وصفى هنرى يكتب : الطب عند المصريين القدماء

في زمنٍ تتسارع فيه العلوم وتتطور فيه التقنيات، يبقى الرجوع إلى الجذور ضرورة لفهم الحاضر وبناء المستقبل. ومن بين من قدّموا إسهاماً نادراً في هذا المجال، يبرز اسم الدكتور رؤوف رشدي، استشاري النساء والتوليد، الذي أضاء جانبًا هامًا من التاريخ الإنساني من خلال بحثه الرائع بعنوان:“الطب عند المصريين القدماء ، دراسة شاملة” ، والذي نُشر في العدد الثاني من مجلة Aswan Africa Obstetrics & Gynecology Journal في مايو 2025.
تميز هذا البحث بكونه ليس مجرد سرد لمعلومات أثرية ، بل دراسة علمية موثقة تغوص في أعماق البرديات الطبية المصرية ، وتُحلّل بدقة كيفية فهم المصريين القدماء للمرض، وأدواتهم في التشخيص والعلاج، والأدوية التي استخلصوها من النباتات والمعادن.
تناول الدكتور رؤوف محاور متعددة، أبرزها:
أولا : البرديات الطبية مثل بردية إيبرس وبردية سميث، وما تحويه من وصفات طبية وتشخيصات دقيقة.
ثانيا : الجانب الأخلاقي والروحي في مهنة الطب، حيث كان الطبيب المصري كاهنًا في كثير من الأحيان، يجمع بين العلم والدين.
ثالثا : التخصص الطبي ، إذ عرف قدماء المصريين أطباء متخصصين في العيون ، الأسنان ، الجراحة ، وأمراض النساء والتوليد.
رابعا : الطب الوقائي، الذي لم يكن أقل أهمية من العلاج، من خلال النظافة الشخصية، والغذاء المتوازن، والوقاية من الأمراض.

أبرز ما يُميّز هذا البحث هو تسليطه الضوء على أن الطب لم يكن مجرد مهنة في مصر القديمة، بل نظام متكامل يعكس رقي الحضارة ، لقد كان الطبيب يحظى بمكانة اجتماعية مرموقة ، وكان يُنظَر إلى الجسد البشري باعتباره انعكاسًا للنظام الكوني، وبالتالي فإن أي خلل فيه يتطلب إعادة التوازن لا مجرد تسكين للأعراض.

تأتي اهمية بحث الدكتور رؤوف في زمننا الحالي في وقت تتعالى فيه الدعوات لإحياء العلوم القديمة وإعادة قراءتها بمنهج علمي حديث. والحق أن هذا البحث يُعد جسرًا بين الماضي والحاضر، يُعيد الاعتبار لتراثٍ مصري أصيل ظل لقرون طويلة سابقًا لعصره في دقة الملاحظة وفعالية العلاج.

تحية تقدير للدكتور رؤوف رشدي Raouf Roshdy ، الذي لم يكتفِ بعمله كطبيب معاصر متخصص في امراض النساء ، بل استعاد مجد الأطباء الأوائل من أرض النيل. ولعلّ بحثه يكون نواة لسلسلة دراسات تعيد للطب المصري القديم مكانته في التاريخ الإنساني، وتُبرز ما كان عليه من علم وضمير وابتكار
البحث صدر باللغة الإنجليزية وللمهتمين به يمكن التواصل مع الدكتور رؤوف رشدي .

وصفي هنري
ڤيينا ٩ أبيب ٦٢٦٦
١٦ يوليو ٢٠٢٥