مدحت الشيخ يكتب : من صدمة الدوحة إلى تحالف إسلام آباد


لم تكن قمة الدوحة الأخيرة مجرد محطة عابرة في مشهد الأزمات الإقليمية، بل مثلت صدمة سياسية عميقة دفعت العديد من العواصم إلى إعادة حساباتها. فقد كشفت القمة عن حجم التباينات في المواقف، وألقت الضوء على هشاشة النظام الإقليمي في مواجهة التحديات المتلاحقة، من توتر الخليج إلى حرب غزة مرورًا بملفات الطاقة والتحالفات الدولية. كانت تلك القمة بمثابة جرس إنذار بأن الاعتماد على المظلة التقليدية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لم يعد كافيًا لضمان أمن المنطقة أو استقرارها.
لقد أظهرت أحداث الدوحة بوضوح أن التحالفات القديمة تفقد فاعليتها تدريجيًا. فما بين اختلاف أولويات القوى الكبرى وتراجع التزامها التاريخي بحماية الحلفاء، وجدت الدول نفسها أمام فراغ استراتيجي دفعها للبحث عن بدائل جديدة. هنا برزت الحاجة إلى شراكات إقليمية تعيد صياغة موازين القوة، وتمنح اللاعبين المحليين قدرة أكبر على الإمساك بزمام المبادرة.
في هذا المناخ المضطرب، جاء توقيع الاتفاق الدفاعي بين الرياض وإسلام آباد ليشكل نقطة تحول. فالتعاون العسكري بين السعودية وباكستان ليس جديدًا، لكنه اليوم يأخذ طابعًا أكثر استراتيجية، يعكس إدراك الطرفين لضرورة الانتقال من التعاون الجزئي إلى بناء محور أمني متماسك. إنه اتفاق يتجاوز حدود التدريب وتبادل الخبرات، ليؤسس لرؤية أشمل تشمل تطوير الصناعات الدفاعية، وتعزيز القدرات الردعية، والتنسيق في الملفات الإقليمية الحساسة.
أهمية هذا الاتفاق لا تكمن في نصوصه فقط، بل في دلالاته العميقة. فهو رسالة واضحة بأن المنطقة تعيد رسم خرائطها بعيدًا عن المظلة الأمريكية التي تزعزعت الثقة فيها بعد سلسلة من المواقف المترددة، بدءًا من غزو العراق وصولًا إلى الموقف الرمادي من حرب غزة، وأخيرًا الضربة التي استهدفت قطر وأكدت أن الحماية الأمريكية ليست مطلقة.
من صدمة الدوحة إلى تحالف إسلام آباد، يبدو أن الشرق الأوسط مقبل على مرحلة جديدة من التحالفات الاستراتيجية، مرحلة تعكس تحرر القرار الإقليمي من الارتهان للخارج، والبحث عن توازنات تصنعها العواصم ذاتها، لا القوى البعيدة. إنها بداية لمرحلة عنوانها الاستقرار عبر القوة، وإعادة التوازن إلى مشهد يتغير كل يوم.