلك الدرجة الفاحشة.
ويضيف قائلاً: وإذا كانت الثورة قد أعلنت حقوق الإنسان والمواطن فإنها لم تلبث أن أهدرت هذه الحقوق بما إرتكبته من جرائم ومذابح وموجات إرهاب إجتاحت فرنسا كلها بعد 5 سنوات فقط من إعلان تلك الحقوق
لدرجة أن بعض المؤرخين البريطانيين مثل ألفريد كوبان كان يصف هذه الإعلانات (حقوق الإنسان والمواطن) بأنها مجرد أسطورة.
ويقول المؤرخ الفرنسي بيير كارون الذي أصدر عام ( 1935م ) كتابًا عن المذابح التي حدثت في السجون الباريسية إبان عهد الثورة
يقول عن هذه المذابح أن هذه المذابح كان لها طابع (شعائري) جارف وقد بدأت بالهجوم على بعض السجون بزعم القضاء على بعض المؤامرات التي كانت تدبر فيها للإطاحة بالثورة وأقام الدهماء من أنفسهم محكمين وقضاة ومحلفين
في فناء هذه السجون حيث كان السجناء يقدمون للمحاكمة واحداً بعد الآخر فتوجه إليهم التهم ويحكم لهم أو عليهم ليس تبعاً للأدلة والشواهد وإنما تبعاً لمظهرهم العام وسلوكهم وشخصيتهم بل وتكوينهم الجسدي.
كما كان أي تردد أو أي إضطراب يظهر على الشخص يعد هذا دليلاً للإدانة
وعلى ثبوت التهمة عليه فيحكم عليه بالإعدام،
وكان الذي يتولى المحاكمة وإصدار الحكم شخصاً عادياً ، كما كانت أحكامه تُقابَل بالتصفيق والصياح من الجماهير الذين تجمعوا من الشوارع المحيطة وأصبحوا بمثابة محلفين ، وكان الشخص الذي يُحكم له ببراءته يؤخذ بالأحضان والتهنئة والقبلات ويطوفون به الشوارع ، بينما كان الشخص الذي يُحكم عليه بالإدانة يتم إعدامه طعناً بالخناجر والسيوف وضربه بالهراوات الثقيلة ثم تُنزع عنه ملابسه ويُلقى بجسده
فوق كومة من أجساد الذين سبقوه بمثل هذا الحكم .
والغريب أن الذين كانوا يقترفون هذه المذابح كانوا يرتكبونها أيضاً بإسم الحرية وحقوق الإنسان و( الأخوة والعدالة والمساواة )! فكم من الجرائم ترتكب بإسم هذه الشعارات ...
أما سيرجو بوسكيرو رئيس الحركة الملكية الإيطالية فيقول
إن الثورة الفرنسية كانت عبارة عن حركة معادية للشعب الفرنسي إبان قيامها ، كما أن أسطورة السيطرة الشعبية على سجن الباستيل لم تكن سوى عملية سطو على مخزن الأسلحة في الباستيل الذي كان يستضيف 7 مساجين فقط ، منهم 3 مجانين .
ويضيف قائلاً
أن الثورة الفرنسية بحق قامت بأكبر مجزرة في التاريخ أو على الأقل في الشعب الفرنسي حيث قتلت 300 ألف فلاح وهي بذلك تعد منبع الإرهاب العالمي إذ ولدت ظاهرة الإرهاب من الثورة الفرنسية .
أما على صعيد السياسة الخارجية التي إنتهجتها حكومات الثورة الفرنسية فقد جاءت متناقضة تمامًا مع ما أعلنته الثروة من مبادئ ( الحرية والإخاء والمساواة ) وبخاصة فيما يتعلق بشعوب آسيا وإفريقيا التي إستعمرتها فرنسا ، والتي تعاملت معها بمنطق السيد والعبد .
ومما يؤكد أسطورية المبادئ التي رفعتها الثورة الفرنسية
من الحرية والإخاء والمساواة إلقاء نظرة سريعة على بعض أفكار الفيلسوف الفرنسي مونتسكيه الذي قامت الثورة على مبادئه وأفكاره ،
وفي ذلك تقول الدكتورة زينب عصمت راشد
أستاذة التاريخ الحديث بجامعة عين شمس إنه ليؤسفنا حقًا أن ينخدع العالم بوجود مفكرين راشدين بين من زعموا أنهم ثاروا لدعوة الحق والحرية والعدالة والإخاء والمساواة وفيهم من إستحل ظلم الإنسان لأخيه الإنسان
لا لشيء سوى بشرته و لونه.
ويعد مونتسكيه أشهر الأمثلة على ذلك وهو من أئمة التشريع في الثورة الفرنسية وصاحب كتاب روح القوانين
إذ يقول في تبرير إسترقاق البيض للسود كلامًا لا يمكن صدوره من عقل مفكر يقول مونتسكيه : في بعض عباراته لو طلب مني تبرير حقنا المكتسب في إسترقاق السود لقلت أن شعوب أوروبا بعد أن أفنت سكان أمريكا الأصليين
لم تري بُدّاً من إسترقاق السود في إفريقيا لتسخيرهم في إستغلال تلك البقاع الواسعة ولولا إستغلالهم في زراعة هذه الأرض للحصول على السكر لأرتفع ثمنه.
يقول مونتسكيه مبررًا جرائم الإستعمار الأوروبي أن ما يأتي أولئك الذين سُخّروا في هذا العمل ليسوا غير أقوام من السود غليظى الأنوف لا يستحقون شيئاً من رحمة أو رشاد.
ويقول أنه لا يتصور مطلقًا أن الله بحكمته السامية قد وضع في تلك الكائنات
السود أرواحاً يمكن أن تكون طيبة.
هذه هى الثورات التى ترتكب بإسم الحرية والعدالة والمساواة الكثير من الجرائم فى حق الإنسانية والتى لا تعرف لها إسماً أو طريقاً أو عنواناً .